التنبيه الثاني في ان المراد من الضرر : الشخصي أم النوعيّ؟
إنّه هل المراد الضرر الشخصيّ، أو النوعيّ، أو يفصّل.
والظاهر: هو الأوّل، وتوضيحه يبتني على بيان مقدّمات ثلاث :
المقدّمة الأولى :
في بيان المائز بين العلّة والحكمة ثبوتاً ومعلوم أنّه لا يمكن أخصيّة العلّة من المعلول، للزوم ثبوته بدون العلّة.
فنقول ـ حينئذ ـ : تارة يكون ضرر شخصي موجباً لرفع، أو لإثبات راجعـين لذلك الشخص، سواء كان الشخص هو المكلّف، أو المعاملة، أو الفعل، أو غيرها.
واُخرى : يكون ضرر شخصي موجباً لما ذُكر بالنسبة الى ذلك الشخص ولغيره.
وثالثة : ضرر أشخاص من نوع يكون موجباً لما ذُكر بالنسبة الى اُولئك الأشخاص فقط.
ورابعة : ضرر أشخاص من نوع يكون موجباً لذلك بالنسبة الى جميع أفراد النوع سواء كان النوع ـ في هذين الفرضين ـ نوعاً من المكلّفين، أو المعاملة، أو الفعل، أو غيرها.
ومما ذكرنا عرفت أنّ الاستناد والعلّية غير معقول في الثانية والرابعة بلا واسطة، بل لابدّ في العلّة من التأثير في معنى قائم بجميع موارد المعلول.
فالاستناد بلا واسطة يتمُّ في الاُولى والثالثة، فهما من قبيل العلّة، والاُخريين من قبيل الحكمة.
بيان معنى الحكمة
فعُلِمَ : أنّه لا يلزم في الحكمة فعلية وجودها في مصاديق المعلول، لأنّها ليست بعلّة على أي حال، فكما يمكن أن يكون المعنى القائم بالغالب، أو النصف، أو الكثير في نفسه، موجباً لمعنى شامل لتمام موارد ثبوت المعلول، كذلك يمكن ذلك في المعنى القائم بقليل من موارد المعلول; بل بشخص منها; بل يمكن إستناد أمر راجع الى أحد الى معنى قائم بغيره; لوجود الملاك المصحّح في الجميع، وهو التأثير في العلّة الموجودة في مورد الحكم والمعلول، فلا يحتاج الى الأخصيّة، فضلاً عن الغلبة والكثرة.
فغير الاُولى والثالثة كلّه راجع الى الحكمة.
وحاصلها الإستناد الى مالا تتمّ فيه العلّية; لأجل أحد الوجوه المذكورة بمنا سبة تأثير ذلك في معنى صحيح خال عن المحذور بمراتبه المذكورة.
المقدّمة الثانية: في مقام الإثبات
فلا إشكال في أنّ الظاهر من الاستناد هو العليّة بأحد وجهيها، إلاّ أنّ يَثْبُت كونه حكمةً بقرينة خارجيّة.
ومجرد إطلاق المعلول لا يكفي، وليس منها; بل الظاهر تقييده بمقتضى ظهور الاستناد في العليّة ـ كما هو دَيْدَن الأصحاب ـ ولذا يقولون بتبعيّة حدود المعلول لحدود العلّة في العمل بالظهور إطلاقاً وتقييداً، وليس ذلك إلاّ لأقوائيّة ظهور الإستناد في العلّية على إطلاق المعلول، وإلاّ لحمل عل الحكمة، واُخذَ باطلاق المعلول، وليس كذلك بل المتبع ما ذكرنا.
إلاّ أنّ تقوم قرينة خارجيّة توجب قوة الاطلاق، وكلّ ذلك لأقوائيّة ظهور الاستناد في كونه بلا واسطة، فافهم.
المقدّمة الثالثة: في شرح أدلّة المقام
ومعلوم أنّه ليس إلاّ ما سَبَقَ من الأخبار المطبّقة فيها القاعدة في كلام المعصوم(عليه السلام)، وهي أخبار الشفعة، وفضل الماء وأخبار قضيّة سَمُرة، وخبر الجدار.
أما الأوّل: فأمّا على ما حقّقناهُ ـ من كون لا ضرر فيها تابعاً لما جُعِل من حقّ الشُفعة وحقّ الانتفاع من الفضل والزيادة. فلا إشكال في كون المنع عن الحقّ ضرراً دائماً.
وأمّا على المشهور ـ من كون لا ضرر موجباً لجعل الحقّين ـ فلو كان امتناع الناس عن الفضل، ومقهوريّة الشريك للشركة مع المشتري ضرراً دائماً، فلا إشكال أيضاً.
وإن كان غير دائميّ.
فإمّا أن يؤيد الإطلاق المزبور بالقرائن الداخليّة والخارجية، فلابُدّ من الحمل على الحكمة، واستكشاف إيجابه لمعنى موجود في جميع الموارد.
ولا يرد عليه : عدم غلبة الضرر; لعدم لزومها في الحمل على الحكمة، كما سبق.
وإن لم يؤيّد الإطلاق فلا يُثبت الحقّان أزيد من موارد الضرر.
وأمّا الثاني والثالث فهما راجعان الى قضيّتين شخصيّتين، والضرر فيهما وامثالهما مفروض التحقق على جميع التقادير المذكورة في حلّهما.
المصدر: کتاب قاعدة لاضرر و لا ضرار
تقرير أبحاث المُحقّق الاُصُوليّ الكَبيرآية اللّه العُظمى الشيخ ضياء الدين العراقيّ(قدس سره)(1278ـ1361هـ ق)
تأليف الفقيه المحقّق آية اللّه السيّد مرتضى الموسويّ الخلخاليّ (1324 ـ اعتقل 1412هـ .ق)
تحقيق وتعليق سماحة العلامة السيد قاسم الحُسينيّ الجلالي