• الصفحة الرئيسية

حول المركز :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التعريف بالمركز (2)
  • نشاطات المركز (1)
  • إعلانات المركز (48)
  • التواصل (1)

بحوث علمية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البحوث القرآنية (4)
  • بحوث نهج البلاغة (20)
  • البحوث العقائدية (15)
  • البحوث التاریخیة (14)
  • البحوث الفقهية (3)
  • البحوث الأصولیة (18)

المحاضرات (مرئیات) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شهر محرم و صفر (56)
  • شهر رمضان المبارك (67)
  • مناسك الحج (47)
  • الادعیة (15)
  • البث الفضائي (34)
  • التفسیر (9)
  • الدروس الحوزویة (2)
  • الحوارات و الندوات (3)
  • مجالس التأبین (3)
  • متفرقات (34)
  • مجالس استشهاد المعصومین (28)
  • مجالس میلاد المعصومین و الاعیاد (33)
  • صلاة الجمعة (65)
  • صلاة العیدين (4)

حقل الصور :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • رمضان المبارك (5)
  • محرّم الحرام (0)
  • نشاطات عامّة (6)
  • صفر المظفّر (0)
  • ولادات المعصومین (7)
  • وفیات المعصومین (2)
  • صلاة الجمعة و العیدین (6)

البحث :


  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إتصل بنا
  • القسم الرئيسي : بحوث علمية .

        • القسم الفرعي : البحوث التاریخیة .

              • الموضوع : السلم و اللاعنف في التأريخ الإسلاميُّ في دور فتحِ مكّة .

السلم و اللاعنف في التأريخ الإسلاميُّ في دور فتحِ مكّة

كان صلح الحديبيّة في السنة السادسة للهجرة , وقد تمخّض عن بنودٍ متّفق عليها بين الطرفين منها: المهادنة  لعشر سنوات، يحقّ للقبائل الدخول في حِلف أحد الطرفين؛ فدخلت [ قبيلة بكر] في حلف قريش، ودخلت [قبيلة خزاعة] في حِلف النبيّ ولكنّ قريشًا حرّضت رجال بكر ضدّ رجال خزاعة، فنشب بينهما قتال، وغدرت قريش برجال خزاعة واشتركت في القتال لصالح رجال بكر، وبذلك نُقضت الهدنة.
 فانطلق عمرو بن سالم الخزاعيّ، إلى رسول الله وأنشد بين يديه شعراً يشرح فيه غدر قريش وخيانتها ونقضها لعهد الحديبيّة، فقال:  نُصرتَ يا عَمْرو بنَ سَالمٍ.
وأمر بالزحف إلى مكّة، الذي جاء نتيجةً لنقض المشركين الاتفاقيّات في صلح الحديبيّة من جهة، وعلى وفق الشروط المتسالم عليها من جهة أخرى ,  فغادر الجيش الإسلاميّ المدينة في العاشر من شهر رمضان في السنة الثامنة للهجرة، ودخل النبيّ وجيشه (الذي بلغ عشرة آلاف) مكّة في مطلع الإسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك.
وعندما تمكّن المسلمون من أهل مكّة أطلق الرسول سراحهم ولم يمسّهم بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى، وهنا استطاع الرسول أنْ يُفنّد الحرب الإعلاميّة حيث إنّ المشركين كانوا يروّجون أنّ النبيّ يُحبّ القتل والفتك  وسفك الدماء فأثبت الرسول أنّه رجل سلام وأنّه يحترم مكّة وكعبتها المقدّسة وكان هذا الأمر سبباً لاستقطاب قلوب الكثيرين نحو الإسلام.  
ولو لاحظنا سيرة الرسول المتمثّلة في أعماله وأقواله من المدينة إلى مكّة لوجدناها  تتدفّق بالرّفق  والإنسانيّة  والرّحمة، بعيدةً عن العُنْف والصلف والخرق  والغرور ومشاعر الانتشاء التي تستولي  على القادة في مواقف النصر  والتغلّب على العدو. 

مواقفُ نبويّةُ خالدةُ في العفو والتواضع والتسامح
الموقفُ  الاوّلُ: الرّحمة ُوالسماحةُ 

استشعر أحد  قادة الجيش الإسلاميّ وهو( سعد بن عبّادة)  بنشوة الظفر والنصر عند فتح مكّة المكرّمة فأخذه شيء من الزَّهْو، فراح ينادي في أهل مكّة: 
               اليوْمَ يومُ المَلْحَمَة            اليوْمَ تُسبى الحُرمَة
يعني: اليوم هو اليوم الذي نترك أجسادكم فيه لحوماً واشلاءاً، واليوم تسبى حرمكم ونساؤكم.
فقال الرسول للإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام: اذهب وخذ الراية من سعد، وناد عكس ندائه، فجاء علیه السلام وأخذ الراية وقال منادياً: 
               اليوْمَ يَومُ المرْحَمَة         اليوْمَ تُحْفظ حُرَمَة 
وتتجلّى في هذا الموقف النبويّ رحمة الإسلام  وكان ذلك تفضّلاً منه ورحمةً  وإحساناً،  وأمر المسلمين أنْ يدخلوا مكّة بروح الموادعة والرّحمة والمسالمة بلا قتال وهكذا كان الرسول في حكومته الإلهيّة، فكان يعفو عن المسيء ويصفح عن ألدّ أعدائه، ويعمل جاهداً في سبيل ترسيخ دعائم السلم والسلام والتسامح، ونشر روح الصبروالاستقامة، وبثّ ثقافة التآخي والوحدة.

الموقفُ الثاني: رفقهُ بالحَيْوانِ
 كان الجيش الإسلاميُّ يتّجه صوب مكّة  وبينما هم كذلك وإذا بالرسول يرى كلبة تُرضع أولادها، فخشي أن يَسحقها الزاحفون  بحوافر خيولهم دون أن يشعروا، فأمر ( جعيل بن سراقة)  أن يقوم حذاءها؛ حتّى لا يتعرض لها أحد من الجيش ولا لأولادها  بسوء.
ومن ذلك ما رواه أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى عن أبي  إِسْحَقَ الْفَزَارِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ فقال : مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟قُلْنَا : نَحْنُ قَالَ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ.
وهذه المواقف تُعطي الإطار العامّ لحركة الرسول المتمثّلة بالرّفق والرّحمة  في أعلى  مصاديقها حيث  لم تقتصر على الإنسان فحسب بل اتّسعت لتشمل غيره من الحيوان.

الموقفُ الثالثُ: تواضعه حين فتح مكّة
إتّسم دخوله إلى مكّة  عام الفتح  بتواضع عجيب؛ حيث كان يركب ناقته القصواء وقد أحنى رأسه على رَحله تواضعًا، حتى كادت تمس لحيته الرحلَ من شدّة التواضع، وهو يقول: (لَا عَيْش إِلَّا عَيْشِ الْآخِرَةِ).

الموقفُ الرابعُ: لم يجبر أهل مكّة على الإسلام
يعدّ العفو العام الذي أصدره الرسول|  أوضح دليل على منهجيّته في نبذ العُنْف واتّباع السلم حيث خطا خطوةً جبّارةً في رسم معالم (اللاعنف) المتمثّل بإصداره حكماً بإطلاق سراح أهل مكّة جميعاً فقد أعلن عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين فبرغم كلّ ما صدر منهم إزاءه | لم يتصدّ للانتقام والعُنْف قطّ، إلّا ما كان رادعاً وصادّاً عن العُنْف والظلم. 
إنّها الصورة المشرقة التي عرضها الرسول للبشريّة جمعاء محاولاً من خلال مواقفه العمليّة أنْ يحشد في الإنسان عناصر السلم  ويزرع فيه بذور المحبة والابتعاد عن العُنْف.
نعم تتجلّى سماحة الرسول عندما وسّع الملاذ لمن يريد الأمان من المشركين فأعلن عن مكان الأمان قائلاً: (مَنْ دَخَلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمِنٌ )  لكنْ لمّا لم تكن دار أبي سفيان تسع المشركين وسّع الرسول  مساحة الأمان على الأرض فقال: (  مَنْ دَخَلَ المَسْجدَ فهو آمِنٌ).
وأراد الرسول أنْ يريهم  عظمة الإسلام من خلال رأفته فوسّع الأمان حتّى شمل جميع أهل مكّة حيث  قال: (مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهوَ آمِنٌ).
ومن الملحوظ أنّ الرسول  لم يقل: ( فهو مؤمنٌ ) بل قال: ( فهو آمنٌ ) أي : أنّه لم يكرههم على قبول الإسلام، فإنّ الفرد منهم وإنْ لم يؤمنْ ولم يسلمْ فهو في أمانٍ على نفسه وماله وعِرْضه.

الموقفُ الخامسُ: إعطاؤه الأمان لأبي سفيان 
على الرّغم من أنّ أبا سفيان كان قائد جيش المشركين، وخاض الحرب ضدّ المسلمين، ولكنّ الرسول وقف منه موقفاً لم يكن أبو سفيان نفسه يتوقعه، حيث سجّل أمام أهل مكّة صيانةً لأبي سفيان ولمن يدخل بيته حيث قال: (مَنْ دَخَلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمِنٌ).
وكان هدفه من ذلك اعطاء مناوئي الحكومة الإسلاميّة فرصةً  عسى أنْ يهتدوا لطريق الحقّ.
فالإسلام لم يجعل الإكراه  والعُنْف وسيلةً من وسائل الدخول في الدين، بل جعل وسيلة ذلك استعمال العقل وإعمال الفكر، والنظر في ملكوت السماوات والأرض . يقول الله سبحانه:{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ  }.
نعم إنّ هذا الأمان الممنوح للداخل إلى بيت رأس الطلقاء كاشف عن احترام الدعوة الإلهيّة لحريّة الفكر ولإنسانيّة الإنسان، وما أصدق القائل في وصف دولة الطاهرين: 

مَلَكْنَا فَكَانَ الْعَفْوِ مِنَّا سَجِيَّةً
        فَلَمَّا مَلَكْتُمْ سَالَ بِالدَّمِ أَبْطَحُ

وحَلّلْتُمُ قَتَلَ الْأُسَارَى وَ طَالَمَا
        غَدَوْنَا عَلَى الْأَسْرَى نَعْفُ ونَصفحُ

فَحَسْبكمُ هَذَا التَّفَاوُت بَيْنَنَا
        وَكُلُُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَنْضِحُ  

الموقفُ السادسُ: إطلاقه سراح أهل مكّة
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حدّثني بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ | قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : ( لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَلَا كُلُّ مَأْثَرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدَّعَى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إلَّا سَدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ ، أَلَا وَقَتِيلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا ، فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً ، مِئَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ، أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا . يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}  الْآيَةَ كُلَّهَا. ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْراً ، أَخٌ كَرِيمٌ ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ ، قَالَ : اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ.

الموقفُ السابعُ: لطفه مع عثمان بن طلحة العبدريّ
لمّا دخل النبيّ مكّة يوم الفتح غلق عثمان بن طلحة العبدريّ باب البيت وصعد السطح فطلب النبيّ المفتاح منه فقال: لو علمت أنّه رسول الله لم امنعه فصعد عليّ بن أبى طالب علیه السلام السطح ولوى يده واخذ المفتاح منه وفتح الباب فدخل النبيّ البيت فصلّى فيه ركعتين فلمّا خرج سأله العبّاس أنْ يعطيه المفتاح فنزل قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } فأمر النبيّ أنْ يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه فقال له عثمان: يا عليّ أكرهت وآذيت ثمّ جئت برفقٍ، قال: لقد أنزل الله عزّوجلّ في شأنك، وقرأ عليه الآية فأسلم عثمان، فأقرّه النبيّ في يده.

الموقفُ الثامن ُ: عفوه عمّن أراد اغتياله
أراد أحد المشركين وهو فضّالة بن عمير الليثيّ  أنْ يغتال النبيّ في أثناء طوافه، فكشف الله تعالى  للنبيّ خبيئته، فأطلعه النبيّ بما نوى , وقابله بالإحسان فعفا عنه، ممّا جعله يعلن إسلامه، ودعا له الرسول بالخير، واليك نصّ الحديث:
هَمَّ فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوّحِ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللّهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَلَمّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ |أَفَضَالَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: مَاذَا كُنْتَ تُحَدّثُ بِهِ نَفْسَك؟ قَالَ: لَا شَيْءَ كُنْتُ أَذْكُرُ اللّهَ،فَضَحِكَ النّبِيّ قَالَ :( اسْتَغْفِرْ اللّهَ ) ثُمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَسَكَنَ قَلْبُهُ، وَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاَللّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتّى مَا خَلَقَ اللّهُ شَيْئًا أَحَبّ إلَيّ مِنْه، قَالَ فَضَالَةُ :فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ كُنْتُ أَتَحَدّثُ إلَيْهَا فَقَالَتْ: هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْت: لَا وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:
قَالَتْ هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَا
        يَأْبَى عَلَيْك اللّهُ وَالإسلام

لَوْ قَدْ رَأَيْتِ مُحَمّدًا وَقَبِيلَهُ
        بِالْفَتْحِ يَوْمَ تُكَسّرُ الْأَصْنَامُ

لَرَأَيْتِ دِينَ اللّهِ أَضْحَى بَيّنًا
        وَالشّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ 

الموقفُ التاسعُ: عفوه عن صفوان بن اميّة
لمّا فتح النبيّ مكّة ودخلها ظافراً منتصراً كان صفوان بن أميّة ممّن أهدرت دماؤهم ؛ لشدّة عداوتهم للإسلام، والتأليب على المسلمين  فهرب خارج مكّة ولمّا بلغ النبيّ  ذلك عفا عنه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحدّثني مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: خَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ يُرِيدُ جُدّةَ لِيَرْكَبَ مِنْهَا إلَى الْيَمَنِ ، فَقَالُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ :يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ سَيّدُ قَوْمِهِ وَقَدْ خَرَجَ هَارِبًا مِنْك، لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ فَأَمّنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْك قَالَ: هُوَ آمِنٌ قَالَ :يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَعْطِنِي آيَةً يَعْرِفُ بِهَا أَمَانَك ; فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ عِمَامَتَهُ الّتِي دَخَلَ فِيهَا مكّة فَخَرَجَ بِهَا عُمَيْرٌ حَتّى أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ :يَا صَفْوَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي، اللّهَ اللّهَ فِي نَفْسِك أَنْ تُهْلِكَهَا، فَهَذَا أَمَانٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ قَدْ جِئْتُك بِهِ قَالَ :وَيْحَك اُغْرُبْ عَنّي فَلَا تُكَلّمْنِي، قَالَ: أَيْ صَفْوَانُ فِدَاك أَبِي وَأُمّي أَفْضَلُ النّاسِ وَأَبَرّ النّاسِ وَأَحْلَمُ النّاسِ وَخَيْرُ النّاسِ ابْنُ عَمّك، عِزّهُ عِزّك، وَشَرَفُهُ شَرَفُك وَمُلْكُهُ مُلْكُك قَالَ: إنّي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي، قَالَ هُوَ أَحْلَمُ مِنْ ذَاكَ وَأَكْرَمُ، فَرَجَعَ مَعَهُ حَتّى وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ قَالَ صَفْوَانُ :إنّ هَذَا يَزْعُمُ أَنّك قَدْ أَمّنْتَنِي قَالَ:صَدَقَ قَالَ :فَاجْعَلْنِي فِيهِ بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ؟ قَالَ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.

الموقفُ العاشرُ: عفوه عن زعيم اليمامة 
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏ ‏حدّثنا ‏‏اللَّيْثُ ‏ ‏قَالَ حدّثني ‏ ‏سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ ‏: بَعَثَ النَّبِيُّ ‏خَيْلًا قِبَلَ ‏ ‏نَجْدٍ ‏ ‏فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ ‏ ‏بَنِي حَنِيفَةَ ‏ ‏يُقَالُ لَهُ ‏: ‏ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ‏فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ‏‏فَقَالَ: ‏مَا عِنْدَكَ يَا ‏ ‏ثُمَامَةُ ‏ ‏فَقَالَ :عِنْدِي خَيْرٌ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ :مَا عِنْدَكَ يَا ‏ ‏ثُمَامَةُ ‏ ‏قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ:مَا عِنْدَكَ يَا ‏ ‏ثُمَامَةُ ‏ ‏فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ: أَطْلِقُوا  ‏ثُمَامَةَ ‏ ‏ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ  قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏ ‏رَسُولُ اللَّهِ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ‏‏ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ. الحديث.

الموقفُ الحادي عشر: لم يستخدم الحرب الإقتصاديّة 
لَمَّا أسْلمَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، قَدِمَ ‏مكّة ‏ ‏قَالَ لَهُ قَائِلٌ ‏ ‏صَبَوْتَ ‏ ‏قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏رَسُولِ اللَّهِ |‏ ‏وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِن‏ ‏الْيَمَامَةِ ‏حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ.
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْيَمَامَة فَمَنَعَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا إِلَى مكّة شَيْئًا , فَكَتَبُوا إِلَى النَّبِيّ: إِنَّك تَأْمُر بِصِلَةِ الرَّحِم , فَكَتَبَ‏‏ إِلَى ثُمَامَة أَنْ يُخَلِّي بَيْنهمْ وَبَيْن الْحَمْل إِلَيْهِمْ.
وكان بإمكانه أنْ يقهر أهل مكّة، ويلجئهم إلى الإسلام مستعملاً الحصار الاقتصاديّ، ولكنّه لمْ يُجبر ولمْ يُكره أحداً على الإسلام . 
وهذا الحديث من أوضح الشواهد والدلائل على انتشار الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وبروح التسامح والرّحمة وبمبادئه الإنسانيّة العالية .

الموقفُ الثاني عشر: صلحُ الحديبيّة 
يعتبر هذا الصلح فتحاً سلميّاً كبيراً للمسلمين وذلك عندما  خرج رسول الله  معتمراً بالمسلمين الذين كان عددهم ألفاً وأربعمائة، وبعد مضيّ سنتين من صلح الحديبية اصبح عدد المسلمين عشرة آلاف مسلم.
يقول الطبريّ: (فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتحٌ قَبلَهُ كَانَ أَعْظَم مِنْهُ إِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ فَلَمَّا كَانَت الْهُدْنَة وَ وَضَعَت الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَ أَمِنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فالتَقوا وتَفاوضوا فِي الْحَدِيثِ وَ الْمُنَازَعَةِ فَلَمْ يُكَلَّمَ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئاً إِلَّا دَخَلَ فِيهِ ، فَلَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْل مَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَ أَكْثَرَ).
والملاحظ في صلح الحديبية أنّه لم يصرّ على كتابة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في وثيقة الصلح، لإيمانه بأنّ نشر السلم والتسامح أهمّ من كتابة عبارة أو عدم كتابتها على الرّغم من قداسة هذه العبارة وعظمتها في الإسلام .
وتتابعت القبائل العربيّة من كلّ حدب وصوب بعد صلح الحديبية لتعلن اعتناق الإسلام حتّى اُطلق على العام الذي يلي عام الحديبيّة اسم عام الوفود لكثرة من وفد من العرب على رسول الله  معلنين
إسلامهم طوعاً.

الموقفُ الثالث عشر:  عفوه عن اليهوديّة التي أرادت قتله
رَوَى عَبْد الرَّزَّاقِ عَنْ معمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ امْرَأَةًَ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ شَاةً مَصْلِّيَةً (أي: مشويّة ) بِخَيْبَر ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ ؟ قَالَتْ : هَدِيَّة ، وَ حَذَرتَ أَنْ تَقُول : هِيَ مِنَ الصَّدَقَةِ فَلَا يَأْكُل، قَالَ : فَأَكَلَ النَّبِيِّ وَ أَكْل أَصْحابُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمْسكُوا ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ : هَلْ سَمّمتِ هَذِهِ الشَّاة؟ قَالَتْ : مَنْ أَخْبَرَكَ ؟ قَالَ : هَذَا الْعَظْم [أشار] لساقها وَ هُوَ فِي يَدِهِ  قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : لِمَ ؟ قَالَتْ : أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ ، وَ إِنْ كُنْتَ نَبِيّاً لَمْ يَضُرُّكَ ، قَالَ : فَاحْتَجَمَ النَّبِيِّ عَلَى الْكَاهِلِ ، وَ أْمَرَ أَصْحَابَهُ فاحْتَجَموا ، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَأَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا النَّبِيِّ .
والملاحظ أنّ الْمَعْفُوّ عَنْهَا هِيَ امْرَأَة يَهُودِيَّة حاولت اغْتِيَالَه | وبكلّ رحابة صَدْر عَفَا عَنْهَا نَبِيِّ الرَّحْمَةِ واطلقَ سَراحها.
وهذه المواقف الخالدة في السيرة النبويّة الشريفة تجسد أرقى معاني الإنسانيّة وأنبلها جمالاً وإحساناً وعفواً وهي تُعزّز بقولٍ يقينٍ أنَّ الإسلام لم ينتشر تحت وطأة السيف بل استقبلته البشريّة بفطرتها السليمة لاشتماله على مباديء السلام والسلم والتسامح ونبذ العُنْف وأنَّ الإسلام لم يجبر أحداً على اعتناقه بخلاف ما يشيعه أعداؤهُ عنه.

المصدر:کتاب السلم و اللاعنف في الاسلام و امتدادهما في النهضة الحسینیة تألیف سماحة السید قاسم الجلالي

 

 


 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2022/03/11  ||  القرّاء : 869



أوقات الصلاة اليومية :




لندن - London


الإمساك : 4:05
الفجر : 4:15
الشروق : 5:56
الظهر : 13:00
الغروب : 8:04
المغرب : 8:19


مواقيت الصلاة السنوية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • برمينغهام Birmingham
  • برايتون Brighton
  • كارديف Cardiff
  • غلازغو Glasgow
  • هال Hull
  • ليدز Leeds
  • ليفربول Liverpool
  • لندن London
  • مانشستر Manchester
  • نورويتش Norwich
  • بليموث Plymouth
  • بورتسموث Portsmouth
  • شفيلد Sheffield
  • ساوثهامبتون Southampton
  • سوانزي Swansea

جديد الموقع :



 ثقافة العيد طبقاً للرؤية القرانية/العيد يعني كسب ( فضل الله) و( رحمته) / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / المركز الاسلامي سري/ 15.4.2024

 خطبة الجمعة / حماية المنجزات ليس النجاحُ بالانجاز بل بالحفاظ عليه / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / المركز الاسلامي سري/ 12.4.2024

 خطبة العید / لماذا نَحتفلُ بالعيد؟معلوماتٌ ضروريّةٌ يَجْدرُ الإطلاع عليها / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 10.4.2024

 زكاة الفطرة واحكامها / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ 9.4.2024

 الايات القرانية في علم النفس/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 8.4.2024

 عجائب قضاء امير المومنين الامام علي عليه السلام/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 7.4.2024

 واجعل لي لسان صدق في الاخرين/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 6.4.2024

 خطبة الجمعة / الإفساد في الأرض مرّتين وتحقّق الوعد اللهيّ بالإنتقام / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / المركز الاسلامي سري/ 5.4.2024

 تَشابهُ أشْقى الأولين و أشقى الآخرين/ استشهاد الامام علي(ع) / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ مركز اهل البيت ومبلي / 2024/3/31

 اعلان مجلس استشهاد الامام علي علیه السلام و احیاء لیلة القدر الثانیة

مواضيع متنوعة :



 السيد المسيح والامام المهدي عجل الله فرجه الشريف /العلاّمة السيد قاسم الحسيني الجلالي

 العلاقة بين الامام علي(ع)والكعبة المشرفة/ سماحة العلامة السید قاسم الجلالي/ المرکز الاسلامي فی لندن/2024/1/24

  صلاة الجمعة 2022/4/29

 الامام المهديّ عليه السلام في التراث الاسلامي

 مقطع من دعاء عرفة في ارض عرفات

 خطبة الجمعة/ المركز الإسلامي في سري - لندن/درسٌ من الامام الصادق (ع) مع الشقراني/ ذكرى ميلاد الرسول الاكرم والإمام الصادق /2023/9/29

 مناسك الراغبين – عمرة التمتع و واجباتها – السعي – الحلقة 34 – سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي

 الفاطميّةُ الثالثةُ /معالمٌ ثلاثةٌ من السيرة الفاطميّة/ المرکز الإسلامي في سري/25.12.2022

 الامام الرضا عليه السلام 4 (سمي باسم جده الامام علي ع) لسماحة السيد قاسم الجلالي /قناة الفرات الفضائیة

 خطبة الجمعة العبادیة

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 4

  • الأقسام الفرعية : 31

  • عدد المواضيع : 552

  • التصفحات : 565047

  • التاريخ : 19/04/2024 - 14:02