• الصفحة الرئيسية

حول المركز :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التعريف بالمركز (2)
  • نشاطات المركز (1)
  • إعلانات المركز (47)
  • التواصل (1)

بحوث علمية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البحوث القرآنية (4)
  • بحوث نهج البلاغة (20)
  • البحوث العقائدية (15)
  • البحوث التاریخیة (14)
  • البحوث الفقهية (3)
  • البحوث الأصولیة (18)

المحاضرات (مرئیات) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شهر محرم و صفر (56)
  • شهر رمضان المبارك (59)
  • مناسك الحج (47)
  • الادعیة (15)
  • البث الفضائي (34)
  • التفسیر (9)
  • الدروس الحوزویة (2)
  • الحوارات و الندوات (3)
  • مجالس التأبین (3)
  • متفرقات (34)
  • مجالس استشهاد المعصومین (25)
  • مجالس میلاد المعصومین و الاعیاد (32)
  • صلاة الجمعة (63)
  • صلاة العیدين (4)

حقل الصور :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • رمضان المبارك (8)
  • محرّم الحرام (0)
  • نشاطات عامّة (6)
  • صفر المظفّر (0)
  • ولادات المعصومین (7)
  • وفیات المعصومین (2)
  • صلاة الجمعة و العیدین (6)

البحث :


  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إتصل بنا
  • القسم الرئيسي : بحوث علمية .

        • القسم الفرعي : البحوث العقائدية .

              • الموضوع : التوحید .

التوحید

ذاتُ الواجبِ تَعَالى
اعلمْ أنَّ الحقَّ تَعَالى هوَ صِرْفُ الوجودِ ، وماهيّته تعالى عينُ الوجودِ .
مَعنى الحَقّ تَعَالى  : ونَعني بالحقِّ  الحقَّ من جهةِ الوجودِ ، والحقَّ من جهةِ الخبرِ عنهُ ، والحقَّ من جهةِ أنَّه لا سبيلَ للبطلانِ إليه ، فإنَّ الحقَّ يُستعملُ في كلِّ واحد منْ هذِه المعاني ، وعندما نقولُ : هو الحقُّ تعالى; لأنَّه واجبٌ لا يُعدم ، ووجودٌ لا يُعدم ، وبسببِ هذا الوجودِ تكتسبُ جميعُ الموجوداتِ وجودَها .
ولقدْ أجادَ الشاعرُ عندما قالَ :
ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلٌ***وكلّ ُنعيم لا مَحالةَ زائِلٌ 

معنى صِرْفِ الوجودِ 
والمرادُ من قولنا : إنَّ الواجبَ هو صرفُ الوجودِ وماهيُّته عينُ الوجودِ هو الوجودُ الخارجىُّ، لا مطلقُ الوجودِ الذي هو الوجودُ المشتركُ ، فهو زائدٌ على الذاتِ في الواجبِ والممكنِ .
والحاصلُ أنَّ صرفَ الوجودِ هو محضُ النوريّةِ ، وبحتُ الوجودِ ، وعينُ الوحدةِ الحقّةِ الحقيقيّةِ .
أمّا الدليلُ على أنَّ الحقَّ تعالى هوَ صرفُ الوجودِ ، فنقولُ : إنْ كانَ الوجودُ في الواجبِ عرضيّاً، فلابدَّ للواجبِ من ماهيّة ، فهو حينئذ شيءٌ ووجودٌ ، كما أنَّ الممكنَ هو ماهيّةٌ ووجودٌ ، ومقتضى العروضِ معلوليّةُ العارضِ الذي هوَ الوجودُ .
وعليه، فنقولُ : إنَّ ذلكَ الوجود إمّا أنْ يكونَ معلولاً لماهيّتهِ ، والعلّةُ أيْ الماهيّة، تكونُ مقدّمةً ، وتكونُ الماهيّةُ عينَ وجودِ المعلولِ ، أو أنْ يكونَ ذلكَ الوجودُ غيرَ وجودِ المعلولِ .
وَعَلى الأوّلِ بأنْ كانَ السابقُ وجودَ المعروضِ ، واللاّحقُ وجودَ العارضِ ، فهما متّحدانِ، ويلزمُ تقدُّم الشيءِ عَلى نفسِهِ  .
وَعَلى الثاني بأنْ كانَ وجودُ العارضِ غيرَ وجودِ المعروضِ ، ننقلُ الكلامَ لذلكَ الوجودِ الذي هوَ غيرُ وجودِ العارضِ فهوَ معلولُ الماهيّةِ .
وأيضاً فالفرضُ أنَّه  وجودٌ عارضٌ وهوَ ـ أيضاً ـ معلولُ ماهيّةِ الموجودِ ، وهكذا فيلزمُ التسلسلُ .
أو أنْ يكونَ المعلولُ لغيرِ وجودِ الماهيّةِ، فيلزمُ منه أنْ يكونَ ممكناً ; لأنَّ معلوليّتَه منْ الغيرِ تتنافى معَ كونِه واجباً .
وممّا تقدّمَ اتّضحَ أنَّ ذلكَ الواجبَ هوَ عينُ الوجودِ ، وليستْ له ماهيّةٌ ، بلْ هوَ صرِفُ الوجودِ .

صِفاتُ البارئ عَزَّ وجلَّ
بعدَما عرفتَ بأنَّ الواجبَ هوَ صرِفُ الوجودِ ، فالعقلُ يحكمُ بأنَّ مفهومَ ومعنى العلمِ والقدرةِ والإرادَةِ وغيرها من الصفاتِ هي حقيقةٌ واحدةٌ ، وهذه الصفاتُ متّحدةٌ معَ الذاتِ المقدّسةِ الواجبةِ ، وتلك الصفاتُ واحدةٌ في مقامِ وجودِها ، وفي مرتبةِ المفاهيمِ والمعاني متغايرةٌ مع الأُخرى ، وذلك الوجودُ هو جامعٌ للمتخالفاتِ، وتلك جهةٌ نورانيّةٌ شاملةٌ .
ومنْ هنا عرفتَ بأنَّ هذهِ الصفاتَ قديمةٌ حيثُ ثبتَ أنَّها عينُ الذاتِ والذاتُ قديمةٌ ، بدليل أنَّه إذا كانتْ له صفةٌ حادثةٌ فهىَ ممكنةٌ وناقصةٌ ، وصفاتُه لابدَّ أنْ تكونَ كاملةً ، ويستحيلُ أنْ يتّصفَ بغيرِ الصفاتِ الكماليّةِ الكاملةِ ، وعلى تقديرِ حدوثِهِا يلزمُ تعريةُ الواجبِ من صفاتِ الكمالِ ، وهذا نقصٌ وهو مَحالٌ على الحقِّ سبحانَه وَتَعالى .
وقدْ ذكرَ العلماءُ(رحمهم الله) أنَّ الصفاتِ الذاتيّةَ  خمس : القدرةُ ، والعلمُ ، والحياةُ ، والأزليّةُ ، والأبديّةُ ، ومرجعُ بقيّةِ الصفاتِ إليها .
بيانُ ذلكَ بأنّه تنقسمُ الصفاتُ إلى ثبوتيّة، وسلبيّة، وذاتِ إضافه.
أمّا الصفاتُ الثبوتيّةُ، فتُنتزعُ من نفس جوب الوجود، فإنّ وجوب الوجود بنفسه يقتضي العلم والقدرة والصمديّة والقيوميّة.
والصفاتُ السلبيّةُ، تُنتزعُ من الصمديّة، فالصمد لا يحتاج إلى شيء، فهو لا شريك له ولا ضدَّ، إلى غير ذلك من الصفات السلبيّة.
والصفات ذات الإضافة، فهي ترجع إلى القيوميّة، فحيث إنّ الواجب يقوم به كلّ شيء فهو خالقٌ ورازقٌ إلى غير ذلك من الصفات ذات الإضافة.
ومرجعُ القيوميّة والصمديّة إلى وجوبِ الجودِ، فيكون وجوب الوجود الأصل في كلّ الصفاتِ .

التوحيدُ الأفعالي 
انظرْ إلى الإنسانِ الذي خلقَهُ اللهُ تعالى، وأودعَ فيه ما أودعَ ، وجعلهُ خليفةً في الأرضِ ، ولذلكَ قالَ أميرُ المؤمنين(عليه السلام):
أتزعمُ أنّكَ جِرمٌ صغيرٌ***وفيكَ انطوَى العالمُ الأكبرُ 
لقدْ خلقَ اللهُ الإنسانَ في أحسنِ تقويم ، وصوّرَه في أبدعِ تصوير ، فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين، فلو كانتْ عينُ الإنسانِ في غير موضعها،فإنّه لا يستطيعُ دفعَ الشرِّ عن نفسِه ، لقدْ خُلقَ الإنسانُ من يد ورجل وَأَصابِعَ وأُذن وعين وغيرِ ذلكَ، وجعلها في أنسب محلّ من جسم الإنسان  ، وقدْ سُخّر له ما في السماوات والأرضِ ، ولذا قالَ(عليه السلام): «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ ربَّهُ»  .
وقدْ نوّع اللهُ تعالى الفصولَ في السنةِ ، فلو كانَ المناخُ طوالَ السنةِ حارّاً أو بارداً أو ربيعاً أو خريفاً ، للزِمَ هلاك كلّ ما على الأرضِ من إنسان وحيوان ونبات.
ثمّ إذا لمْ يكن الإنسانُ ليمرض أو لا يُبتلى بشيء فمتى يذكرُ اللهَ ؟ ومتى يدعو ؟ ولذا فإنّ اللهَ يبتلي الإنسانَ كي يُعَلِّمَه أنَّه مُحتاجٌ ،.
فانظرْ إلى الأيّامِ تارةً طويلةٌ وتارةً قصيرةٌ ، وإلى السماءِ والأرضِ والشمسِ والقمرِ والكواكب فانّك ستدرك وجود الحقّ تعالى وعنايته ، ولذا قالَ تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِى الآفاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَ نَّهُ الحَـقُّ أوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَ نَّهُ عَلى كُلِّ شَئ شَهِـيدٌ)  .
وانظرْ إلى حُسنِ نظامِ عالمِ الكونِ وما يقومُ عليه من المحاسبةِ والتقديرِ والتوازنِ والانسجامِ وأنّ المدبّرَ له هو واحدٌ وإلاّ فيستلزمُ منه الفسادُ ، كما قالَ تعالى : (لَوْ كانَ فِـيهِما آلِـهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدَتا)  .
وكلُّ ما يصدرُ منه هو خيرُ محض منه الوجودُ ، ولقدْ أجادَ من قالَ :
وفي كلِّ شيء له آيةٌ***تدلُّ على أنَّه واحدُ 
وأمّا الشرورُ، فهي أُمورٌ نسبيّةٌ تتحقّقُ في عدمِ استعمالِ الشيءِ في موضعه الملائمِ له، مِثْلُ قَتْلِ الأنسان ظلماً فهو شرٌّ ، لكنْ هلْ وجودُ آلة القتلِ «كالسكّين» شرٌّ؟ كلاّ; لأنَّ السكّينَ وجودٌ والوجودُ خيرٌ.
وهلْ فرىُ السكّينِ الأوداجَ شرٌّ ؟ والحالُ كونُ الفري هو مِن كمالاتِ السكّينِ وهو خيرٌ.
وهل تقطيعُ اللّحمِ شرٌّ ؟ والحالُ أنَّه من كمالاتِ السكّينِ .
وهل نزفُ الدمِ من الإنسان شرٌّ ؟ والحالُ أنّ َالدمَ جسمٌ سيّالٌ ومن كماله أنَّه يجري متى ما وجدَ الطريقَ .
فتبيّنَ أنّها جميعاً وجوداتٌ وهي خيرٌ ، نَعَمْ، اجتماعُ هذه الوجوداتِ في محلّ واحد بحيث يوجبُ زهاقَ الروحِ هو شرٌّ ، وهذا الفعلُ من اختياراتنا ، فالشرُّ أمر عدميّ ونسبيّ وسببه الممكناتُ، قال تعالى: (وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَـيِّـئَةٌ يَقُولُوا هـذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُـلْ كُـلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَمالِ هـؤُ لآءِ القَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِن نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللّهِ شَهِـيداً)  .
وقدْ تَحَدّثتْ آياتٌ قرآنيّة كثيرةٌ عن هذا المعنى، كما تواترَ هذا المعنى في الأحاديثِ الشريفة، سيّما الأحاديث القدسيّة:منها: قولهم(عليهم السلام):«مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَة  فَمِنَ اللَّهِ، وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ».

الجَبْرُ والتَفْويضُ والأمرُ بينَ الأمرينِ
وقدْ ظهرَ ممّا تقدّمَ بطلانُ القولِ بالجبرِ والتفويضِ  .
والجَبْرُ هوَ قولُ منْ قالَ : بأنَّنا كالآلةِ وكلُّ الأفعالِ هي أفعالُ اللهِ تباركَ وتعالى .
فقد علمنا أنَّ اللهَ تعالى قدْ أوجدَ الأشياءَ ، والوجودُ هو خيرٌ محضٌ ، وكلُّ الخيرِ مستندٌ للوجودِ ، وكلُّ الشرِّ مستندٌ لنا ، فإنَّ اللهَ تعالى قدْ أعطانا قوّةَ البصرِ ، فإذا استعملنا هذه القوّةَ في الشرِّ فهو بسوءِ اختيارنا، ونحن سببٌ ذلك الشرِّ ، وكذا تبيّنَ فسادُ القولِ بالتفويضِ الذي مفادُهُ أنَّ جميعَ الأفعالِ منّا، فوجودُ الأشياءِ وشرورها منّا .
ووجه الفسادِ هو أنّنا محتاجونَ إلى علّةِ الإيجادِ والبقاءِ ، فإذا قطعَ اللهُ تعالى النظرَ عن الممكناتِ في أيِّ لحظة فستكون كلّها أعداماً ، فبواسطته يُقال لها : وجوداتٌ ، فانظرْ إلى مولّدِ الطاقةِ الكهربائيّةِ، فلو توقّفَ المحرّكُ عن العملِ فكيفَ يمكنُ استمرار الضوءِ ونورِ الكهرباءِ ؟ فكذلك بالنسبةِ للحقِّ تعالى والكائناتِ، فإذا قطعنا النظرَ عنْ علّةِ جميعِ هذه الممكناتِ، فستعودُ إلى حالها الأوّلِ .

الأمرُ بَيْنَ الأمرينِ 
فالحقُّ والتحقيقُ  هو كما جاءَ في الأخبارِ : «لا جَبْرَ ولا تفْويضَ بلْ أمرٌ بيْنَ أمرَينِ» ، أيْ القوّةُ والوجودُ من اللهِ تعالى ، لكنْ إعمال هذه القوّةِ وشرور هذا الوجودِ منّا .
والدليلُ أنَّ الممكنَ محتاجٌ إلى علّته عندَ الحدوثِ وكذا عندَ البقاءِ ، والممكنُ بذاتهِ ليسَ له اقتضاء الوجودِ ولا اقتضاء العدمِ ، واحتياجُ الممكنِ إلى مؤثّر هو أمرٌ ضروريٌّ وبديهيٌّ ، وكما أنَّ الممكنَ لا اقتضاء له في ذاته أوّل الحالِ ، كذلك في الحالِ الثاني والثالثِ وهكذا ; فانّ حاجة الممكن إلى علّةِ الإمكانِ مستمرّة باستمرار الإمكانِ فيه، وهوَ لازمُ الماهيّةِ ، بلْ وجود الإمكانِ في كلِّ وعاء سواءٌ كانَ وعاءَ الواقع وهو عبارةٌ عن الدهرِ أو الزمانِ ، أو في ظرفِ الزمان مثل الفصلِ والوصلِ فهو عينُ الفقرِ والفاقةِ إلى العلّةِ ، وهو اللهَ تعالى الذي أعطى الوجودَ للماهيّاتِ، ونحنُ وجودٌ قدْ أفاضَهُ الحقُّ سبحانَهُ وتعالى .

أحاديثُ الجبرِ والقدرِ والأمرِ بينَ الأمرين
1. رَوَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّد عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّد، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا(عليه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: اللَّهُ فَوَّضَ الاَْمْرَ إِلَى الْعِبَادِ ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ»، قُلْتُ:فَجَبَرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْدَلُ وَ أَحْكَمُ مِنْ ذَلِكَ» قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ، وَ أَنْتَ أَوْلَى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي، عَمِلْتَ الْمَعَاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِيكَ» .
2. وروى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَعَلِمَ مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ، وَ أَمَرَهُمْ وَ نَهَاهُمْ فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْء فَقَدْ جَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلَى تَرْكِهِ، وَ لاَ يَكُونُونَ آخِذِينَ وَ لاَ تَارِكِينَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّه»  .
3. وروى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ قُرْط، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشَاءِ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَ الشَّرَّ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ فَقَدْ أَخْرَجَ اللَّهَ مِنْ سُلْطَانِهِ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ بِغَيْرِ قُوَّةِ اللَّهِ فَقَدْ كَذبَ عَلَى اللَّهِ، وَ مَنْ كَذبَ عَلَى اللَّهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ»  .
4. وروى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ زَعْلاَنَ، عَنْ أَبِي طَالِب الْقُمِّيِّ، عَنْ رَجُل، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ:أَجْبَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي، قَالَ: «لاَ»، قُلْتُ: فَفَوَّضَ إِلَيْهِمُ الاَْمْرَ ؟ قَالَ: قَالَ: «لاَ» ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا ذَا ؟ قَالَ: «لُطْفٌ مِنْ رَبِّكَ بَيْنَ ذَلِكَ»  .
5. وروى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِد، عَنْ أَبِي جَعْفَر وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليهما السلام) قَالاَ: «إِنَّ اللَّهَ أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ مِنْ أَنْ يُجْبِرَ خَلْقَهُ عَلَى الذُّنُوبِ ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا، وَاللَّهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُرِيدَ أَمْراً فَلاَ يَكُون». قَالَ: فَسُئِلاَ(عليهما السلام) هَلْ بَيْنَ الْجَبْرِ وَ الْقَدَرِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ ؟ قَالاَ: «نَعَمْ أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ»  .
6. وروى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْل، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام)قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْجَبْرِ وَ الْقَدَرِ ؟ فَقَالَ: «لاَ جَبْرَ وَ لاَ قَدَرَ وَ لَكِنْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَهُمَا فِيهَا الْحَقُّ الَّتِي بَيْنَهُمَا لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ الْعَالِمُ أَوْ مَنْ عَلَّمَهَا إِيَّاهُ الْعَالِمُ»  .
7. وروى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام)قَالَ: «لاَ جَبْرَ وَ لاَ تَفْوِيضَ وَ لَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ» قَالَ: قُلْتُ: وَ مَا أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ ؟ قَالَ: «مَثَلُ ذَلِكَ رَجُلٌ رَأَيْتَهُ عَلَى مَعْصِيَة فَنَهَيْتَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، فَتَرَكْتَهُ فَفَعَلَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ، فَلَيْسَ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْكَ فَتَرَكْتَهُ كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالْمَعْصِيَةِ» .

الصفاتُ السلبيّةُ
أمّا الصفاتُ السلبيّةُ، فإنَّ ساحةَ الحقِّ سبحانهُ وتعالى منزّهةٌ عنها ، وسنبيّنُ بعضَها :

الأُولى : نفيُ التركّيبِ عنه تعالى
إنَّ وجوبَ الوجودِ يقتضي نفيَ التركّيبِ ، فإنَّ المركّبَ مفتقرٌ دائماً إلى أجزائه ، وكلُّ مفتقر ناقصٌ وممكنٌ ، فواجب الوجود لايمكن أن يكون مركّباً .

الثانيةُ : نفيُ الجسمِ والجوهرِ والعرضِ عنه تعالى
وممّا يقتضيه وجوبُ الوجودِ أنَّه ليسَ بجسم ولا جوهر ولا عرض ، فإنَّ كلَّ جسم يحتاجُ إلى مكان وحيّز ، وكذا الجوهرُ والعرضُ ، والبارئ تعالى لا يخلو منهُ مكانٌ ، ولا يحيطُه مكانٌ، ولا حيّزٌ; لانَّه غنيّ لايحتاج إلى شيء ; لأنّ الحاجة نقص .

الثالثةُ : نفيُ كونِهِ تعالى محلاًّ للحوادثِ
إنَّه تعالى ليسَ محلاًّ للحوادثِ ، فإنَّ كلّ ما هو محلٌّ للحوادثِ يتغيّر بتغيّر الحوادثِ ، والتغيّر من صفات الممكن .

الرابعةُ : نفي الشريك عنه تعالى
لو كانَ ثمّةَ واجبَا الوجودِ لاشتركا في وجوبِ الوجودِ ، فإمّا أنْ يتميّزا أو لا ، فإنْ لمْ يتميّزا فليس هما باثنين فانتفت الشركة ، وإنْ تميّزا استلزمَ التركيبَ وهو باطلٌ .

الخامسةُ : نفيُ الاحتياجِ عنه تعالى
إنَّه تعالى ليسَ بمحتاج ; لأنَّ الاحتياجَ نقصٌ ، والواجبُ لايكون ناقصاً .

السادسةُ : نفيُ زيادةِ صفاتِهِ تعالى
إنَّ صفاتِهِ الذاتيّةَ سبحانَه ليستْ زائدةً على ذاتِهِ كما استدللنا سابقاً، فإنَّه إذا كانتْ زائدةً على الذاتِ يلزمُ منه أن تكون ذاته محتاجة إليها، والاحتياج من صفات الممكنِ .

السابعةُ : نفيُ رؤيتهِ تعالى
إنَّ علوّه تعالى عن الجهةِ والحيّزِ يقتضي نفيَ الرؤيةِ عليه ، تعالىَ عنْ جميعِ ذلكَ علوّاً كبيراً ، وفي ذلك تفصيل سنقف عليه في الفصل القادم .

امتناعُ رؤيةِ اللهِ تَعَالى
اعلمْ أنَّه وقعَ اختلافٌ بينَ المسلمينَ في مسألةِ الرؤيةِ ، والشيعةُ تُنكرُ الرؤيةَ مطلقاًلا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ ; وذلكَ لأنَّ وجوبَ الوجودِ يقتضي تجرّدَه عن الجهةِ والحيّزِ ، فتنتفي الرؤيةُ عنه تعالى بالضرورةِ ; لأنَّ كلَّ مرئيًّ لابدَّ أنْ يكونَ في جهة أو حيّز ، وإذا انتفى ذلكَ انتفتِ الرؤيةُ .
وأمّا القائلونَ بالرؤيةِ ، فيستدلّونَ عليها بمايلي :
إنَّ النبيَّ موسى(عليه السلام) قدْ سألَ الرؤيةَ ، فإنّها إنْ كانتْ ممتنعةً فلماذا سألها النبيُّ موسى(عليه السلام)؟
وهذا السؤال لا يخلو من حالتين : إمّا أنْ يعلمَ بامتناعِ الرؤيةِ أو لا يعلم ، فإنْ كانَ يعلمُ بامتناعِ الرؤيةِ، فالطلبُ عبثٌ وهو من العاقلِ محالٌ ، وإنْ كانَ جاهلاً، فالجهلُ غيرُ جائز على النبيَّ ، وجهلُه يمنعُ كونَه نبيّاً .
والجوابُ: أنَّ سؤالَ النبيِّ موسى(عليه السلام) كانَ تنبيهاً لقومِه  حيثُ إنَّه يعلمُ امتناعَ الرؤيةِ .
وهذا جوابُ السيّد المرتضى، علمِ الهدى(رحمه الله)  ، ونقلَه المجلسيُّ(رحمه الله)  ، والظاهرُ اختياره لهذا الجوابِ، فإنَّه نقلَ بعضَ المؤيّداتِ على أنَّ الطلبَ كانَ من بني إسرائيلَ، كقولِه تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَ كْبَرَ مِنْ ذ لِكَ فَقالُوا أَرِنا اللّهَ جَهْرَةً فَاَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)  .
وقوله تعالى : (وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَـأَخَذَتْـكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)  .
ومن المؤيّداتِ أنَّ النبيَّ موسى(عليه السلام) قدْ أضافَ طلب ذلكَ إلى السفهاءِ ، قالَ تعالى: (فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّاىَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّـفَهاءُ مِنّا)  .
وهذه الإضافةُ للسفهاءِ تدلُّ على أنَّ سؤالَ النبيَّ موسى(عليه السلام) كانَ بسببهمْ، فإنَّهم سألوا عنْ شيء غير جائز على اللهِ تعالى .
وإذا قيلَ : فلمَ أضافَ السؤالَ إلى نفسِهِ ، وكذا الجوابَ كانَ مختصّاً بهِ ؟
قُلنا : لا مانعَ منْ وقوعِ الإضافةِ على هذا الوجهِ ، معَ كونِ السؤالِ منْ جهةِ الغيرِ ، على أنَّه توجدُ هناكَ قرينةٌ تمنعُ الالتباسَ ، كما جاءَ في الآية المباركةِ : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِـيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّـهُ قالَ رَبِّ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْك َ قالَ لَنْ تَرانِى وَلـكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِى فَلَمّا تَجَلّى رَبُّـهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَـرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَك َ تُبْتُ إِلَيْك َ وَأَنَا أَ وَّلُ الْمُؤْمِنِـينَ)  .
وقدْ يقالُ بأنَّه إذا كانَ السؤالُ للغيرِ فماتقصيرُ النبيِّ موسى(عليه السلام) حتّى تابَ من سؤالِهِ ؟
فيُقالُ : التوبةُ هُنا بالمعنى الّلغويِّ وهوَ الرجوعُ ، والمعنى إنَّي رجعتُ لِما كُنتُ أعلمُ بهِ ، وهوَ عدمُ إمكانِ الرؤيَةِ ، والسؤالُ كانَ منْ جهةِ القومِ ، والآنَ تركتُ هذا السؤالَ، وأرجعُ لِما كنتُ أعلمُهُ من السابقِ  .
ويُحتملُ أنْ تكونَ توبةُ النبيِّ موسى(عليه السلام) منْ جهتِهِم،كماكانَ السؤالُ منْ جهتِهِم أيضاً .
وهناكَ احتمالٌ آخرُ وهوَ أنَّ النبيَّ موسى(عليه السلام) سألَ الرؤيةَ معَ علْمِهِ بامتناعِها ، إلاّ أنَّه كانَ لأجلِ زيادةِ الاطمئنانِ ، كمَا سألَ النَّبِيُّ إبراهيمُ(عليه السلام) ربَّه قائلاً : (وَ إِذ قالَ إِبْراهيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلـكِنْ لِـيَطْمَئِنَّ قَلْبِى)  .
والحاصِلُ أنَّنا نمنعُ عقلاً طلبَ المَحالِ ، إلاّ أنَّه يُحتملُ أنْ يكونَ طلبُ العاقلِ للمَحالِ لامنْ جهةِ مَحاليَّتِهِ ، بلْ لغرض آخرَ، كزيادةِ الاطمئنانِ ، أو إفْحامِ المخالفينَ .

مراتبُ الخوفِ منَ اللهِ تعالى
اعلمْ، أنَّ الخوفَ من اللهِ تعالىَ عَلى ثلاثةِ أنواع  :
الأوّلِ : خوفُ العبدِ منْ عظمةِ اللهِ وجلالِه وكبريائِه تعَالى ، وأربابُ القلوبِ يسمّونَ هذا النوعِ «الخَشْية أو الرَّهبَة»  .
الثاني : خوفُ العبدِ من الذنوبِ والتقصيراتِ الصادرةِ منهُ .
الثالثِ : الخوفُ من الأمرينِ معاً .
ولا شكَّ أنَّه كلّما زادتْ معرفةُ العبدِ بعظمةِ الخالقِ وجلالتهِ وارتفاعِ شأنهِ ، وكلّما تبصَّرَ بعيوبهِ وذنوبهِ ، فسيكونُ أكثرَ خوفاً من اللهِ تعالى ، وواضحٌ أنَّ عظمةَ الخالقِ وقدرتَه وسائرَ صفاتهِ الجلاليّةِ وأوصافهِ الجماليّةِ في غايةِ الشدّةِ والقوّةِ غيرِ المتناهيةِ ، ولا يمكنُ أَحَداً الإحاطةُ بصفاتهِ المقدّسةِ وإدراكُ كنههِ ، بلْ بعضُ ذوي الإدراكاتِ العاليةِ يفهمُ على الإجمالِ وبقدرِ طاقتهِ وقابليّاتهِ بعضاً من صفاتهِ تعالى ، وهوَ في الحقيقةِ ليسَ من صفاتهِ، بلْ من الغاياتِ التي تصلُ إليها العقولُ القاصرةُ ، وإذا اُفيضَ شيءٌ منْ نورِ حقيقةِ بعضِ صفاتهِ على قلوبِ أربابِ العقولِ القويّةِ ، فسيتلاشى الوجودُ ، وإنْ ارتفعَ شيءٌ من حجابِ الجمالِ الأزلي عن أصحابِ المداركِ العاليةِ، فستضمحلّ أجزاءُ وجودهِم .
ونهايةُ ما تفهمهُ النفوسُ القدسيّةُ وغايةُ ماتدركهُ العقولُ العاليةُ هوامتناعُ بلوغ حقيقةِ صفاتهِ الجلاليَّةِ والجماليّةِ  .
ولسانُ العقل ألكنُ عن أداءِ بعضِ أوصافِ حقيقتِهِ ، وكمالُ حسنِهِ خارجٌ عنْ حدِّ العقلِ والفكرِ ، وفهمُ هذه المرتبة مختلفٌ باختلافِ العقولِ والمداركِ ، وكلُّ من كانَ إدراكه أكثرَ وعقلُهُ أكملَ فستكونُ حيرتُه أكبرَ وخوفُهُ أكثرَ ، ولذا قالَ اللهُ : (هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)  .
فالخوفُ من اللهِ هوَ من المراتبِ الرفيعةِ والدرجاتِ المنيعةِ ، وأنَّ صفةَ الخوفِ هي من أفضلِ الصفاتِ النفسانيّةِ، وأشرفِ الصفاتِ الحَسَنة ، فإنَّ فضيلةَ كلِّ صفة هي بقدرِ إعانتهِا للشخصِ على السعادةِ ، ولا سعادةَ أفضلُ وأرفعُ منْ ملاقاةِ الخالقِ، والوصولِ إلى مرتبةِ القُربِ منه ، ولا يتحقّقُ ذلكَ إلاّ بتحصيلِ المحبّةِ، والأُنسِ باللهِ تعالى ; وذلكَ يتوقّفُ على حبّهِ ومعرفتهِ، ولا يحصلُ ذلكَ إلاّ بذكرِه والتفكّرِ به ، وأنَّ المواظبةَ على ذكرِه والتفكّرِ به لا يحصلُ إلاّ بتركِ محبّةِ الدُّنيا ولذائِذها وشهواتِها ، ولذا وردَ في القرآنِ الكريمِ ، وتواترت الرواياتُ في فضيلةِ هذه الصفةِ والحثِّ عليها ، فقدْ رُوي أنَّ أميرَ المؤمنين(عليه السلام) قالَ : «خَفِ اللهَ كأنّكَ تراهُ ، وإنْ كنتَ لا تراه  فإنّهُ يراكَ ، فإنْ كنتَ تَرى أنَّه لايرَاكَ فقدْ كفرْتَ ، وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه يَراكَ ثمَّ برزتَ له بالمعْصِيَةِ ، فقدْ جعلتَه مِنْ أهونِ الناظرِين عَليكَ»  .
وإذا نظرَ الشخصُ إلى ذنوبِهِ الكثيرةِ، فينبغي أن لا ييأسَ من رحمةِ اللهِ ; لأنَّه تعالى هو غافرُ الذنوبِ، وهوَ الّذي «سبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ»  وقدْ عمّتْ رحمتُهُ الجميعَ حتّى طمعَ المشركونَ في نيلِ رحمتِهِ ، لكنّه ينبغي أن يعلم أنّ عذابَه شديدٌ ، يُعذِّبُ مَنْ يشاءُ ، قالَ تعالى : (وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىء فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُـؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُـؤْمِنُونَ) .

قاعدةُ اللّطف 
منْ ألطافِ اللهِ تعالى على البشرِ إرسالُ الأنبياءِ، ونصبُ الأولياءِ ، فإنَّ البشرَ محتاجٌ إلى ذلكَ في نظمِ معاشهِ ، وإلاّ فسيقعُ الفسادُ بين العباد ، ولا يمكنُ رفعُ هذهِ المفاسدِ إلاّ بفرضِ قانون يوجبُ قطعَ هذه المنازعاتِ كيْ يتحقّق به النظامُ في العالم .
والحقُّ عندَنا هوَ أنَّ اللهَ تعالى قدْ أتقنَ وأحكمَ جميعَ الأشياءِ لغرض وغاية في ذلكَ الشيءِ ، ولا شكَّ في أنَّ نوعَ الإنسانِ أشرفُ المخلوقاتِ في العالمِ السفليِّ ، وعليه، فلابدَّ أنْ يكونَ للهِ تعالى غرضٌ في خلقِ الإنسان ، ومعه، فلابدَّ أنْ يُبعِدَ عنه الضررَ كيْ يتحقّقَ الغرضُ ، فتعيّنَ أنْ يكونَ الغرضُ هو نفعُ الإنسانِ ، ولا يلزمُ عودُ النفعِ على اللهِ تعالى ; لأنّه تعالى كاملٌ وَمُسْتَغْن ، فلابدَّ أنْ يكونَ النفعُ لنفسِ العبدِ ، وما دامتِ المنافعُ الدنيويّةُ، في الحقيقةِ ليستْ هي بمنافِعَ، بلْ هي دفعُ الأوجاعِ فلا يصحُّ إطلاقُ اسمِ النفعِ عليها إلاّ في قليل منها ، كما لا يعقلُ أنْ يكونَ غرضُ إيجادِ الإنسانِ هو المنافعُ الدنيويّةُ، فلابدَّ أنْ يكونَ الغرضُ هو من الأُمورِ الأُخرويَّةِ ، ومعَ كونِ هذا النفعِ هوَ من أعظمِ المطالبِ، فلابدَّ للشخصِ من أنْ يكونَ مستحقّاً له، وهذا الاستحقاقُ لا يتحقّقُ إلاّ مع العملِ في الدُّنيا .
وإنْ قيلَ : قدْ وردَ في القرآنِ الكريمِ : (وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِـيَعْبُدُونِ)  ، وكذا جاءَ في الحديثِ القدسيِّ : «كُنْتُ كنْزاً مخفيّاً فأحْبَبْتُ أنْ أُعْرَفَ فَخَلقْتُ الخَلقَ لِكَيْ أُعْرَفَ»  .
فيظهرُ من ذلكَ أنَّ الغرضَ هو العبادةُ فقط .
نقولُ في الجوابِ أوّلاً إنَّ لامَ (لِيَعْبُدُونِ) و(لِكَيْ أُعْرَفَ) ليستْ للغرضِ ، بلْ هذه اللاّمُ لامُ العاقبةِ ; بمعنى أنَّ عاقبةَ أمرهم تكونُ هكذا ، ولامُ العاقبةِ هي شائعةٌ في كلامِ العربِ ، وقدْ وردَ في القرآنِ الكريمِ نظائرُها، كقولِه تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَـزَناً)  .
وفي الخبرِ «لِدُوا لِلْمَوْتِ، وابنْوا للخَرَابِ»  .
وثانياً : أنَّ إفاضةَ الوجودِ من الحقِّ سبحانه للمخلوقاتِ هي بمقدارِ قابليّةِ القابلِ للفيضِ ، وبمقدار استعدادِه; كيْ يدفعه ذلكَ الفيضُ الإلهيُّ نحوَ الكمالاتِ اللاّئقةِ، وذلك بتنمية تلكَ الكمالاتِ، وإخراجها من القوّةِ إلى الفعلِ ، ولذا، فإنَّ إفاضةَ الفيضِ الإلهيِّ متفاوتةٌ ومختلفةٌ بحسبِ حالِ القابلِ للفيضِ ، لا لنقص في قابليّةِ المُوثِّرِ المفُيضِ .
وعليه، فنقولُ: إنَّ الفيضَ والعطاءَ لا يصحُّ أنْ يكونَ في مقابلِ عوض ، وإلاّ فإنَّه معَ قصدِ العوضِ لا يقالُ للمُعطي: إنه جوادٌ، بلْ هو تاجرٌ ومستفيدٌ، فإنَّ الجوادَ المطلقَ منزّهٌ عن المتاجَرةِ والاستفادةِ ، ولذا، فإنَّ الخالقَ المطلقَ سبحانه منزّهٌ عن مثلِ هذه الأغراضِ ، وإلاّ فليسَ هوَ بالكاملِ المطلقِ ، كما أنَّه إذا أمكنَت الخدشةُ من جهة الغرضِ فإنَّه يلزمُ النقصُ ويظهرُ أنَّه ليسَ بكامل ، وقدْ علمتَ سابقاً بأنَّ اللهَ تعالى ليسَ محتاجاً للكمالِ ، بلْ هو تعالى كاملٌ وغنيٌّ مطلقٌ . تعالى الله عمّا يقول الظالمونَ علوّاً كبيراً .
فاتّضحَ ممّا قلنا أَنَّ غرضَ البارئ تعالى ليسَ هو استكمالٌ أو إظهارُ الكمالِ ; لأنَّ البارئ تعالى كاملٌ، ويستحيلُ أنْ يصدرَ من الكاملِ ما ليسَ بكامل ، وقدْ ذكرتُ هذا كيلا يتنافى مع ما أُريدُ إثباتَهُ ، قال الحقّ سبحانه وتعالى لِرَسُوْلِهِ(صلى الله عليه وآله) : «لَوْلاكَ لَمَا خَلقْتُ الأفْلاكَ»  ، فهذا الغرضُ لا ينافي ما سبقَ ; فإنَّه لا  نمنعُ وجودَ الغرضِ مطلقاً ، وإنَّما نمنعُ الغرضَ الذي يستلزمُ إظهارَ واستكمالَ الحقِّ تعالى .
فقدْ اتّضحَ أنَّ الإنسانَ أشرفُ المخلوقاتِ في العالمِ السفليِّ والطبيعيِّ، لذا قالَ تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنا الإِنْسانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيم)  ، وقالَ تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِى آدَمَ)  ، وهذا بيانٌ ناطقٌ، وتأييدٌ صادقٌ بأنَّ البشرَ كلَّما ابتعدَ عن الجهاتِ الحيوانيّةِ ، فبذلك المقدار يقتربُ إلى حدِّ الكمالِ والمعرفةِ، وَيُوَفَّقُ لكشفِ أسرارِ الخلقةِ والطبيعةِ ، فإنَّ في اللهِ سبحانه جميعَ صفاتِ الكمالِ، ولا يوجد فيه أوصاف رذيلةٌ ، فكذلكَ أنتَ إذا زيّنتَ نفسكَ بالأوصافِ الحسنةِ والكماليّةِ وأبعدتَها عن الرذائلِ فتكون الصفات الحسنة والكماليّة فيكَ أيضاً ، والشاهدُ على هذا الكلامِ قولُ الإمامِ أميرِ المؤمنين(عليه السلام): «نَحْنُ أمْثَالُ اللهِ الْعُلْيَا»، أيْ مِثْلُ الظلِّ ، فانظرْ إلى الشمسِ، فإذا نظرتَ إليها في السماءِ ثمّ نظرتَ إليها في الماءِ فهلِ النظرُ اليها في الماءِ كالنظرِ إليها في السماءِ ؟ كلاّ ، بلْ هي مِثْلُها ، يعني إنّ الصفة الموجودةَ هناكَ هي موجودةٌ هنا ، إلاّ أنَّه بين هذين بون شاسع، وأين هذه من تلكَ ؟ فهذه الموجوداتُ في العالم مِثْلُ الظلِّ منه تباركَ تعالى ، لا بنحوِ التوليدِ والحلولِ .

المصدر: مصباح الهدی في أصول دین المصطفی تأليف آیة الله السیّد محسن الحسیني الجلالي، ترجمة سماحة العلّامة السیّد قاسم الحسیني الجلالي 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2022/03/25  ||  القرّاء : 829



أوقات الصلاة اليومية :




لندن - London


الإمساك : 3:59
الفجر : 4:09
الشروق : 5:43
الظهر : 12:05
الغروب : 6:29
المغرب : 6:44


مواقيت الصلاة السنوية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • برمينغهام Birmingham
  • برايتون Brighton
  • كارديف Cardiff
  • غلازغو Glasgow
  • هال Hull
  • ليدز Leeds
  • ليفربول Liverpool
  • لندن London
  • مانشستر Manchester
  • نورويتش Norwich
  • بليموث Plymouth
  • بورتسموث Portsmouth
  • شفيلد Sheffield
  • ساوثهامبتون Southampton
  • سوانزي Swansea

جديد الموقع :



 ميلاد الامام المجتبى (ع) / اقسام الكرم الثلاثة /سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الإسلامي في سري / 2024/3/26

 ميلاد الامام المجتبى (ع) / دفع شبهة يامذل المؤمنين/سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ الملا مصطفى النائب/المنشد الصغير محمد/ مرکز اهل البيت في ومبلي/2024/3/25

 خطبة الجمعة / الصوم يعزز حفظ حرمات الله تعالى / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الإسلامي في سري/ 22.03.2024

 شهر رمضان فرصةٌ للانفتاح على الذات/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ مركز اهل البيت الاسلامي/21.03.2024

 خطبة الجمعة / الصوم يعزز قوى الفضيلة / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الإسلامي في سري/ 15.03.2024

 خَمْسُ جَوائز للصَائِمينَ / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / 12.3.2024

 ‎أرْبعُ محطاتٍ مُقتَضَبةٍ في ثبوت الهلال/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / 12.3.2024

 خطبة الجمعة / الاستقبال التجديدي والاستقبال التقليدي/ المركز الاسلامي في سري/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ 08.3.2024

 خطبة الجمعة / الآثار المعنويّة والصحيّة للوضوء/ المركز الاسلامي في سري/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ 01.3.2024

 القائدُ المهدويّ / سماحة العلامة السید قاسم الجلالي / المركز الاسلامي في سري/ 2024/2/25

مواضيع متنوعة :



 اشراقات من حياة السيدة المعصومة -الحسينية النجفية قم المقدّسة

 كيفيّة التعامل مع النعم /سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/1443

 نفحات روحانية من سيرة الامام السجاد عليه السلام / السيد قاسم الجلالي/ 1443

 دعاء كميل

 لماذا كانت فاطمة الزهراء(ع) تجلو الدرهم وتنظفه قبل ان تتصدق به ؟ استمع الى الجواب

 مناسك الراغبين - عمرة التمتع و واجباتها الطواف و واجباته - الختان - الحلقة 27 - سماحة العلامة السید قاسم الجلالي

 نمط الرؤية الشخصية للحياة معيار السعادة والشقاء/المركز الاسلامي في سري/25.11.2022

 معنى الشهادة بالتوحيد في تراث السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

  صلاة عيد الفطر المبارك / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/2022.05.03

 مجالس الحسینیة لیالي محرم الحرام في المرکز الاسلامي في سري

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 4

  • الأقسام الفرعية : 31

  • عدد المواضيع : 540

  • التصفحات : 537438

  • التاريخ : 29/03/2024 - 10:16