تحديد الضرر المنفي في الشريعة الإسلامية
يعود تحديدُ الضرر والضِرار المنفيّ في الشريعة الإسلاميّة المقدسة الى العرف، فهو المرجَع في ذلك، بمعنى أنّه يُعيّن الضرر عند الشك في حصوله، فما لا يصدق عليه الضررُ عرفاً لا يُعدّ منفياً بالقاعدة ولا محرماً شرعاً وإن صدق عليه ذلك لغةً، كما أنّه لا يعارض ثبوت الأحكام الاُخرى وإن حصل به النقص اليسير، فتلف مثقال من الحنطة ـ مثلاً ـ لا يجوّز إبطال العبادة بقطعها للحيلولة من تلفه فيما لو توقّف ذلك على إبطالها.
ولا يقال : إنّه ضرر منفي فيعارض قوله(صلى الله عليه وآله وسلم)(لا تبطلوا اعمالكم); لعدم عدِّ العرّف ذلك ونظائره ضرراً.
هذا ما لم يقم دليل خاصٌّ على أنّ الشارع وسّع الضرر أو ضيّقه في موارد خاصة، والاّ فيتّبع ذلك الدليل الخاص.
ففي الصورة الاولى يكون الضرر شرعياً وإن لم يعده العرف ضرراً.
وفي الصورة الثانية يكون الضرر عرفيا لا شرعياً; لعدم عدّه من قبل الشارع ضرراً.
والمعتبر في هاتين الصورتين هو الشارع، وإنّما يعتبر العرف فيما لو لم يدلّ دليل خاصٌّ من قبل الشارع يُعيّن الضرر ضيقاً وسعة.
ثمّ أنّ الضرر يختلف باختلاف الأشخاص والأموال والأماكن والأزمنة وغير ذلك من الإعتبارات التي يجب ملاحظتها في الموارد حين التطبيق، نظير ما لو أقدم الشخص على أصل التضرر فلا تشمله القاعدة برفع الضرر الوارد عليه لكونه حصل بفعله لا من حكم الشارع حتى يكون داخلاً في القاعدة. كمن أقدم على البيع بدون ثمن المثل عالماً.
نعم لا فرق بين أن يكون المحقق لموضوع الحكم الضرري إختيارياً أو غير إختياريٍّ كمن سبب لنفسه مرضاً بحيث تضر معه العبادة فحينئذ يسقط عنه الوجوب على النحو الذي يتضرّر به، لكونه حكماً ضررياً.
وأمّا مصاديق الضرر فلا فرق في ثبوت النفي بينها في كون بعضها أقلّ ضرراً والآخر أكثر، بل هي بعد الصدق العرفي على حدّ سواء في كونها منفية شرعاً وإن تفاوتت في الضرر من جهة كون بعضها أقلّ ضرراً من الآخر.
نعم عند التعارض يقدّم ما هو أقلّ ضرراً وأخف فساداً على ما هو أكثر وأشدّ، كصلح المشركين فإنّ فيه ضرراً على المسلمين لكن في تركه ضررٌ أعظم لما يترتب عليه من قتل المسلمين فيقدم الصلح على الحرب، وكذا تقدم الاستساغة بالخمر على فوات النفس لأنّها أقلّ ضرراً منه.
ويستفاد تعين الاخف ضرراً عند التعارض من نفس حديث نفي الضرر نظراً الى كونه في مقام الإرفاق والامتنان، فلا يفتقر التعين الى دليل خاص.
ومن هنا يعلم بطلان ما في العوائد من عدم الوجه في تقديم الأخف ما لم يقم دليل خاص عليه.
المصدر: کتاب قاعدة لاضرر و لا ضرار
تقرير أبحاث المُحقّق الاُصُوليّ الكَبيرآية اللّه العُظمى الشيخ ضياء الدين العراقيّ(قدس سره)(1278ـ1361هـ ق)
تأليف الفقيه المحقّق آية اللّه السيّد مرتضى الموسويّ الخلخاليّ (1324 ـ اعتقل 1412هـ .ق)
تحقيق وتعليق سماحة العلامة السيد قاسم الحُسينيّ الجلالي