• الصفحة الرئيسية

حول المركز :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التعريف بالمركز (2)
  • نشاطات المركز (1)
  • إعلانات المركز (47)
  • التواصل (1)

بحوث علمية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البحوث القرآنية (4)
  • بحوث نهج البلاغة (20)
  • البحوث العقائدية (15)
  • البحوث التاریخیة (14)
  • البحوث الفقهية (3)
  • البحوث الأصولیة (18)

المحاضرات (مرئیات) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شهر محرم و صفر (56)
  • شهر رمضان المبارك (59)
  • مناسك الحج (47)
  • الادعیة (15)
  • البث الفضائي (34)
  • التفسیر (9)
  • الدروس الحوزویة (2)
  • الحوارات و الندوات (3)
  • مجالس التأبین (3)
  • متفرقات (34)
  • مجالس استشهاد المعصومین (25)
  • مجالس میلاد المعصومین و الاعیاد (32)
  • صلاة الجمعة (63)
  • صلاة العیدين (4)

حقل الصور :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • رمضان المبارك (8)
  • محرّم الحرام (0)
  • نشاطات عامّة (6)
  • صفر المظفّر (0)
  • ولادات المعصومین (7)
  • وفیات المعصومین (2)
  • صلاة الجمعة و العیدین (6)

البحث :


  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إتصل بنا
  • القسم الرئيسي : بحوث علمية .

        • القسم الفرعي : البحوث التاریخیة .

              • الموضوع : الشواهدُ التاریخیة على سلميّةِ النهضة الحسينيّة .

الشواهدُ التاریخیة على سلميّةِ النهضة الحسينيّة

مِنْ أبرز مَعالم نَهْضة الإمام الحسين علیه السلام - المتميّزة بتنوّع أدوارها الإلهيّة - تركيزها على نبذ العُنْف ورفضه بصورة قاطعة، وتأكيدها على أنّها حركةٌ إصلاحيّةٌ سلميّةٌ هادفةٌ، يُنْشد من خلالها الدعوةَ إلى التحرّك ضدّ العُنْف و رفض الظلم وبيان مظلوميّة العترة الطاهرة التّي أمر الله تعالى باتباعها ومودّتها.
وهذا يُعتبر من أوضح سمات حركته علیه السلام فإنّه قام مسالماً في دعوته للإصلاح. 
نعم لم يكن الإمام علیه السلام يبحث عن الحرب والانتقام وهو القائل: (لوْ شَتَمَنِي رَجُلٌ في هَذِه الأُذُن - وَأوْمَأ إلى اليُمْنَى-  و اعْتَذَرَ في اليُسْرى، لَقَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أنَّ أمِيرَ المؤمِنينَ عَليّ بن أبي طالبٍ علیه السلام حَدَثَني أنَّهُ سَمِعَ جَدِّي رَسُول اللهِ يقُولُ: (لا يَرِدُ الْحَوْضَ مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعُذرَ مِنْ مُحِقٍّ أَوْ مُبْطِل).
إلّا أنّ البعض ينظر إلى هذه النهضة أنّها ثورة قامت مِنْ أوّل أمرها على أساس الحرب والقتال وأنّه علیه السلام خرج بالسيف محارباً ضدّ طاغية بني اُميّة الذي اتّخذ مال الله دِولاً وعباده خِولاً، قاصداً الإطاحة بعرشه، وهذا التصوّر الخاطيء يكاد أنّ يكون هو الغالب.
وتأسيساً على هذا التصوّر المغلوط ينقدح إشكال لا يمكن تجاهله، مفاده: كيف أقدم الإمام علیه السلام على ذلك وهو يعلم علم اليقين عدم تكافؤ الطرفين من حيث القوّة العسكريّة والماديّة؟ وكيف يُعَرِّض علیه السلام أهل بيته وأطفاله وأصحابه إلى هذا النوع من الإبادة الجماعيّة ؟ و كيف يأخذ نساء النبوّة ومخدّرات الرسالة وعقائل الوحي إلى السبي و الأسر؟
وتضمحلّ هذه الشبهة:  إذا نظرنا الى النهضة الحسينيّة بنظرةٍ فاحصةٍ متأمّلةٍ  لنقف  بوضوحٍ و جلاءٍ على أنّها كانت حركةً إصلاحيّةً سلميّةً تستقي جذورها من معين حركة الأنبياء و الرسالات السماويّة،  فالحسين علیه السلام سائر على خُطى جدّه المصطفى وأبيه المرتضى علیه السلام لايدعو إلى حربٍ أو قتال ٍأو صراع ٍ أونزاعٍ.
وليس معنى ذلك أنّه علیه السلام لا يدافع عن نفسه وعياله إذا تعرّض إلى هجومٍ أوْ اعتداءٍ، بل بمعنى أنّه علیه السلام لم يقصد الحرب والقتال، وإنّما وجّه رسائل الاستنصار للدفاع عن حريم الرسالة والنّبوة لا  لأجل خوض القتال والمنازلة.

ولنقف على بعض ما يؤكّد سلميّة حركة الإمام الحسين علیه السلام:

الشاهد الأوّل: اُجبر علیه السلام على الخروج من المدينة
لم يخرج الإمام علیه السلام من المدينة رغبةً منه بل اضطُرّ إلى ذلك  بعد تشديد الضغوط عليه وتهديده من قبل يزيد بواسطة أمير المدينة الوليد بن عتبة، وإشارة مروان بن الحكم على أمير المدينة بقتل الإمام علیه السلام إنْ هو لم يبايع، فكان خروجه رفضاً لمبايعة الظالم وابتعاداً عن المواجهة.
ذكر المؤرّخون أنّه لمّا مات معاوية وتولّى الأمر بعده يزيد بعث عتبةُ بن أبي سفيان والي المدينة إلى الحسين بن عليّ علیه السلام، فقال: إنّ يزيداً أمرك أنْ تبايع له، فقال الحسين علیه السلام: يَا عُتْبَةَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا أَهْلُ بَيْتِ الْكَرَامَةِ ، وَ مَعْدِنِ الرِّسَالَةِ ، وَ أَعْلَام الْحَقِّ ، الَّذِينَ أَوْدَعَهُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَّلَ) قُلُوبَنَا ، وَ أَنْطَقَ بِهِ أَلْسِنَتَنَا ، فَنَطَقَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَّلَ) وَ لَقَدْ سَمِعْتُ جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ الْخِلَافَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى وُلْدِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَ كَيْفَ أُبَايِعُ أَهْلِ بَيْتٍ قَدْ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ هَذَا ؟.
وروي أنّ يزيداً  كتب إلى الوليد بن عتبة عامله على المدينة أنْ يأخذ البيعة له من الحسين بن علي علیه السلام و إنْ أبى فليضرب عنقه.
فلمّا حضر علیه السلام التفت إلى الوليد وقال: إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِن الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَف الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ ، وَ يَزِيدٌ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبٌ الْخَمْرَ ، قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ ، مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ ، وَ مِثْلِي ﻻ يُبَايَعُ مِثْلَهُ ، وَ لَكِن نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُونَ أَيُّنَا أَحَقّ بِالْخِلَافَةِ وَ الْبَيْعَة ، ثُمَّ خَرَجَ علیه السلام.

ورد في كتاب تاريخ أبن الخيّاط :
حَدَّثَنِي وهب ، قَالَ : حَدَّثَنِي جويرية بْن أسماء ، قَالَ : سمعت أشياخنا من أهل المدينة مالا أحصي يحدثون: أنّ معاوية توفي وفي المدينة يومئذ الوليد بْن عتبة بْن أَبِي سفيان ، فأتاه موته ، فبعث إِلَى مروان بْن الحكم وناس من بَنِي أميّة فأعلمهم الَّذِي أتاه. فَقَالَ مروان: ابعث الساعة إِلَى الحسين وابن الزبير فإن بايعا وإلّا فاضرب أعَناقهما.
لقد كشف الإمام علیه السلام مخطّط بني اُميّة في مواطنَ عديدة منها لمّا نزل الحسين علیه السلام وأصحابه الرُهَيْمة فورد عليه رجلٌ من أهل الكوفة يُكنّى أبا هرم فقال: يابن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة؟.
 فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا أَبَا هَرَم شَتَمُوا عِرْضِي فَصَبَرْتُ وَ طَلَبُوا مَالِي فَصَبَرْتُ وَ طَلَبُوا دَمِي فَهَرَبَتُ وَ أَيْمُ اللَّهِ ليَقْتِلُنَّي ثُمَّ ليُلْبِسَنَّهُم اللَّهُ ذُلّاً شَامِلاً وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ لَيُسَلِّطَنَّ عَلَيْهِمْ مَنْ يُذِلَّهُم.

الشاهد الثاني: مضامين وداعه علیه السلام لقبر جدّه  تدلّ على سلميّة حركته
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ أعْثَم الْكُوفِيِّ ( ت 314هـ ): أنَّ الْإِمَامَ الْحُسَيْن علیه السلام خَرَجَ إِلَى قَبْرِ جَدِّهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ جَعَلَ يَقُولُ : أَللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا قَبْر نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ، وَ أَنَّا ابْنُ بِنْت مُحَمَّدٍ ، وَقَدْ حَضَرَنِي مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ، أَللَّهُمَّ وَ إِنِّي أُحِبُّ الْمَعْرُوفَ وَ أَكْرَهُ الْمُنْكَر، وَ أَنَّا أَسْأَلُكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإكْرَام بِحَقِّ هَذَا الْقَبْرِ وَ مَنْ فِيهِ [ إِلَّا ] مَا اخْتَرْتَ مِنْ أَمْرِي هَذَا مَا هُوَ لَكَ رَضاً.
قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ الْحُسَيْن علیه السلام يَبْكِي ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَيَاضِ الصُبْحِ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى الْقَبْرِ فَأَغْفَى سَاعَةً ، فَرَأَى النَّبِيّ  قَدْ أَقْبَلَ فِي كَبْكَبَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ حَتَّى ضَمَّ الْحُسَيْن علیه السلام إِلَى صَدْرِهِ وَ قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَ قَال: يا بُنِي ، يَا حُسَيْن! كَأَنَّكَ عَنْ قَرِيبٍ أَرَاكَ مَقْتُولاً مَذْبُوحاً بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ مِنَ عِصَابَة مِنْ أُمَّتِي ، وَ أَنْتَ فِي ذَلِكَ عَطْشَانٌ لَا تُسْقَى وَ ظَمْآنٌ لَا تُرْوَى ، وَهْمُ مَعَ ذَلِكَ يَرْجُونَ شَفَاعَتِي ، ما لَهُمْ لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ!  فَما لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِن خَلَاقٍ ؛ حَبِيبِي يَا حُسَيْن إِنَّ أَبَاكَ وَ أُمّكَ وَ أَخَاكَ قَدْ قَدِمُوا عَلَيَّ ، وَهْمُ إِلَيْكَ مُشْتاقُونَ ، وَ إِنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَاتٌ لَنْ تَنَالُهَا إِلَّا بِالشَّهَادَةِ. 
فَجَعَلَ الْحُسَيْن علیه السلام يَنْظُر فِي مَنَامِهِ إِلَى جَدِّهِ وَ يَسْمَعُ كَلَامَهَ ، وَ هُوَ يَقُولُ : يا جَدّاه ! لَا حَاجَةَ لِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا أَبَداً ، فَخْذِني إِلَيْكَ وَ اجْعَلْنِي مَعَكَ إِلَى مَنْزِلِكَ . 
فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ: يَا حُسَيْن إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنِ الرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى تُرْزَق الشَّهَادَةَ ، وَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا مِنَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ وَ أَبَاكَ وَ أَخَاكَ وَ عَمّكَ وَعَمَّ أَبِيكَ تُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي زُمْرَة وَاحِدَة حَتَّى تَدْخُلُوا الْجَنَّة.

و في هذا النصّ الشريف عدّة مضامين تؤكّد سلميّة نهضة الإمام الحسين علیه السلام:
المضمون الأوّل: قوله علیه السلام: ( أَللَّهُمَّ وَ إِنِّي أُحِبُّ الْمَعْرُوفَ وَ أَكْرَهُ الْمُنْكَر) حيث يؤكّد هذا النصّ على إنّه أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يقصد الحرب والقتال.
المضمون الثاني: إنّه علیه السلام طلب من الله تعالى أنْ يريه السبيل الأمثل كما هو الحال في حركة الأنبياء ^وطلبهم من الله تعالى ذلك، هكذا هو علیه السلام يقول: (بِحَقِّ هَذَا الْقَبْرِ وَ مَنْ فِيهِ [ إِلَّا ] مَا اخْتَرْتَ مِنْ أَمْرِي هَذَا مَا هُوَ لَكَ رِضَاً) مِمّا يَعْنِي أنّه علیه السلام كان ينتظر من الله تعالى أنْ يُرِيه ما يجب عليه القيام به وأنْ يوجّهه نحو الموقف الحاسم الذي لابدّ أنْ يُتّخذ لانقاذ الاُمّة وحفظ الدين .
المضمون الثالث : أخبره جدّه بما سيجري عليه في كربلاء، وما سيؤول إليه الأمر من استشهاده، وفي هذه الحالة تنتفي دواعي القتال والحرب، ويتعيّن التحرّك التوعويّ السلميّ لتنبيه الاُمّة وتوعيتها لتتحمّل المسؤوليّة، من هنا نلاحظ أنّ الإمام علیه السلام أعلن في مواطن عديدة عن حركته السلميّة الإصلاحيّة.
 المضمون الرّابع:  طلب علیه السلام من جدّه أنْ يضمّه معه في ضريحه ليستريح من بلوى زمانه، ممّا يؤكّد عدم رغبته في وقوع القتل وسفك الدماء وإنْ كان في طرف الأعداء.
إنّ في كلّ واحدةٍ من هذه المضامين الأربعة بانفرادها دلالةٌ واضحةٌ على أنّ الإمام علیه السلام لم يكن خروجه لأجل الحصول على مُلك ٍأو سلطانٍ أو الإطاحة بملك الطاغوت الأمويّ إذْ هو علیه السلام يعلم بما سيؤول إليه الأمر وإنّما خرج إنطلاقاً من المسؤوليّة الملقاة على عاتقه وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح وعدم الرضوخ للظلم والعدوان .

الشاهد الثالث: وصيّته علیه السلام  تؤكّد أهدافه السلميّة 
لقد أعلن الإمام  الحسين علیه السلام عن أهداف خروجه في البيان الأوّل معلناً بكلّ وضوح عن رفضه جميع أشكال العُنْف المتمثّلة بالخروج أشراً وبطراً وظالماً ومفسداً، مؤكّداً على أنّ هدفه الوحيد هو الجهاد من أجل الإصلاح في أمّة جدّه. 
وذلك عندما أشار عليه محمّد بن الحنفيّة برأيه أجابه علیه السلام قائلاً:
يَا أَخِي وَ اللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَلْجَأ ، وَ لَا مَأْوَى لَمَا بَايَعْتُ يَزِيد بْنَ مُعَاوِيَةَ، فَقطَعَ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّةِ الْكَلَام وَ بَكَى ، فَبَكَى الْحُسَيْنُ علیه السلام مَعَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا أَخِي جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً ، فَقَدْ نَصَحْتَ وَ أَشَرْت بِالصَّوَابِ ، وَ أَنَّا عَازِم عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ ، وَقَدْ تَهَيَّأتُ لِذَلِكَ أنَا وَ إِخْوَتِي وَ بَنُو أَخِي وَشِيعَتِي، وَأَمرهُمْ أَمْرِي وَ رَأْيهمْ رَأْيِي ، وَ أَمَّا أنْتَ يَا أَخِي فَلَا عَلَيْكَ أنْ تُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ، فَتَكُون لِي عَيْناً ﻻ تُخْفِي عَنِّي شَيْئاً مِنْ أمُورهمْ.
ثمّ دعا الحسين علیه السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمّد:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أنَّ الْحُسَيْنَ يَشْهَدُ أنْ ﻻ إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ ﻻ شَرِيكَ لَهُ وَأَنّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ ، وَأَنْ الْجَنَّة وَ النَّارَ حَقّ ، وَأَنْ السَّاعَةَ آتِيَة ﻻ رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَ إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً ، وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً، وَ إِنَّمَا خَرَجَتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أَمَّة جَدّي، أُرِيدُ أَنْ آمُرَبالمعروفِ وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدّي ، وَ أَبِي عَلِيِّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ، وَ هَذِهِ وَصِيَّتِي يَا أَخِي إِلَيْكَ وَ مَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ). 
 قَالَ : ثُمَّ طُوى الْحُسَيْن علیه السلام الْكِتَاب وَ خَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ ، وَ دَفَعَهُ إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ وَدَّعَهُ وَ خَرَجَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.

وهذه الوثيقة من أهمّ الوثائق التأريخيّة التي حفظت للثورة سطوعها وصفاءها، حيث ترتكز هذه الوصيّة على ركنين أساسييّن:
الركن الأوّل: نفى الإمام علیه السلام اشتمال نهضته على أيّ عنصر من عناصر الباطل حيث نفى فيها نفياً قاطعاً وصريحاً أنّ يكون في خروجه أشراً أو بطراً أوفساداً أو ظلماً، وهذا ما أكّده علیه السلام في مواطن عديده منها قوله علیه السلام: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُن مَا كَانَ مِنَّا تَنَازُعاً فِي سُلْطَانٍ وَ لَا الْتِمَاساً لِشَيْ‏ءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَ لَكِن لِنَرُدَّ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ ، وَ تُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ فَيَأمَن الْمَظْلُومُونَ فِي بِلَادِكَ).
الركن الثاني: تأكيده علیه السلام على اشتمال نهضته على عناصر الحقّ وهي :
أوّلاً:  طلبُ الإصلاحِ.
ثانياً:لأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ.
ثالثاً:السيرُ بسيرةِ جدّه وأبيه.
 نعم إنّه علیه السلام لم يكن إلّا ثائراً آثر العزّ والشهادة على الذلّ والحياة الذميمة فقال: (فَلْيَرْغَبْ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ مُحِقّاً فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَ الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً) وقد أقسم أنّه لا يعطي بيده إعطاء الذليل ولا يفرّ فرار العبيد.

الشاهد الرّابع: خروجه علیه السلام من المدينة ليلاً  
أكّد التأريخ أنّ خروج الإمام الحسين علیه السلام من المدينة كان ليلاً ولم ينتظر حتّى يطلع الفجر، وفي ذلك احتمالات عدّة تعطي انطباعاً واضحاً وتصوّراً لا شكّ فيه من أنّه علیه السلام لم يخرج للحرب والقتال، وإليك الاحتمالات التالية: 
الاحتمال الأوّل : أراد علیه السلام أنْ يفوّت الفرصة على أعدائه من القيام بأيّ عمل ضدّه علیه السلام فتحرّك سرّاً خوفاً من طلب السلطة الحاكمة آنذاك.
الاحتمال الثاني : أراد علیه السلام أنْ يحافظ على كرامة بنات الرسالة وعقائل الوحي حتّى لا تتصفّحهنّ أعينُ الناس وهنّ يركبن المطايا ويسرن على النياق.
الاحتمال الثالث : إنّه علیه السلام بعد أنْ أتمّ الحجّة موضّحاً الهدف من نهضته ترك اختيار اللحاق به إلى الناس أنفسهم فخرج ليلاً ليتأكّد مِنْ أنّ مَنْ لحق به إنّما لحق به عن إرادة وعزيمة ورغبة ،وليرفع الحرج عن المتخلّفين عنه، إذْ لو كان خروجه نهاراً لأصبح أغلب المتخلّفين عنه - ممّن يرونه خارجاً - في موقف محرج حيث يرون الإمام علیه السلام و حرم رسول الله خارجين، فلعلّ البعض يلتحق به حياءاً لا عن رغبة، وهذا ما لا يريده الإمام علیه السلام.
بل الإمام علیه السلام يريد الصادق في التحاقه به في سبيل الله لذلك قال: (مَنْ كانَ بَاذِلاً فِينَا مُهْجَتَهُ وَمُوَطِنّاً عَلَى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْحَلْ مَعَنا فإنّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى) ومِمّا يؤيّد ذلك إخباره علیه السلام في ليلة العاشر مِنْ محرّم أنّه مقتول فمَنْ أراد أنْ ينصرف فهو في حلّ  قائلاً: (هَذَا الّليْلُ قَدْ غَشِيَكَمْ فَاتّخِذُوه جَمَلاً ، ثُمّ ليَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ أهْلِ بَيْتِي، وَتَفَرَّقوا فِي سَوَادِكُمْ وَمَدَائِنِكُم حَتّى يُفَرِّجَ اللهُ، فإنّ القَوْمَ إنّمَا يَطْلِبوني، وَلَوْ قَدْ أصَابونِي لهَوا عَنْ طَلَبِ غَيْرِي).
والأولى حمل خروجه علیه السلام ليلاً على جميع هذه الاحتمالات التي كلُّ واحدٍ منها فيه من الدلالة ما يكفي للحكم على نهضته بأنّها سلميّة هدفها الإصلاح الدينيّ والإجتماعيّ والأخلاقيّ.

الشاهد الخامس: خروجه علیه السلام من المدينة لأداء العمرة والحجّ
خرج الإمام علیه السلام من المدينة المنوّرة مع أهله وعياله باتّجاه مكّة  المكرّمة بقصد أداء العمرة والحجّ وهما من المناسك العباديّة العامّة التي يأتي بها جميع المسلمين. 
وكان خروجه منها ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب عام ستّين للهجرة و في توجّهه علیه السلام إلى مكّة المكرّمة دلالة واضحة على أنّه لم يقصد القيام بعمليّة مواجهة مع السلطة بل إنّه توجّه إلى أداء المناسك كسائر المسلمين، حتّى اُجبر على الخروج من مكّة. 
ودعوى خروجه من المدينة استجابةً لرسائل الكوفيّين تضمحلّ بملاحظة أنّ رسائل الكوفيين تواترت إليه وهو في مكّة، فالذي يظهر من التأريخ أنّ الكوفة لم تطّلع على تطوّرات الأوضاع في المدينة ولا بموقف الإمام علیه السلام إلّا بعدَ وصوله إلى مكّة.

الشاهد السادس: بين المدينة المنّورة  و مكّة  المكرّمة
ذكر المؤرّخون ثلاثة مواقف في مسير الإمام علیه السلام من المدينة إلى مكّة، عبّر من خلالها عن سلميّة حركته من جهة، وعلى التهديد الخطير الذي يتوجّه إليه من بني اُميّة من جهة اُخرى، وعلى كون حركته امتداداً لحركة الأنبياء و يتّضح ذلك من خلال المواقف التالية :

الموقف الأوّل: إسراعُه علیه السلام في السير إلى مكّة :
لقد قطعَ الإمام علیه السلام المسافةَ من المدينة إلى مكّة خلال خمسة أيّام حيث إنّه خرج  من المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجّهاً نحو مكّة ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، في حين أنّ المسافة المذكورة تُقطع ـ آنذاك -  بالشكل المتعارف في غضون أيّام  تتراوح بين الثمانية إلى العشرة أيّام، كما قطعها رسول الله في حجّة الوداع حيث خرج من المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة ودخل مكّة في الثالث من ذي الحجّة.
وما إسراعُ الإمام علیه السلام إلّا دليلٌ واضحٌ على علمه بالمخطّط الاُمويّ لاغتياله فأراد الابتعاد عن المواجهة والاصطدام.

الموقف الثاني: عدمُ تنكّبِ الطريق الأعظم :
لقد أشار بعضُ الهاشميّين على الإمام علیه السلام بالابتعاد عن الطريق العامّ الذي يسلكه الناس من المدينة إلى مكّة وذلك تخفّياً عن عيون بني اُميّة تفادياً  لايّ خطرٍ محتمل، لكنّه علیه السلام رفض أنْ يتنكّب الطريق الأعظم. 
قال الشيخ المفيد: ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكّبت الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لاأفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض.
وقال القندوزيّ: فقال له ابن عمّه مسلم بن عقيل: يا إبن رسول الله لو سلكنا غير الجادّة كان لنا خير كما فعل عبد الله بن الزبير، فإنّا نخاف أنْ يلحقنا رجال يزيد، فقال: لا والله ما فارقنا هذا الطريق أبداً.
 وأراد الإمام علیه السلام بامتناعه عن تنكّب الطريق العام أنْ يُعطي رسالةً واضحةً مفادها أنّه لم ينو القيام بما يستوجب التخفّي والاستتار بالرّغم من علمه علیه السلام بالخطر المحدق به من قبل السلطة الحاكمة.  

الموقف الثالث: رَبَطَ الإمامُ علیه السلام حركته بحركة الأنبياء :
كان علیه السلام يردّد حين خروجه من المدينة قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} كما دخل مكّة وهو يتلو قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ}.  
ومن الواضح: أنّ هاتين الآيتين تحكيان حال النبيّ موسى علیه السلام لمّا أخبره مؤمن آل فرعون، بأنّ زعماء قومه قد ائتمروا على قتله، فأشار عليه  بالخروج، فخرج علیه السلام خائفاً يترقّب، وهكذا عندما توجّه إلى مدينة مدين.
فأراد علیه السلام أنْ يربط هجرته إلى مكّة بهجرة النبيّ موسى علیه السلام إلى مدين، فكلٌّ منهما قد فرَّ من فرعون زمانه، وهاجر لمقاومة الظلم ومناهضة الطغيان.
فهنا تشابه في موقف الإمام علیه السلام عندما اضطرّ للخروج من المدينة، بموقف النبيّ موسى علیه السلام الذي اضطرّ لمغادرة مصر، كما أنّ حال الحسين علیه السلام عندما وصل إلى مكّة كحال النبيّ موسى علیه السلام عند وصوله مدين، فكلّ منهما كان ينتظر التوجيه الإلهيّ  بالمرحلة اللاحقة، ويدلّ عليه بالنسبة للنبيّ موسى قوله تعالى : {قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} وعليه جملة من المفسّرين.
وكذا الحال بالنسبة للإمام علیه السلام ففي حديث عبد الله بن مطيع  لمّا سأل الإمام علیه السلام قائلاً: جُعلت فداك أين تريد؟  فقال علیه السلام: ( أمّا الآنَ فَمَكّةَ وَأمَّا بَعْد فَإنّي أسْتَخِيرُ اللهَ ).

الشاهد السابع: مكوثه علیه السلام في مكّة المكرّمة 
ولمّا دخل الإمام علیه السلام مكّة المكرّمة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان عام ستّين للهجرة نزل بأعلاها وضرب هناك فسطاطاً ضخماً، ثمّ تحوّل إلى دار العبّاس بن عبد المطلب، حوّله إليها عبدالله بن عبّاس، وكان موقعها  بجنب المسعى عند الباب المسمّى اليوم باب العبّاس.
لقد عمّت أرجاء مكّة بهجةٌ وسرور، وفرح أهلها فرحاً شديداً بحلول الإمام × في رحابها، فجعلوا يختلفون إليه غدوّاً وعشيّاً، فأقام فيها من الثالث من شعبان وشهر رمضان وشوّال وذي القعدة وثمان ليال من ذي الحجّة.
وقد تزامن وجوده في مكّة مع موسمين إسلامييّن مهمّين يتوافد المسلمون فيهما إلى مكّة، وهما شهر رمضان بالإضافة إلى أشهر الحجّ.
فقام الإمام علیه السلام بنشاط فكريّ ودينيّ وإعلاميّ مكثّف خالٍ عن أيّ تصريح أو تلويح بأنّه علیه السلام ينوي التحرّك العسكريّ أو القيام المسلّح،لقد تمثّل نشاط الأمام في مكّة بالأمور التالية: 

النشاط الاوّل: أقام علیه السلام صلاةَ الجماعة في بيت الله الحرام فكانت الحشود من المسلمين سواء المكيّون منهم أوْ الآفاقيّون يأتمّون بصلاة الإمام علیه السلام مستعيدين بذلك الأجواء الروحيّة والمعنويّة التي كانوا يستنشقونها في عهد النبوّة الأبلج.
وكان أمير مكّة من قبل يزيد بن معاوية يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص، فخاف أن يميل الحُجّاج مع الحسين علیه السلام لما يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق، فانحدر إلى المدينة وكتب بذلك إلى يزيد ابن معاوية.  
النشاط الثاني: أرسل علیه السلام موفده الخاص مسلم بن عقيل ( رضوان الله عليه ) في مهمّة استطلاعيّة إلى الكوفة لدراسة الوضع فيها، وذلك قبل أنْ يتّخذ قراره بالتوجّه صوبَ العراق ، وحمّله رسالة إلى أهل الكوفة ، وهذا نصّها : 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ إِلَى الْمَلَأ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ ، أَمَّا بَعْدُ : فَإِنْ هانئاً وَ سَعِيداً قَدما عَلِيّ بِكُتُبِكُمْ وَ كَانَا آخرَ مَنْ قَدم عَلَيَّ مِنْ رُسُلِكُمْ وَقَدْ فَهِمْتُ كُلَّ الَّذِي قصَصْتم وَ ذَكَرْتُمْ ، وَ مَقَالَة جُلّكم ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنَا إِمَام فَأقْبلَ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى الْهُدَى وَ الْحَقِّ ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ أَخِي وَ ابْنَ عَمِّي وَ ثِقَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، أَمَرْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيَّ بحَالكُم وَأَمْرِكُمْ وَ رَأْيكُمْ ، فَإِنْ كَتَبَ إِلَيَّ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ رَأْي مَلَئِكُمْ وَ ذَوِي الْفَضْلِ وَ الْحِجَا مِنْكُمْ ، عَلَى مِثْلِ مَا قَدِمَتْ عَلَيَّ بِهِ رُسُلُكُمْ ، وَ قَرَأتُ فِي كُتُبِكُمْ ، اُقْدمُ إِلَيْكُمْ وَشِيكاً ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَلَعَمْرِي مَا الْإِمَام إِلَّا الْعَامِلُ بِالْكِتَابِ  وَالْآخِذُ بِالْقِسْطِ وَ الدَّائِن بِالْحَقِّ والحابسُ نَفْسَهُ عَلى ذَاتِ اللَّهِ، وَالسَلامُ.

النشاط الثالث: وجّه علیه السلام رسائل إلى رؤساءَ أهلِ البصرةِ وضّحَ فيها أهدافه وبيّن مبادءه وحثّهم على التحرّك والالتحاق به.
قال أبو مخنف [ ت 157هـ ]  حدّثني الصقعب  بن زهير عن أبي عثمان  النهديّ قال: كتب حسين مع مولى لهم يقال له: سليمان، وكتب بنسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة و إلى الأشراف، فكتب إلى مالك بن مسمع البكريّ، و إلى الأحنف بن قيس، و إلى المنذر بن الجارود، و إلى مسعود بن عمرو، و إلى قيس بن الهيثم، و إلى عمرو بن عبيد الله بن معمّر فجاءت منه نسخةٌ واحدةٌ إلى جميع أشرافها.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مُحَمَّداً عَلَى خَلْقِهِ ، وَ أَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ وَ اخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَقَدْ نَصَحَ لِعِبادِهِ وَ بَلَّغَ مَا أَرْسَلَ بِهِ وَ كُنَّا أَهْلُهَ وَ أَوْلِيَاءُهُ وَ أَوْصِيَاءُهُ وَ وَرَثَتُه وَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَقَامِهِ . وَقَدْ بَعَثْتُ رَسُولِي إِلَيْكُمْ بِهَذَا الْكِتَابِ ، وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسْنَةِ نَبِيِّهِ فَإِنَّ السُّنَّةِ قَدْ أُمِيتَتْ ، وَإنْ الْبِدْعَةَ قَدْ أَحْييَتْ ، وَ إِنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي وَ تُطِيعُوا أَمْرِي ، أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ.

النشاط الرّابع: عقد علیه السلام اجتماعات ولقاءات عامّة حضرها مَنْ كان بمكّة مِنْ المسلمين، وكان يشارك فيها بعض القادة السياسييّن المعارضين للحكم الأموّيّ مثل عبدالله بن الزبير وغيره، وكان علیه السلام يشرح فيها موقفه ويوضّح للاُمّة أهدافه الإصلاحيّة.

النشاط الخامس: ألقى الإمام علیه السلام خلال فترة إقامته في مكّة وهي قرابة مائة وخمسة وعشرين يوماً،خطبة واحدة فقط وجّهها للاُمّة عشيّة خروجه من مكّة الليلة الثامنة من ذي الحجة ، فقال:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ ، مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ، خَطُّ الْمَوْت عَلَى وُلْدِ أَدِم مَخَطَّ الْقِلَادَةَ عَلَى جَيِّد الفَتاة ، وَ مَا أولَهَني إِلَى أَسْلَافِي اشتياقُ يَعْقُوب إِلَى يُوسُف، وَ خيْرَ  لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ ، كَأَنِّي بأوصالي تَقْطَعُهَا عسلان الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وكربلاءَ ، فيملأن مِنِّي أكرشاً جَوْفاً وَ أَجْرِبَةً سغباً ، لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خَطِّ بِالْقَلَمِ ، رِضَا الله رِضَانا أهْلَ البَيْتِ، نَصْبرُ عَلَى بَلائِهِ، وَيوفِّينَا أجُورَ الصَابِرِينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ الله لُحْمَتُهُ، بَلْ هِيَ مَجْمُوَعَةٌ لَهَ فِي حَظِيرَةِ القُدْسِ، تَقَرُّ  بِهِم عَيْنُهُ، وَيُنْجَزُ بِهِمْ وَعْدُهُ،مَنْ كانَ باذِلاً فِينَا مُهْجَتَه، وَمُوَطِّناً عَلى لِقَاءِ اللهِ نَفْسَه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إنْ شَاءَ اللهُ ).
إنّ أوّل ما يُلفت النظر في هذه الانشطة الخمسة  -التي كانت تشكّل الخطوط الواضحة  لتحرّك الإمام علیه السلام في مكّة-  أنّها أنشطة سلميّة تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولايبدو فيها أيُّ مؤشر على القتال والحرب.

الشاهد الثامن: خروجه علیه السلام من مكّة حفاظاً على حرمتها
وصلتْ إلى الشام أخبار الإمام علیه السلام في مكّة واجتماع الناس حوله، الأمر الذي أثار قلق الحكم الاُمويّ فأرسل يزيد بن معاوية جيشاً من الشام،  وقد اُنيطت به مهمّة إغتيال الإمام علیه السلام في الموسم  ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة.
تحرّك الجيش الزاحف نحومكّة بخطى حثيثة ولم يكن تحرّكه خافياً على الإمام علیه السلام فاستعد لمغادرة مكّة بأسرع وقتٍ ممكن حفاظاً على حرمتها وقداستها رافضاً أنْ يتّخذها درعاً يتحصّن به  فتستباح حرمتها، علماً منه بخساسة عنصر يزيد وجنوده فإنّهم لا يرعون حرمةً للشهر الحرام ولا للبيت الحرام ، ففي الثامن من ذي الحجّة سنة ستيّن للهجرة ، سار ركبُ الحسين علیه السلام عندما لاحت في الاُفق بوادر الغدر والخيانة. 
وممّا يرشد إلى أنّ الإمام علیه السلام أوجس منهم الخذلان قوله علیه السلام لابن عبّاس: فَإِنِّي مُسْتوْطنٌ هَذَا الْحَرَمَ - أَيْ : مَكَّةَ - وَ مُقِيمٌ فِيهِ أَبَداً مَا رَأَيْتُ أَهْلَهُ يَحِبُّوَنِي، وَيَنْصِروني، فَإِذا هُمْ خَذَلُونِي اسْتَبْدَلْتُ بِهِمْ غَيْرَهُمْ.
ويؤيّد حصول هذا الخذلان ماصرّح به الإمام السجاد علیه السلام قائلاً: ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّناً. 
ولمّا أشار عليه أخوه محمّد ابن الحنفيّة أنْ يقيمَ في مكّة فإنّه أعزّ مَنْ بِالْحَرَمِ وَاَمْنَعُهُ،فَقالَ ×: يا أخى قَدْ خِفْتُ أنْ يَغْتالَنى يَزيدُ بْنُ مُعاوِيَةَ فِى الْحَرَمِ، فَاكُونَ الَّذى يُسْتَباحُ بِهِ حُرْمَةُ هذَا الْبَيْتِ.
وكان علیه السلام يكرّر قوله: إنّ أبي حدّثني أنّ بها ـ أي: مكّة ـ كبشاً يَسْتَحِلُ حُرْمَتَها فَما أحِبُّ أنْ أكونَ أنا ذلكَ الكبش.
رَوَى أَبُو مِخْنَفٍ [ ت 157هـ ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَقِيصَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنِ عَلِيٍّ وَ هُوَ بِمَكَّةَ وَ هُوَ وَاقِف مَعَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ : إِلَيَّ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ ، فَأَصْغَى إِلَيْهِ فَسَارَّهُ ، قَالَ : ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا الْحُسَيْنِ فَقَالَ : أَ تَدْرُونَ مَا يَقُولُ ابْنِ الزُّبَيْرِ؟ 
فَقُلْنَا : لَا نَدْرِي جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ .
فَقَالَ : قَالَ : أَقِمْ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ أَجْمَعُ لَكَ النَّاس، ثُمَّ قَالَ الْحُسَيْنُ : وَ اللَّهُ لئنْ أَقْتَل خَارِجاً مِنْهَا بِشِبْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتَل دَاخِلاً مِنْهَا بِشِبْرٍ.
وَ رَوَى المُحَدِّثُ ابْنِ قُولَوَيْه قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عن أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام، قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ علیه السلام خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ ، فَشَيَّعَه عَبْد اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ حَضَرَ الْحَجُّ وَ تَدَعْهُ وَ تَأْتِي الْعِرَاقَ، فَقَالَ : يَا بْن الزُّبَيْرِ لئنْ ادْفَنَ بِشَاطِئ الْفُرَاتِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ ادْفَنْ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ.

أقول: وما ذلك إلّا لأمرين هاميّن : 
الأمر الأوّل: إنّ دفنه في مكّة يعني أنّه سَوْف يُقتل فيها وهو لم يُرد ذلك حفاظاً على قداسة الكعبة وحرمتها.
الأمر الثاني: اذا تمكّن بنو اُميّة من اغتياله في مَكّة فإنّه سوف تضيع الأهداف التي ثار من أجلها ، حيث أنّه سوف يُغتال في زحمة الحجيج ويُنسب اغتياله إلى جِهَة مَجْهولة، بعدها يرفع بنو اُميّة شعار الإنتقام من قَتَلة الحسين علیه السلام فيوقعون القتل والتنكيل بالمسلمين ، وبالتالي تستحكم سلطة الجور والظلال المتمثّلة في بني اُمّية ، فلاتتحقّق أهداف الإمام الحسين علیه السلام الرساليّة من إقامة الدين واحقاق الحقّ ونشر الاصلاح في الاُمّة ، لذلك خرج علیه السلام مسرعاً من مكّة المكرّمة.

الشاهد التاسع: عدم اختياره علیه السلام المناطق الموالية 
لمْ يختر علیه السلام البقاء في المدينة أو في مكّة مع وجود عناصر مؤيّدة له في هذين البلدين ممّن يعرفه ويتابعه، كما ان عدم اتّجاهه إلى اليمن حيث يوجد الشيعة فيها بأعداد كبيرة، دليل اخر على عدم إرادته القيام المسلّح. 
وقد أشار عليه أخوه محمّد ابن الحنفيّة عشيّة توجّهه من المدينة إلى مكّة، حيث قال للإمام: ( تخرج إلى مكّة فإنْ اطمأنّت بك الدار بها فذاك الذي نُحبّ، وإنْ تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك وأخيك، وهم أرقّ وأرأف قلوباً، وأوسع الناس بلاداً، وأرجحهم عقولاً).
كما أشار عليه عبد الله بن عبّاس في مكّة، قال له: ( فإنْ أبيتَ إلّا أنْ تخرجَ فسر إلى اليمن، فإنّ بها حصوناً وشعاباً، وهي أرضٌ عريضةٌ طويلةٌ، ولأبيك فيها شيعة، وأنت عن الناس في عزلة ).
وروي أنّ الطرمّاح بن عديّ الطائيّ حين لَقَي الإمام علیه السلام في منطقة (عذيب الهجانات) قال له: والله إنّي لأنظر فما أرى معك أحداً، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت قَبْل خروجي من الكوفة إليك بيومٍ ظَهْرَ الكوفة وفيه من الناس ما لَمْ تَرَ عينيّ في صعيدٍ واحدٍ جمعاً أكثرَ منه، فسألتُ عنهم فقيل: اجتمعوا ليعرضوا، ثمّ يسرّحون إلى الحسين، فاُنشدك الله إنْ قدرتَ على أنْ لا تقدم عليهم شبراً إلّا فعلت، فإنْ أردتَ أنْ تنزل بلداً يمنعك اللهُ به حتّى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع، فسر حتّى اُنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى: (أجَأ)، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحِمْيَر ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود والأحمر، والله إنْ دخل علينا ذلّ قطّ، فأسير معك حتّى اُنزلك القرية ثمّ نبعث إلى الرّجال ممّن بأجأ وسلمى مِنْ طيئ فوالله لا يأتي عليك عشرة أيّام حتّى يأتيك طيئ رجالاً وركباناً، ثمّ أقم فينا ما بدا  لك فإنْ هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائيّ يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبداً ومنهم عين تطرف.
فقال له: جزاك الله وقومك خيراً إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه على الانصراف ولا ندري على ما تنصرفُ بنا وبهم الأمورُ في عاقبة ).

الشاهد العاشر: استجابته علیه السلام لاستغاثة أهل العراق
لمّا انتشر أصداء خبر خروج الإمام علیه السلام من المدينة ورفضه لبيعة يزيد، بدأت الرسائل المؤيّدة له تنهال عليه من أرجاءٍ شتّى، ممّا استدعى أنْ يقابلها برسائل جوابيّة يدعوهم فيها لرفض الظلم ،على إثر ذلك شهدت الكوفة نشاطاً وتحرّكاً وبدأت أمارات الانفراج تلوح في الاُفق حيثُ تجمّعت العناصر المضطهدة الّتي طالها الظلم والكبت والاستبداد فوجدت في الإمام الحسين علیه السلام ملجأ ومتنفّساً وحيداً لانعتاقها من وطأة التسلّط والطغيان.
وقدْ تمخّضتْ مِنْ تلكم التحرّكاتِ البيعةُ للإمامِ علیه السلام بواسطة زعماء الكوفة  ثمّ توالت الكتب والرسائل منهم حاملةً طلبهم المُلحّ منه علیه السلام أنْ يقدم عليهم إماماً لهم وخليفةً عليهم، وإنّهم لا يرضون بغيره بدلاً، وقد أحصت رسائلهم أسماء العشائر الّتي تنتظر قدومه.
ويمكننا أنْ نقف على نمط الاستغاثة التي وجّهت إليه علیه السلام من أهل الكوفة من خلال رسالةِ عبد الله بن الحُصين الأزديّ حيثُ جاءَ فيها: ( يا حسين سنشكوك إلى الله تعالى يومَ القيامة إذا لمْ تُلَبّ طلبنا وتقوم بنجدةِ الإسلام ).
هذه الاستغاثة الجماعيّة جعلت الإمام علیه السلام إزاء مسؤوليّة ربّانيّة خطيرة، وبالرّغم من ذلك بعث رسولاً من قِبَله لأهل الكوفة وهو ابن عمّه مسلم بن عقيل (رض) الفارسُ التقيّ الفذّ، ليتحرّى الواقع ، ما إنْ حلّ مسلم بن عقيل (رض) الكوفة حتّى اجتمعت القبائل والعشائر والزعماء عليه معلنين  البيعة للحسين علیه السلام عن طريقه، مّما أيقن معه مسلم بن عقيل (رض) بأنّ الوضع على ما يرام فأرسل تقريراً للإمام علیه السلام يوضِّح من خلاله واقع الكوفة، فكتب إليه:
(أمّا بعدُ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وإنّ جميع أهل الكـوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجِّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ).
نعم فإنّ استجابته علیه السلام لنداءِ أهل الكوفة واستغاثتهم واستصراخهم يعطي أنّ حركته مبتنية على الهداية والإرشاد والإصلاح وإغاثة الملهوف هذه القيم الأخلاقيّة التي جسّدها علیه السلام في أشدّ المواقف خطورةً وصعوبةً، فبعد اتّفاقه علیه السلام مع الحرّ بن يزيد الرياحيّ على أنْ يسايره فلا يعود إلى المدينة ولا يدخل الكوفة، طلب منه الطرمّاح بن عديّ أنْ ينزل قبيلة طيىء ليلتحق به عشرون ألف طائيّ فقال له علیه السلام: (إنّه كانَ بينَنَا وَبَيْن هؤلاءِ القومِ قولٌ لسْنا نَقْدرُ مَعَهُ عَلَى الانْصِرَافِ).
وفي ذلك برهانٌ ساطع على أنّ تحركه علیه السلام جاء انطلاقاً من إغاثة المظلومين والمحرومين والمضطهدين .

الشاهد الحادي عشر: إختياره علیه السلام أرض كربلاء  المقدّسة
لقد استطاع الحسين علیه السلام أنْ يختار الأرض التي يستشهدُ فيها، وقد أخفقتْ كلّ المحاولات لمنعه من الوصول إلى كربلاء.
قال الدينوريّ: ( ولمّا خرج الحسين ـ من مكّة - اعترضه صاحب شرطة( ) أميرها عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند، فقال: إنّ الأمير يأمرك بالانصراف، فانصرف، وإلّا منعتك، فامتنع الحسين، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط، وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أنْ يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطته يأمره بالانصراف.
وفي هذا مؤشّرٌ واضحٌ على وجود مخطّط يستهدف منع الإمام علیه السلام من الوصول إلى كربلاء، في حين أنّه علیه السلام كان ينشد كربلاء فإنّ اليوم الذي وصل فيه رَكْبه الطاهر إلى تلك الأرض المقدّسة  التفت علیه السلام إلى أصحابه وقال: ما اسم هذا المكان؟ قالوا: كربلاء، فدمعت عيناه و قال: (هَذَا مَوْضِعُ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ هَاهُنَا مُنَاخُ رِكابِنَا ، وَ مَحَطّ رِحَالِنَا وَمَسْفَكُ دِمَائِنَا).
كان علیه السلام يردّد حين خروجه من المدينة قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} كما دخل مكّة وهو يتلو قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ}.
ومن الواضح: أنّ هاتين الآيتين تحكيان حال النبيّ موسى علیه السلام لمّا أخبره مؤمن آل فرعون، بأنّ زعماء قومه قد ائتمروا على قتله، فأشار عليه  بالخروج، فخرج علیه السلام خائفاً يترقب، وهكذا عندما توجّه إلى مدينة مدين.
وإختياره علیه السلام أرض كربلاء، وهي صحراءٌ قاحلةٌ تقع على نهر الفرات طرفَ البادية، حيث لم تكن مسكونة، يُعطي أنّ قصده علیه السلام لمْ يكن القيام المسلّح، والعمل العسكريّ.
 
الشاهد الثاني عشر: اصطحابه علیه السلام أهل بيته حتّى النساء والأطفال
 قام الإمام علیه السلام باصطحاب جُلّ أهل بيته وأولاده وإخوانه وأولاد أعمامه، وهم الصفوة من رجال بني هاشم والخيرة من فتيان آل محمّد كما إنّه علیه السلام اصطحب العيال من النساء، والأطفال حتّى الرضّع وما ذلك إلّا دليلٌ على عدم القصدِ إلى القتال وعدم إرادته التحرّك المسلّح والحرب لأنّه يعرّضهم جميعاً للإبادة وهو أمرٌ غير واردٍ.
لا يقال: إنّ الإمام علیه السلام يعلم بما سيؤول  إليه الأمر ، كما تقدّم ذلك، ومع ذلك اصطحبهم.
لأنّنا نقول: وفرضُ القتال عليه علیه السلام من قبل يزيد وعلمُهُ بِهِ شيءٌ، وقصدُهُ ونيتُّهُ شيءٌ آخر.
لقد كان اصطحاب النساء والأطفال جزءً من الثورة السلميّة التّي قادها أبو الأحرارعلیه السلام ضدّ الظلم والطغيان، وإنّ هذا السبي والأسر له أكبر الأثر في إيقاظ الإرادة النائمة التّي فجرّت ثورات متعاقبة هزّت أركان الدولة الاُمويّة  بعد حين.
لقد صَحِبَ علیه السلام النساء خصوصاً اُخته الحوراء زينب للقيام بالدور الإعلاميّ المهمّ من خلالِ فضحِ بني اُميّة وكشفِ الحقائق التّي حاولتْ السلطة طمسها في الكوفة والشام حيث هزّت عروش الطغاة فسلبتهم نشوة النصر المزعوم، مضافاً إلى أنّ وجودهم في المدينة يمكن أنْ يُستغلّ مِنْ الاُمويّين كورقةِ ضغطٍ لكي ينتزعوا البيعة من الإمام علیه السلام
قسراً وجبراً.

الشاهد الثالث عشر: عدم قبوله علیه السلام البدء بالقتال 
كانت سيرة رسول الله عدم البدء بالقتال في الحرب مع الأعداء لأنّ الأنبياء دعاةُ سلام وليسوا دعاةَ حربٍ، وهذا ما قام به سيّد الشهداء في ثورته المباركة .
لم يبدأ بالقتال، كما لم يأذن لأحدٍ من أصحابه بالبدء بالقتال  و لم يسمح لهم باستخدام السيف ولم يُحرّضهم على القتال،بالرّغم من أنّهم كانوا يعشقون الشهادة  ولم يسجّل التأريخ أنّ الإمام علیه السلام سأل أحداً من أصحابه وأهل بيته  في ليلة العاشر من محرّم عن عدد الذين يريد قتلهم في المعركة،  بل على العكس من ذلك كان  يأمرهم بتبليغ الرسالة وإرشاد الضّال، ولو كان أذن لهم لكان عدد القتلى في صفوف الجيش الاُمويّ أكثر بكثير. كما أنّه لم يأذن للعبّاس علیه السلام بالقتال، إنّما  قال له: اطلب لأهل بيتي ولأطفالي شربةً من الماء. وفي ذلك اشارة واضحة على أنّه علیه السلام لم يكن طالباً للقتال ما لم يُجبر عليه.
أقبل القوم يوم عاشوراء يجولون حول بيت الحسين علیه السلام فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته: يا حسين أتعجّلت النار قبل يوم القيامة؟ فقال الحسين علیه السلام:
من هذا كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا له: نعم، فقال له: أنت أولى بها صِلِيّاً، ورام مسلم بن عوسجة أنْ يرميه بسهم فمنعه الحسين علیه السلام من ذلك.
فقال له: دعني حتّى أرميه فإنّه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين، وقد أمكن الله منه.
فقال له الحسين علیه السلام: لاترمه فإنّي أكره أنْ أبدأهم بقتال.
فالحرب لم تبدأ في كربلاء إلّا بعد أنْ قام عمر بن سعد (عليه لعنة الله) برمي سهمه نحو خيام الحسين و هو يردّد كلمته المشؤومة: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل مَنْ رمى وبعد سهمه (الغادر) انهالت السهام على حرم رسول الله.
فَعُلمَ: أنّ الحسينَ علیه السلام داعيةُ سلامٍ، لا داعيةُ حَربٍ.

الشاهد الرّابع عشر: طلبه علیه السلام من اصحابه وأهل بيته الانصراف عنه
وممّا يرشدُ إلى الطبيعة السلميّة لنهضة الإمام الحسين علیه السلام إصراره على مَنْ حوله من أهل بيته وصحبه بالانصراف.
ففي موضعٍ يقال له: (زبالة) بَلَغه مقتل  مسلم بن عقيل وهاني  بن عروة، وعبد الله بن يقطر و كان أرسله إلى مسلم بن عقيل من الطريق. 
فلمّا سمع علیه السلام بالخبر لم يكتمه على مَنْ معه ممّن اتّبعه، بلْ أخرج للناس كتاباً فقرأ عليهم:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانَا خَبَرٌ فَظِيع ، قَتْلُ مُسْلِم بْنِ عَقِيلٍ ، وَ هَانِي بْنِ عُرْوَةَ ، وَ عَبْد اللَّهِ بْنُ يَقْطُر، وَقَدْ خَذَلَتنا شِيعَتُنَا ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ الِانْصِرَافَ فَلْيَنْصَرِفْ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنَّا ذِمَامٌ ).
فتفرّق الناس عنه تفرّقاً، فأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من مكّة.
وفي ليلة العاشر مِنْ المحرّم خطب فيمَنْ بقي من أنصاره وأهْل
بيته قائلاً : 
(هَذَا الّليْلُ قَدْ غَشِيَكَمْ فَاتّخِذُوه جَمَلاً ، ثُمّ ليَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ أهْلِ بَيْتِي ، وَتَفَرَّقوا فِي سَوَادِكُمْ وَمَدَائِنِكُم حَتّى يُفَرِّجَ اللهُ، فإنّ القَوْمَ إنّمَا يَطْلِبوني، وَلَوْ قَدْ أصَابونِي لهَوا عَنْ طَلَبِ غَيْرِي).
وما ذلك إلّا برهانٌ جليٌّ على عدم رغبتة علیه السلام في القتال، بلْ هدفه الإرشاد والتوعيّة والنصيحة لله تبارك وتعالى.
 وفي موقف آخر قام الإمام علیه السلام خطيباً فقال:
أمّا بَعَدُ: فَإنّي ﻻ أعْلَمُ أصْحَاباً أوْفَى، وَلا خَيْراً مِنْ أصْحَابي، وَلا أهْل بيتٍ أبرَّ ولا أوْصَلَ مِنْ أهْلِ بَيْتي، فَجَزَاكْم اللهُ عَنّي خَيْراً، ألا وَإنّي أظُنّ يوماً لنَا مِنْ هَؤلاءِ، ألا وَإنّي قَدْ أذِنْتُ لَكُم، فانْطَلِقوا جَمِيعَاً فِي حِلٍّ ليَْسَ عَلَيْكُم منّي ذِمَامٌ.
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك ﻻ أرانا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العبّاس ابن عليّ علیه السلام و تبعه الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه.
فقال الحسين علیه السلام: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم.
قالوا: سبحان الله فما يقول الناس؟ يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولمْ نرم معهم بسهم ولمْ نطعن معهم برمح ولمْ نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، ﻻ والله ما نفعل ذلك ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك.
وقام مسلم بن عوسجة الأسديّ فقال: أنحن نخلّي عنك، وبما نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ أما والله حتّى أطعنُ في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاحٌ  اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ِدونكَ حتّى أموت معكَ.
وقال سعيد بن عبد الله الحنفيّ: والله ﻻ نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قدْ حفظنا غيبةَ رسوله فيك،أما والله لو قد علمت أنّي اقتل ثمّ أحْيَى ثمّ اُحرق ثمّ أحْيَى ثمّ اُذرى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّةً ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف ﻻ أفعل ذلك وإنّما هي قتلةٌ واحدةٌ، ثمّ هي الكرامةُ التي ﻻ انقضاء لها أبداً.
وقام زهير بن القين فقال: والله لوددت أنّي قتلتُ، ثمّ نشرتُ، ثمّ قتلتُ، حتّى اُقتل هكذا ألفَ مرّة، وأنّ الله (عزّ وجلّ) يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

الشاهد الخامس عشر: خطبه علیه السلام في كربلاء الداعية إلى السلم وترك العُنْف 
إنّ كلمات الإمام علیه السلام وخطبه في أرض كربلاء التي وجهها إلى معسكر يزيد، قبل المعركة وأثنائها تحتوي على الكثير من الدلالات على أنّه كان داعياً إلى السلم والصلاح والعدل لا العُنْف والقتال. 
لقد حاول الإمام الحسين علیه السلام بمختلف الوسائل والطرق أنْ يصرفهم عن القتال فاستخدم معهم لغة الضمير والوجدان، ولغة المنطق والبرهان ممّا لايبقي أدنى ريب في سلميّة نهضته، ونقتصر على النصوص التالية: 

النصّ الأوّل: ذكّرهم علیه السلام بِحَسَبِه وَنَسَبه
مِنْ كَلَامِهِ علیه السلام فِي الِاحْتِجَاج مَعَ الْقَوْمِ : أَ لَسْتُ أَنَا ابْن بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَ ابْن أَوَّلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً وَ الْمُصَدِّق لِلَّهِ وَ رَسُوله ؟ أَلَيْسَ حَمْزَة سَيِّد الشُّهَدَاءِ عَمِّي أَبِي ؟ أَلَيْسَ جَعْفَر الطَّيَّارُ فِي الْجِنَانِ عَمِّي؟ أَلَيْسَ قَالَ جَدِّي: إِنَّ هَذَيْنِ وَلَدَايَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ؟ أَلَيْسَ قَالَ : إِنِّي مُخَلِّفُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ؟ فَإِنْ صدّقْتُمُوني فِيمَا أَقُولُ فَنِعِمَّا هُوَ وَ إِلَّا فَاسْأَلُوا جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ ، وَ أَبَا سَعِيدٍ ، وَ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ وَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ، وَ أَنَسِ بْنِ مَالِكَ ، فَإِنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ جَدِّي، ثُمَّ نَادَى : يا شَبَث بْنِ رِبْعِيّ ، وياكثير بْنِ شِهَابٍ ، أَلَمَ تَكْتُبُوا إِلَيَّ أَنْ أَقْدَم ، لَكَ مَا لَنَا وَ عَلَيْكَ مَا عَلَيْنَا؟.

النصّ الثاني: حذَّرَهم علیه السلام من الإغترار بالدُنيا 
خاطَبَهُمُ علیه السلام قَائِلاً: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الدُّنْيَا فَجَعَلَهَا دَار فَنَاءٍ وَ زَوَالٍ مُتَصَرِّفَة بِأَهْلِهَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ فالمَغْرور مَنْ غَرَّتْهُ ، وَ الشَّقِيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا تَقْطَعُ رَجَاءَ مَنْ رَكَنَ إِلَيْهَا وَ تُخَيِّب طَمَعَ مَنْ طَمعَ فِيهَا وَ أَرَاكُمْ قَدْ أجْتَمَعْتُم عَلى أَمْرٍ قَدْ أسْخَطْتُم اللَّهُ فِيهِ عَلَيْكُمْ ، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَنْكُمْ وَ أَحَلَّ بِكُمْ نِقْمَتَهُ ، وَ جَنَّبَكُمُ رَحْمَتَهُ فَنِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنا وَ بِئْسَ الْعَبِيد أَنْتُمْ ، أَقْرَرْتُمْ بِالطَّاعَةِ وَ آمَنْتُمْ بِالرَّسُولِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ إِنَّكُمْ زَحَفْتُم إِلَى ذُرِّيَّتِهِ تُرِيدُونَ قَتَلَهُمْ لَقَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ فأنْسَاكُم ذِكْر اللَّهِ الْعَظِيمِ فتبّاً لَكُمْ وَ مَا تُرِيدُونَ ، إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

النصّ الثالث: موعظته علیه السلام لجيشِ يزيد
وَ مِنْ كَلَامٍ لَهُ علیه السلام فِي نَصِيحَةِ الْقَوْمِ ، عِنْدَما رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَ تُقَدَّمُ إِلَى النَّاسِ وَ نَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ يَسْمَعهُ كُلُّ النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَ لَا تَعْجَلوني حَتَّى أَعِظُكُمْ بِمَا يَجِبُ لَكُمْ عَلِيٍّ وَ حَتَّى أَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ مِنْ مَقْدَمِي عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَبِلْتُم عُذْرِي وَ صَدَّقْتُمْ قَوْلِي وأنْصَفْتُمُوني كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدُ وَ لَمْ يَكُنْ لَكُمُ عَلَيَّ سَبِيلٌ ، وَ إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا مِنِّي الْعُذْر {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ} ، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.
 أَمَّا بَعْدُ: فانْسِبُونِي فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا ثُمَّ رَاجِعُوا أَنْفُسَكُمْ فَعَاتِبُوهَا وَ انْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ وَ يَحِلُّ لَكُمْ قَتْلِي وَ انْتِهَاكِ حُرْمَتِي ؟ أَ لَسْتُ ابْن بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَ ابْن وَصِيّه وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ أَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَ الْمُصَدِّق لِرَسُولِهِ ، أوَلَيسَ حَمْزَةَ سَيِّد الشُّهَدَاءِ عَمّ أَبِي ؟ أوَلَيسَ جَعْفَر الشَّهِيد الطَّيَّار فِي الْجَنَّةِ عَمِّي ؟ أَوْلَمَ يَبْلُغُكُمْ قَوْلٌ مُسْتَفِيضٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِي وَ لِأَخِي : (أَنْتُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فَإِنْ صَدّقْتُموني بِمَا أَقُولُ وَ هُوَ الْحَقُّ وَ اللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِباً مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَيْهِ وَ إِنْ كذّبْتُموني فَإِنْ فِيكُمْ مَنْ إِنْ سَأَلْتُمُوهُ عَنْ ذَلِكَ أُخْبِرَكُمْ ، سَلُوا جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ ، أَوْ أَبَا سَعِيدٍ ، أَوْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، أَوْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، أَوْ أُنْساً يُخْبِرُوكُم أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  أَما فِي هَذَا حَاجِزُ يَحْجُزَكُم عَنْ سَفْكِ دَمِي ، فَانْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا أَقُولُ أَوَ تَشُكّونَ فِي أَنِّي ابْن بِنْتِ نَبِيِّكُمْ ؟، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ابْنُ بِنْت نَبِيِّ غَيْرِي مِنْكُمْ وَ لَا مِنْ غَيْرِكُمْ ، أَخْبِرُونِي أتَطْلِبُوني بِقَتِيلٍ مِنْكُمْ قَتَلْتُهُ أَوْ بِمَالٍ لَكُمْ اسْتَهْلَكْته أَوْ قِصَاصٍ مِنْ جِرَاحَةٍ ؟ فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ.

النصّ الرّابع: محاولته علیه السلام صرْفَ ابن سعدٍ عن القتال
لَقَدْ حَاوَلَ الْإِمَامُ علیه السلام صَرفَ عُمَر بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَوْضِ الْحَرْبِ مِنْ خِلَالِ وَعْظه وارْشاده واعطائه مايريد حَيْثُ أَتَمَّ عَلَيْهِ الْحُجَّة ، إِلَّا أَنَّ ابن سعد أَصَرَّ عَلَى الْحَرْبِ وَ الْقِتَالِ. 
 فقال علیه السلام لَهُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ سَعْد أَمَا تَتَّقِيَ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ مَعَادكَ أتُقاتلُني وَأَنَا ابْنُ مِنْ عَلِمَتَ ؟ ذَرْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَكُنْ مَعِي ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ لَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ عُمَرُ بْنِ سَعْدٍ: أَخَافُ أَنْ يهْدم دَارِي. 
 فَقَالَ الْحُسَيْنُ علیه السلام: أَنَا أَ بَنِيهَا لَكَ. 
 فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تُؤْخَذَ ضَيْعَتِي. 
 فَقَالَ الْحُسَيْنُ علیه السلام: أَنَا أَخْلف عَلَيْكَ خَيْراً مِنْهَا مِنْ مَالِي بِالْحِجَازِ. 
 فَقَالَ: لِي عِيَالٌ وَ أَخَافُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ سَكَتَ وَ لَمْ يُجِبْهُ إِلَى شئ فَانْصَرَفَ عَنْهُ الْحُسَيْنِ علیه السلام ، وَ هُوَ يَقُولُ : مالكَ ذبحكَ اللَّهُ عَلَى فِرَاشِكَ عَاجِلاً وَ لَا غُفِرَ لَكَ يَوْمِ حَشْرِكَ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَأْكُل مِنْ بُرِّ الْعِرَاقِ إِلَّا يَسِيراً ، فَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ : فِي الشَّعِيرِ كِفَايَةُ عَنِ الْبرِّ مُسْتَهْزِئاً بِذَلِكَ الْقَوْلِ.
فهذا هو النهج السلميّ الذي اختطه الإمام علیه السلام وإنْ لم يتأثر به عمر بن سعيد ونظائره ممّنْ ران على قلوبهم { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } فلقد تأثّر به الكثير من أتباع يزيد خصوصاً عندما خاطب ضمائرهم بقوله علیه السلام: إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمَنٍ مِن الأرض، فمال عدد منهم نحو معسكره، وانصرف بعضهم عن القتال.

الشاهد السادس عشر:  طلبه علیه السلام تأجيل القتال
لمّا أصرّ عمربن سعد أنْ ينزل الإمام علیه السلام على حكم يزيد بن معاوية ليلة العاشر من المحرّم وأرادوا الهجوم على مخيّم الإمام علیه السلام استمهلهم الإمام طالباً منهم تأجيل الأمر إلى غداة غدٍ، معلّلاً ذلك بقوله: ( لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا اللَّيْلَةَ وَ نَدْعُوهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ الصَّلَاةَ لَهُ وَ تِلَاوَةَ كِتَابِهِ وَ كَثْرَةَ الدُّعَاءِ وَ الِاسْتِغْفَارِ ).
وليس من شكّ في أنّ جوابه علیه السلام سوف يصل إلى القوم بنحوٍ وآخر ، ممّا يجعلهم يتأمّلون فيه خصوصاً أؤلئك المُغَرّر بهم  والمخدوعين الذين قيل لهم أنّ الحسين علیه السلام خرج على إمام زمانه وأنّه لابدّ أنْ يُقتل ، لذا أكّد الإمام علیه السلام في تعليله لطلب الاستمهال على الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء والإستغفار، ليشعرهم أنّه من أهل بيتٍ دأبهم هذا، فأراد علیه السلام منحهم الفرصة الكافية للتريث والتأمّل  فيما يريدون الإقدام عليه، ليجنبهم الحرب والقتال.  
فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا زَحَفَ جَيْشُ يَزِيد نَحْوَ الْحُسَيْنِ علیه السلام قَالَ الْإِمَامُ لِأَخِيهِ أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ: يَا أَخِي أَتَاكَ الْقَوْم، فَنَهَضَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبَّاسُ ارْكَبْ بِنَفْسِي أَنْتَ يَا أَخِي حَتَّى تَلْقاهُم وَ تَقُولُ لَهُمْ : ما لَكُمْ ؟ وَ تَسْأَلَهُمْ عَمَّا جَاءَ بِهِمْ ؟ 
فَأَتَاهُمْ الْعَبَّاسِ فِي نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِساً فِيهِمْ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ وَحَبِيبُ ابْن مُظَاهِرٍ، فَقالَ لَهُمْ الْعَبَّاس : مَا بَدَا لَكُمْ وَ مَا تُرِيدُونَ ؟ 
 قالُوا: قَدْ جَاءَ أَمْرُ الْأَمِير أَنْ نَعْرِضَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ نُنَاجِزَكُم. 
 فَقَالَ: فَلَا تَعْجَلُوا حَتَّى ارْجِعْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْرِضْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْتُمْ. 
 فَوَقَفُوا وَ قَالُوا: أَلْقِهِ فَأَعْلِمْهُ ، ثُمَّ الْقِنا بِمَا يَقُولُ لَكَ. 
 فَانْصَرَفَ الْعَبَّاس رَاجِعاً إِلَى الْحُسَيْنِ علیه السلام يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، وَ وَقَفَ أَصْحَابه يُخَاطبون الْقَوْم ويَعِظونَهم عَنْ قِتَالِ الحُسَيْن علیه السلام. 
 فَجَاءَ الْعَبَّاسُ إِلَى الْحُسَيْنِ علیه السلام فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الْقَوْمِ. 
 فَقَالَ علیه السلام: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تؤخّرَهم إِلَى غَدْوَةٍ وتدفَعَهُم عَنَّا الْعَشِيَّةَ لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا اللَّيْلَةَ وَ نَدْعُوهُ وَ نَسْتَغْفِرهُ ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ الصَّلَاة لَهُ ، وَ تِلَاوَة كِتَابِهِ وَ كَثْرَة الدُّعَاءَ وَ الِاسْتِغْفَارِ. 
 فَمَضَى الْعَبَّاسُ إِلَى الْقَوْمِ ، وَ رَجَعَ مِنْ عِنْدَهُمْ وَ مَعَهُ رَسُولٌ مِنْ قِبَلِ عُمَر بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ: إِنَّا قَدْ أجّلناكُم إِلَى غَدٍ ، فَإِنْ اسْتَسْلَمتُم سَرّحْنَاكُم إِلَى أَمِيرنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ، وَ إِنْ أَبَيْتُمْ فَلَسْنَا تاركيِكُمْ ، وَ انْصَرَفَ.

الشاهد السابع عشر: طلبه علیه السلام الإنصراف إلى مأمن
لمّا راى اصرارهم على القتال قـال لهم: أيْهَا النَّاس إِذَا كَرِهْتُمُونِي فَدَعَوْنِي أَنْصَرِفُ عَنْكُمْ إِلَى مَأمَنٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فقال له قيس بن الأشعث: أوَ لا تنزل على حكم بني عمّك ؟ فإنّهم لنْ يروك إلّا ما تُحبّ ولنْ يصل إليك منهم مكروه! ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ علیه السلام: أَنْتَ أَخُو أَخِيكَ ؟ أَ تُرِيدُ أَنْ يَطْلُبكَ بَنُو هَاشِمٍ بِأَكْثَرِ مِنْ دَمِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ ؟ لَا وَ اللَّهِ لَا أُعْطِيهُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَِ الذَّلِيل وَ لَا أَقرُّ  قرَارَ العَبِيدِ، عِبَادَ الله { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ} اعُوذُ { بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} ثُمَّ إنّه أَنَاخَ رَاحِلَتَه وأمَرَ عَقَبَةَ بْن سَمْعَان فَعَقَلها وَ أَقْبَلُوا يَزْحَفُونَ نَحْوَهُ.

الشاهد الثامن عشر: عطفه علیه السلام على أعدائه
واجه الإمام الحسين علیه السلام جيشاً تابعاً للسلطة بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحيّ قوامه ألف فارس ، إلّا أنّ ذلك الجيش كان متهالكاً من العطش الذي كاد أنْ يَقضي عليه  في حرّ الظهيرة تحت لهيب الشمس .
ولمّا نظر الإمام علیه السلام إلى ذلك الجيش الجرّار وقد أنهكه الظمأ عطف عليه بالرّغم من قدومه إلى قتاله، فأمر بتقديم الماء لهم ولخيولهم، قائلاً لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً، ففعلوا وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه، وسقي آخر، حتّى سقوها عن آخرها.
قال عليّ بن الطعّان المحاربيّ: كنت مع الحرّ يومئذٍ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين علیه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الرّاوية ! والرّاوية عندي السقا ثمّ قال: يا ابن الأخ أنخ الجمل! فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين: اخنث السقاء أي اعطفه فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي.
وهذا الموقف أيقظ في أعماق قائد الجيش الوعي والشعور فاستيقظ وجدانه على صرخة الضمير، وقد لاحت أمارات الانقلاب الجوهريّ لدى الحرّ الرياحيّ عندما فضّل الصلاة خلف الإمام جماعةً.
وعندما نلاحظ هذا الموقف الإنسانيّ النبيل نرى أسمى معاني اللطف وأبلغ صور الحنان تتدفّق من أبيَّ الضيم على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة التي تعزّ فيها الجرعة الواحدة.
ويعظم الموقف عندما نستشعر علمه علیه السلام بحراجة الموقف يوم العاشر حيث سينفد الماء فتسيل دونه النفوس،  ولكنّ العنصر النبويّ، والكرم العلويّ، يأبيان على صاحبهما إلّا أنْ يكون متفضّلاً. 
إنّ هذا الخلق العظيم من أبي عبد الله الحسين علیه السلام جعل الحرّ الرياحيّ يكتشف حريّته، وأخذت بوادر ذلك تظهر عندما صلّى بصلاة الإمام علیه السلام ولم ينفرد بالصلاة، وتجلّت حريّته وانعتاقه من أسر عالم المادّة يوم العاشر حيث مال إلى الإمام الحسين علیه السلام تائباً حتّى استُشهد بين يديه، فحاز على منقبة الشهادة  في الدنيا كما نال السعادة في الآخرة.
وقد صَوّر الشاعر عطف الإمام وتحنّنه على أعدائه، ليستنتجَ من ذلكَ عدمَ تخلّيه× عن محبّيه في عرصات القيامة، حيث قال :
بأرضِ فلاةٍ حيثُ لايُوجدُ الماءُ               سقيتَ عداكَ الماءَ منكَ تحنّناً
عُطاشى مِنْ الأجداثِ في دَهْشَةٍ جَاؤوا      فكيفَ إذا تلقى محبّيكَ في غدٍ

الشاهد التاسع عشر:  دفاع أهل بيته علیه السلام وأصحابه عنه
والنمط الدفاعيّ المقدّس الذي انتهجه أصحابه وأهل بيته حيث دافعوا عنه حتّى آخر قطرة من دمائهم الزاكية،  يعطي أنّ حركته علیه السلام كانت دفاعاً ،فكلّ واحد من أهل بيته وأصحابه ضرب أروع الأمثال في التضحيّة والدفاع عنه.
فلسان حال أهل بيته علیه السلام: (إنّ الموت في نصرتك يا أبا عبد الله أحلى من العسـل ) فالموت بلا شكّ مُرّ بل وأشدّ مرارةً من أيّ مرّ سواه، ولكنّه في  نصرتك تجعل مرارته ليست مقبولةً فحسب، وإنّما تصيّرها مرغوبةً حتّى ترتقي إلى أنْ تفوق الشهدَ المصفّى في الحلاوة والعذوبة ، وعلى هذا النهج كان جميع أهل بيته الأبرار .
كما كان صحبه كذلك فهذا زهير بن القينِ البجليِّ الذي قال لأصحابه : تُكَلِّمُونِ أَمْ أَتَكَلَّم ؟ قالُوا : لَا بَلْ تَكَلَّمَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : قَدْ سَمِعْنَا هَدَاكَ اللَّهُ يَا ابْنَ رَسوُلِ اللَّهِ مَقَالَتكَ ، وَ اللَّهِ لَوْ كَانَت الدُّنْيَا لَنَا بَاقِيَة وَكُنَّا فِيها مُخَلَّدِينَ ، إِلّا أَنّ فِرَاقهَا فِي نُصْركَ وَمُوَاسَاتكَ ، لآثرْنا الْخُرُوجَ مَعَكَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهَا ، قَالَ : فَدَعا الْحُسَيْنِ علیه السلام له ثُمَّ قَالَ لَهُ خَيْراً. وهكذا كان جميع اصحابه علیه السلام وهم اشراف قومهم من خيرة قبائل العرب كقبيلة الشيبانييّن والعبدييّن والتميمييّن والتغلبييّن والأسدييّن وغيرهم.

الشاهد العشرون: عدم رضوخ الإمام علیه السلام للظلم 
أظهر الإمام علیه السلام صلابةً منقطعة النظيرِ في مقاومة الظلم ورفض الباطل حتّى في حال بقائه وحيداً لاناصر له ولا معين  بعد أنْ قتل جميع أصحابه وأهلُ بيته فلم يستسلم، وما ذلك إلّا لأجل أنّ نهضته كانت مبتنية على أساس رفض الظلم و بيان المظلوميّة، وعدم الرضوخ للطاغوت. 
فعندما هدّده بالقتل ، أو الاستسلام قال علیه السلام: 
لَيْسَ شأْنِی شأْن مَنْ يَخافُ الْمَوتَ، ما اَهْوَنَ الْمَوتَ عَلی سَبِيلِ نِيلِ الْعِزِّ وَاِحْياءِ الْحَقِّ؛ لَيسَ الْمَوتُ فِی سَبِيلِ الْعِزِّ اِلّا حَياةً خالِدَةً، وَلَيسَتِ الْحَياةُ مَعَ الذُّلِ اِلّا الْمَوتَ الَّذي لا حَياةَ مَعَهُ، أفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِی؟ هَيهاتَ، طـاشَ سَهْمُك، وَخابَ ظَنُّك. لَسْتُ اَخافُ الْمَوتَ، اِنَّ نَفْسِي لَأَکْبَرُ مِنْ ذلِكَ، وَ هِمَّتي لَأَعْلَی مِنْ أَنْ أَحْمِلَ الضَّيمَ خَوْفاً مِنَ الْمَوتِ، وَ هَلْ تَقْدِرُونَ عَلی اَکْثَرَ مِنْ قَتْلِي؟ مَرْحَباً بِالْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَلکِنَّکُمْ لا تَقْدِرُنَ عَلی هَدْمِ مَجْدِي وَمَحْوِ عِزِّي وَ شَرَفِي، فَإذاً لا اُبـالِي بِالْقَتْلِ.
وحتّى في أصعب اللحظات على الإمام ×وهو يقدّم القربان تلو الآخر فداءً لدين الله تعالى لم يفقد تماسكه وصبره وشكيمته .
قال بعض الرواة: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مكثوراً قَطُّ  قَدْ قُتِلَ ولدُهُ وَ أَهْل بَيْتِهِ وَ صَحْبهُ أَرْبَطُ جأشاً مِنْهُ ، وَ كَانَت الرِّجَال لتشدّ عَلَيْهِ فَيَشُدُّ عَلَيْهَا بِسَيْفِهِ فَتَنْكَشِفُ عَنْهُ . . . وَ لَقَدْ كَانَ يَحْمِلُ فِيهِمْ وَقَدْ تَكَمَّلوا أَلْفاً فَيَنْهَزِمُون بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُمْ الْجَرَاد المُنْتَشر ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَرْكَزِهِ وَ هُوَ يَقُولُ : لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

ومن الواضح: أنّ طالب الدنيا إذا انقطعت به السبل لا يفوّت على نفسه فرصة النجاة لو اُتيحت له، بينما حصل للإمام الحسين علیه السلام وعُرض عليه العديد من فرص (النجاة) ورفضها لأنّه لم يكن يبحث عن فرصة لنجاته وإنّما كان يريد إنقاذ الدين، وإحياء ما مات منه حتّى لو أدّى ذلك إلى أنْ يكون شهيداً في هذا الطريق. 
وهذا ما قصرت عن إدراكه عقول بعض من عاصره، فراحوا يقترحون عليه الاعتصام بالبيت الحرام مرّةً حتّى ينجو لكونه أعزَّ مَن في الحرم !!، وجاءه آخرون حاملين اليه عرضاً مهماً ! وهو الذهاب إلى اليمن فإنَّهم شيعة أبيه، وبعضهم يرى أنّ على الإمام أنْ يلجأ إلى جبال أجأ وسلمى !! والأعجب من هذا وذاك: طلبهم منه أنْ ينزل على حكم بني اُميّة؟ فإنّهم لن يُروه إلّا ما يُحبّ !!).
 ولكنَّ الحسين علیه السلام ما كان يبحث عن نجاة نفسه لكونه سفينة النجاة؟! وإنّما كان يبحث عن نجاة الأُمّة من هذا الضلال والانحراف والتيه، كان يريد تحقيق هدفه الأسمى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

الشاهد الحادي والعشرون: خططه علیه السلام الدفاعيّه تدلّ على رفضه للقتال 
إنّ الباحث في تأريخ نهضة كربلاء يقف على عناصر ذات دلالة واضحة على سلميّة نهضة الإمام الحسين علیه السلام وعدم اشتمالها على أيّ مظهر من مظاهر العُنْف بل هي حركة إلهيّة مقدّسة رامت إرساء مبادىء السماء الخالدة وقيم القرآن الكريم وسنّة الرسول الأعظم و منهجيّة أهل البيت.
إنّ المتأمّل في هذه النهضة بنظرةٍ فاحصةٍ يجدها بوضوح حركةً دفاعيّة ممّا يُعطي بكلّ وضوحٍ سلميّتَها، وذلك في كلّ حرف وكلمة، وسكونٍ وحركةٍ ، منذ البداية وحتّى كربلاء.
نعم لمّا استنفد الإمام علیه السلام جميع الوسائل لمنعهم من القتال وصرفهم عن الحرب لم يبقَ أمامه سوى خيار الدّفاع المقدّس فأخذ يخطط للقتال بنظرةِ قائدٍ شهمٍ همام ٍ ومقاتلٍ صنديدٍ يجيدُ جميعَ فنونِ الدفاعِ وبمهارةٍ فائقةٍ منقطعةِ النظير، كيف لا وهو وريث الأنبياء والأوصياء، وقد تجلّت قراراته الحكيمة وخططه النافذة منذ اللحظة الاُولى، من خلال اتّخاذه الخطوات التالية :
أوّلا: الاستعداد للدفاع: 
إنّ مِنْ أبرز سِمات حركة الإمام علیه السلام الاستعداد للدفاع في جميع مراحل النهضة، وذلك بلا شكّ يُعطي سلميّة نهضته وتحرّكه .
 فعندَما كتَبَ يَزيدُ إِلَى الْوَلِيدِ يَأْمرُه بِأَخذِ الْبَيْعَةِ منَ الْحُسَيْن علیه السلام فإِنْ أَبَى فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ فَأَحْضَرَ الْوَلِيدُ مَرْوَانَ وَ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ وَ لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ فَقَالَ الْوَلِيدُ: لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً.
 ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْحُسَيْنِ علیه السلام فَجَاءَهُ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَوَالِيهِ وسيوفهم مسلولة ومخفية تحت ثيابهم، وأوصاهم بالبقاء خارج الدار فإذا ارتفع صوت الإمام من الداخل فعليهم باقتحام الدار والعمل بما يأمرهم به.
ولم يكن هذا الاستعداد إلّا من أجل الدفاع عن النفس احترازاً من أيّ خطر محتمل  قد يقوم به أتباع يزيد.
وفي طريقه إلى مكّة لم يتنكّب الطريق الأعظم لئلا يعطي الأعداء ذريعةً للنيل منه، مضافاً إلى إسراعه في مسيره  - كما تقدّم - ممّا يعطي أنّه× كان يحاول دائماً الابتعاد عن مواطن الخطر الذي يمكن أنّ يهدّده من السلطة الحاكمة. 
كما أحبط علیه السلام محاولةً لاغتياله في مكّة حيث بلغه أنّ يزيداً أرسل جماعة بإمرة عمرو بن سعيد الأشدق لقتلة أو القبض عليه، فما أنْ علم الإمام بذلك حتّى بادر إلى إفشال المخطّط الإجراميّ صيانة لحرمة الحرم الإبراهيميّ، فاستعاض عن الحجّ بالعمرة وخرج من مكّة.
والخطوة الاُخرى التي اتّخذها الإمام علیه السلام في هذا المجال هي الحيلولة دون دخول قافلة يزيد إلى مكّة لئلّا يتّخذها الحزب الاُمويّ  وسيلةً لشراءِ الذمم وإغراء ضعاف النفوس ليتّخذوا موقفاً معادياً من الإمام الحسين علیه السلام فصادر تلك البضاعة و خيّرالقائمين عليها بين المجيء معهم إلى العراق فيدفع لهم أجرتهم ويحسن إليهم، وبين الانصراف عنه فيدفع لهم أجرتهم إلى هنا، ففارقه بعضهم، وجاء بعضهم الآخر معه.

ثانياً: مراقبة الأحداث ومتابعتها
لمّا اضطُرّ الإمام علیه السلام إلى الخروج من المدينة  خلّف أخاه محمّد ابن الحنفيّة قائلاً له: أمّا أنت فعليك أنْ تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم لا تخفي عنّي شيئاً من أمورهم.
وبهذه الخطوة الحكيمة من الإمام أراد إعلام أهل المدينة أنّه علیه السلام لم يرمِ حبلها على غاربها بلْ ترك في المدينة ممثّلاً عنه ينقل له الأحداث ويقوم مقامه عند الضرورة والحاجة.
كما أنّه علیه السلام لم تخف عليه الأحداث التي كانت تجري في المناطق التي كان يوجد فيها أتباعه مثل الكوفة والبصرة واليمن، فكان يستخدم الوسائل الطبيعية في الاستعلام من خلال المكاتبة  والاستفسار من الأشخاص كما استفسر عن الكوفة من القادمين منها  ومن أمثلة ذلك بشر بن غالب الذي لقي الإمام × في ذات عرق، والفرزدق الذي لقيه في منزل آخر.

ثالثاً: الإعداد العسكريّ للدفاع المقدّس
 بعد أن اسقرأ الإمام علیه السلام مجملَ الأوضاع وأيقن بأنّه لابدّ من الدفاع المقدّس ذوداً عن حياض المبدأ والعقيدة ولو ببذل المهج وتقديم الأنفس والاستشهاد في سبيل الله، عمد إلى اتّخاذ خطط دفاعيّة توحي بالطبيعة السلميّة لنهضته، فقام علیه السلام بالخطوات التالية:

الخطوة الأولى: انتخاب الصفوة من أتباعه 
فأجرى عمليّة إختبار انتخب من خلالها الصفوة من أتباعة حيث أعلن في عدّة منازل في طريقه إلى كربلاء  بأنّه ماض إلى الشهادة وأنّه سيقتل هو وأهل بيته وأنصاره، حتّى انصرف عنه من تبعه لأجل الدنيا طمعاً بالغنيمة، وبقي معه الخلّص ممّن امتحن الله قلوبهم بالإيمان، وقد تكرّرت هذه العمليّة من الإمام علیه السلام في عدّة منازل، وكان آخر اختبار أجراه ليلةَ عاشوراء إلّا أنّه لمْ ينصرف عنه أحد.
وعندما سألته الحوراء زينب: أخي هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإنّي أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة؟. 
فبكى وقال: أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم إلّا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أمّه.
وفي ليلة العاشر من المحرم وبعد أنّ استنفذ علیه السلام السبل في صرفهم وصفهم قائلاً : أمّا بعد فإنّي لا اعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنى جميعاً خيراً.

الخطوة الثانية: التحصّن من الأعداء
 قال ابن شهر آشوب: أمر بأطناب البيوت، فقرّبت حتّى دخل بعضها في بعض، وجعلوها وراء ظهورهم لتكون الحرب من وجهٍ واحد، وأمر بحطب وقصب كانوا جمعوه وراء البيوت، فطرح ذلك في خندق جعلوه وألقوا فيه النار وقال: لا نؤتى من ورائنا.

الخطوة الثالثة: التزوّد من العبادة
يظنّ البعض أنّ الإمام علیه السلام لمّا طلب المهلة ليلة عاشوراء أراد تأخير القتال أملاً بالتخلّص إلّا أنّه إنّما طلب ذلك  للصلاة والدعاء وقراءة القرآن  كما صرّح بذلك، فقد عمد علیه السلام إلى إعداد أصحابه وأهل بيته إعداداً روحيّاً فكان لهم دويّ كدويّ النحل بين قائم وقاعد وراكع وساجد حتّى بزوغ الفجر من يوم العاشر. 

الخطوة الرّابعة:  تقسيم المواقع الدفاعيّة
قسّم الإمام علیه السلام في صبيحة يوم عاشوراء جيشه ونظّم أصحابه فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر على الميسرة، ودفع اللواء إلى أخيه العبّاس، وثبت هو في وسط معسكره وجعل الخيام وراءَ ظهورهم.
وهذه الخطوات الدفاعيّة البحتة والتي اتّخذت على أساس صدّ العدوّ ودفعه تُرشد إلى أنّ حركة الإمام علیه السلام كانت نهضة سلميّة دفاعيّة وإصلاحيّة تهدف الى بناء المجتمع بناءً صالحاً وسليماً.

المصدر:کتاب السلم و اللاعنف في الاسلام و امتدادهما في النهضة الحسینیة تألیف سماحة السید قاسم الجلالي 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2022/03/15  ||  القرّاء : 879



أوقات الصلاة اليومية :




لندن - London


الإمساك : 5:01
الفجر : 5:11
الشروق : 6:45
الظهر : 13:06
الغروب : 7:27
المغرب : 7:42


مواقيت الصلاة السنوية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • برمينغهام Birmingham
  • برايتون Brighton
  • كارديف Cardiff
  • غلازغو Glasgow
  • هال Hull
  • ليدز Leeds
  • ليفربول Liverpool
  • لندن London
  • مانشستر Manchester
  • نورويتش Norwich
  • بليموث Plymouth
  • بورتسموث Portsmouth
  • شفيلد Sheffield
  • ساوثهامبتون Southampton
  • سوانزي Swansea

جديد الموقع :



 ميلاد الامام المجتبى (ع) / اقسام الكرم الثلاثة /سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الإسلامي في سري / 2024/3/26

 ميلاد الامام المجتبى (ع) / دفع شبهة يامذل المؤمنين/سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ الملا مصطفى النائب/المنشد الصغير محمد/ مرکز اهل البيت في ومبلي/2024/3/25

 خطبة الجمعة / الصوم يعزز حفظ حرمات الله تعالى / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الإسلامي في سري/ 22.03.2024

 شهر رمضان فرصةٌ للانفتاح على الذات/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ مركز اهل البيت الاسلامي/21.03.2024

 خطبة الجمعة / الصوم يعزز قوى الفضيلة / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الإسلامي في سري/ 15.03.2024

 خَمْسُ جَوائز للصَائِمينَ / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / 12.3.2024

 ‎أرْبعُ محطاتٍ مُقتَضَبةٍ في ثبوت الهلال/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / 12.3.2024

 خطبة الجمعة / الاستقبال التجديدي والاستقبال التقليدي/ المركز الاسلامي في سري/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ 08.3.2024

 خطبة الجمعة / الآثار المعنويّة والصحيّة للوضوء/ المركز الاسلامي في سري/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ 01.3.2024

 القائدُ المهدويّ / سماحة العلامة السید قاسم الجلالي / المركز الاسلامي في سري/ 2024/2/25

مواضيع متنوعة :



 القائدُ المهدويّ / سماحة العلامة السید قاسم الجلالي / المركز الاسلامي في سري/ 2024/2/25

 التنبيه الأوّل فی قاعدة لا ضرر: في فروع الاقدام

 مواضع التأسي بسيدة النساء الصديقة فاطمة الزهراء (ع) / العلامة السيد قاسم الحسيني الجلالي

 مجلس مسير السبايا| العلاّمة السيد قاسم الحسيني الجلالي |1443

 مناسك الراغبين - حج التمتع - الوقوف في مزدلفة - الحلقة 40 - سماحة العلامة السید قاسم الجلالي

 منهج الامام الحسن المجتبى في الهداية/سماحة السيدقاسم الحسيني الجلالي/المركز الاسلامي في سري/7.4.2023

 البغي في نهج البلاغة

 واقعة عاشوراء الفجيعة | قراءة المقتل الحسيني الشريف | سماحة السيد قاسم الحسيني الجلالي|1443 محرم

 أهمّية قاعدة لا ضرر في الدين الاسلامي الحنيف

 فيما يتوهّم تأييده للإطلاق من تطبيقات الأصحاب فی قاعدة لا ضرر

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 4

  • الأقسام الفرعية : 31

  • عدد المواضيع : 540

  • التصفحات : 536856

  • التاريخ : 28/03/2024 - 19:16