• الموقع : مركز اهل البيت في لندن - سري .
        • القسم الرئيسي : بحوث علمية .
              • القسم الفرعي : البحوث الأصولیة .
                    • الموضوع : مدرك قاعدة لا ضرر من الكتاب .

مدرك قاعدة لا ضرر من الكتاب

وقد استدل فقهاؤنا العظام على تحريم الضرر والضِرار بالكتاب العزيز، وهذا مما لا شك فيه حيث إنّ الضرر والضِرار من أظهر مصاديق الظلم والتعدي المحكومين بالحرمة بنص الكتاب الكريم.

الآية الاُولى : قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلاّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

وقد ذُكر في تفسير هذه الآية الشريفة وجهان :
الأوّل : كون الضارِّ كل من الوالدة والمولود له، فلا يجوز لها ترك إرضاعه، كما لا يجوز له ترك الإنفاق عليه.
وهذا بناء على كون الفعل مبنياً للفاعل، فتكون الباء ـ حينئذ ـ زائدةً.
الثاني : كون المتضرر كلٌ من الوالدة والمولود له، فلا يجوز للوالد أخذ الولد من اُمه لترضعه غيرُها، كما لا يجوز للوالدة إضرار الوالدَ بترك إرضاع ولدِه.
وهذا بناءً على كون الفعل مبنياً للمجهول، وحينئذ تكون الباء سببية.
وهناك أقوال أخرى في تفسير هذه الآية الشريفة وليس بينها تناف، فالاُولى حمل الآية على جميعها.

الآية الثانية : قوله تعالى : (طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ) الآية.
فنهى تعالى عن إمساك المطلّقات بالرجوع اليهن لا لرغبة فيهن بل لطلب الإضرار بهن وذلك إمّا بتطويل العدّة، أو بتضييق النفقة في العدّة.

الآية الثالثة : قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ.). وقد ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية المباركة وجهين :
الأوّل : أنّه تعالى نهى عن إضرار كاتب الدين، بأن يكتب مالم يُملَ عليه، كما نهى عن إضرار الشاهد على الدين، وعلى غيره، بأن يشهد بما لم يُستشهد فيه، أو بأن يمتنع عن أداءِ الشهادة وهو قادر عليها.
وهذا بناء على كسر الراء الاُولى من (يضار) فيكون مبنياً للفاعل.
الثاني : أنّه تعالى نهى عن الإضرار بالكاتب، بأن يُكلّف بالكتابة في حال عذره، كما نهى عن الإضرار بالشاهد بأن يُدعى الى إقامة الشهادة في حال عذره.
وهذا بناءً على أنّ الأصل فيه (يُضارّ) بفتح الراء الاُولى فيكون مبنياً للمفعول.

الآية الرابعة : قوله تعالى : (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من اللّه...).
فنهى تعالى الموصي من الضِرار في الوصية، فيكون معنى قوله تعالى : (غير مضارّ) أي غير موص وصيةً تضر بالورثةِ، كما إذا أوصى بجميع ماله، أو بما يزيد على الثلث لغير الطبقة الوارثة لئلا يصل اليها، أو أقرَّ بدين غير مُدان به، أو أقرّ باستيفاء دين له في مرضه دفعاً للميراث عن وارثه.

الآية الخامسة : قوله تعالى : (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كنَّ اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن).
فنهى تعالى عن إدخال الضرر على المطلّقات أيام عدتهن بالتضييق عليهن في المسكن، والنفقة، والكسوة.

الآية السادسة : قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ).
لقد حكم اللّه تعالى بعدم استواء المجاهدين مع القاعدين واستثنى من القاعدين اُولي الضرر، أي : أهل الضرر، وهم الفاقدون أبصارهم وأصحاب العلل الاُخرى التي لا سبيل لأهلها الى الجهاد; للضرر الذي بهم.

الآية السابعة : قال سبحانه: (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون)
روي أن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قبا وبعثوا الى رسول الله(ص) أن يأتيهم، فأتاهم وصلى فيه. فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف وقالوا: نبني مسجداً ونصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد (ص) فلما فرغوا منه أتوا رسول الله (ص) وهو يتجهز الى تبوك. فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا وتصلي فيه لنا وتدعو بالبركة. فقال (ص) إني على جناح سفر، ولو قدمنا آتيناكم إن شاء الله فصلينا لكم فيه. فلما انصرف رسول الله (ص) من تبوك، نزلت عليه الآية في شأن المسجد، فوصف غاية عملهم بأمور:
١ ـ ضراراً، أي للضرر بأهل مسجد قبا أو مسجد الرسول (ص) ليقل الجمع فيه.
٢ ـ وكفراً، أي لإقامة الكفر.
٣ ـ وتفريقاً بين المؤمنين، أي لاختلاف الكلمة وإبطال الألفة وتفريق الناس عن رسول الله (ص).
٤ ـ وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، أي مرصداً لأبي عامر الراهب وهو الذي حارب الله ورسوله من قبل
والآيات التي استعملت فيها مادة "ضرر" لا تنحصر بهذه السبعة المذكورة، إذ قد استعملت بصيغ مختلفة فيما يقارب ثلاثاً وستين آية أخرى ولكن أغمض عن سالتشرف بذكرها لعدم علاقتها الوثيقة بموضوع البحث.

المصدر: کتاب قاعدة لاضرر و لا ضرار

 تقرير أبحاث المُحقّق الاُصُوليّ الكَبيرآية اللّه العُظمى الشيخ ضياء الدين العراقيّ(قدس سره)(1278ـ1361هـ ق)

تأليف الفقيه المحقّق آية اللّه السيّد مرتضى الموسويّ الخلخاليّ (1324 ـ اعتقل 1412هـ .ق)

تحقيق وتعليق سماحة العلامة السيد قاسم الحُسينيّ الجلالي


  • المصدر : http://www.surrey-ic.org/subject.php?id=306
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14