• الصفحة الرئيسية

حول المركز :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التعريف بالمركز (2)
  • نشاطات المركز (1)
  • إعلانات المركز (48)
  • التواصل (1)

بحوث علمية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البحوث القرآنية (4)
  • بحوث نهج البلاغة (20)
  • البحوث العقائدية (15)
  • البحوث التاریخیة (14)
  • البحوث الفقهية (3)
  • البحوث الأصولیة (18)

المحاضرات (مرئیات) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شهر محرم و صفر (56)
  • شهر رمضان المبارك (67)
  • مناسك الحج (47)
  • الادعیة (15)
  • البث الفضائي (34)
  • التفسیر (9)
  • الدروس الحوزویة (2)
  • الحوارات و الندوات (3)
  • مجالس التأبین (3)
  • متفرقات (34)
  • مجالس استشهاد المعصومین (28)
  • مجالس میلاد المعصومین و الاعیاد (33)
  • صلاة الجمعة (65)
  • صلاة العیدين (4)

حقل الصور :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • رمضان المبارك (5)
  • محرّم الحرام (0)
  • نشاطات عامّة (6)
  • صفر المظفّر (0)
  • ولادات المعصومین (7)
  • وفیات المعصومین (2)
  • صلاة الجمعة و العیدین (6)

البحث :


  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إتصل بنا
  • القسم الرئيسي : بحوث علمية .

        • القسم الفرعي : البحوث التاریخیة .

              • الموضوع : المعارضون لخروج الإمام (عليه السلام) بين الواقع والتحريف .

المعارضون لخروج الإمام (عليه السلام) بين الواقع والتحريف

بعد إخفاق جميع محاولات السلطة الاُمويّة في انتزاع البيعة ليزيد بن معاوية من الإمام الحسين علیه السلام حيث أفشلها بخروجه من المدينة، توجّه الجهاز الاُمويّ نحو شخصيّات لها ثقلها الاجتماعيّ والدينيّ – أنذاك – ساعياً في تحريكها بنحوٍ وآخر للقيام بدور الناصح المشفق ومنع الإمام علیه السلام من الخروج.
وفي هذا الإطار كتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عبّاس يخبره بخروج الحسين علیه السلام إلى مكّة، ويحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة، وعندك منهم خبرة وتجربة فإنْ كان فعل فقد قطع واشج القرابة وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه فاكففه عن السعي في الفرقة.
ومضمون هذا الكتاب اصرار الخطّ الاُمويّ على انتزاع البيعة منه علیه السلام أو القتال كما قال علیه السلام: (ألا وإنّ الدَعِيّ ابنَ الدَعِيّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَينِ بَيْنَ السِلَّةِ وَالذِلَّةِ وَهيْهات منا الذِلَةُ) و لمّا أقدم يزيد على ارتكاب الفاجعة الكبرى في كربلاء تزلزلت أركان سلطته ممّا جعله يفكّر بالتنصل من تلك الجريمة التي اقشعرّت لهولها السماوات والأرضون فاضطر إلى إلقاء اللائمة على الإمام علیه السلام فراح إعلامه يشيع أنباءً تتحدّث عن مخالفة الحسين علیه السلام لنصيحة الناصحين.
 والهدف من وراء هذه الزوبعة الإعلاميّة المختلقة إثبات خطأ تحرّك الإمام علیه السلام وتبرير ساحة يزيد ؟!  فسخّروا أقلامهم وجنّدوا أعوانهم لاختلاق أكاذيب وافتراءات مُفادُها أنّ كبار الصحابة والتابعين وقفوا بوجه الحسين علیه السلام و نهوه عن الخروج.
علماً أننّا بيّنا أنَّ حركة الإمام علیه السلام انبثقت من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، فلا غرابة ممّن جهل مقاصدَ الكتاب والسنّة أنْ يعترض على خروج الإمام الحسين علیه السلام. لذلك جاءَ التأكيد في تراث أهل البيت على معرفة الحقّ من الكتاب والسنّة.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النُعْمَانِيُّ فِي كِتَابِ الْغَيْبَةِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أنّه قال:مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسْنّةِ نَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ زَالَت الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ ،ومَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ رَدَّتْهُ الرِّجَالِ. 
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاق ، عَنْ دَاوُد ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قال: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَنا مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَتَنَكَّب الْفِتَنِ. 
مِنْ هنا نجزم بأنّ مَنْ تدبّر منهجيّة القرآن والسنّة في كيفيّة التعامل مع الظلم والظالمين والمفسدين في الأرض فإنّه سوف يقف على الإنسجام الكامل والتام لحركة الإمام الحسين علیه السلام مع القرآن والسنّة ، ولمْ يتطرّق إليه الشكّ والرّيب في صوابها بل يجزم بضرورتها وأحقّيتها.
لذلك لا يسعنا التصديق بأغلب تلك الروايات المحذّرة للحسين علیه السلام من الخروج؛ لاشتمالها على ألفاظٍ - لا شكّ - نَسَجَتْها أقلام البلاط الاُمويّ على لسان شخصيّاتٍ لايُتصوّر في حقّها اطلاق تلك الألفاظ إزاء الحسين علیه السلام لعلمها بسموّ مقامه وعظيم منزلته.  
فكلّ متأمّل يذعن بوقوع التحريف الكبير في مسألة وجود معارضة لخروج الإمام علیه السلام بالحجم الذي يصوره الإعلام المعادي، نظراً  لكون خروجه هو الأصل .
وهذا لا ينافي ورود تساؤل من قبل بعض الشخصيّات المخلصة والمشفقة عن أسباب تحرّك الإمام علیه السلام إنطلاقاً من حبّهم ومودتهم لأهل البيت لوجود الفرق الشاسع بين المعارضة والمخالفة وبين التساؤل والإستفسار.
 ونحن بدورنا سنبيّن زيف وجود المعارضة لخروج الإمام علیه السلام بالحجم الذي يبيّنه الإعلام الاُمويّ حيث سنأتي على ذكر الأشخاص الذين زعم التأريخ المزّيفُ أنّهم عارضوا حركة الإمام الحسين علیه السلام، ثمّ نبيّن ما هو صحيح منها ممّا هو مفترى وباطل .

لنذكر جملةً ممّن ورد في كتب التأريخ أنّهم أشاروا على الإمام علیه السلام بعدم التوجّه إلى العراق: 

محمّد ابن الحنفيّة [ت 81هـ ]       
وردتْ أكثر من روايةٍ حول الحوار الذي دار بين الإمام الحسين علیه السلام وبين محمّد ابن الحنفيّة فيما يتعلّق بخروج الحسين علیه السلام نذكرها على التوالي:

الرواية الاولى: للسيّد ابن طاوس [ ت 664 هـ ]
قال: جاء محمّد ابن الحنفيّة إلى الحسين علیه السلام في الليلة التي أراد الحسين علیه السلام الخروج في صبيحتها عن مكّة فقال له: يا أخي إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفتُ أنْ يكون حالك كحال من مضى، فإنْ رأيت أنْ تقيم فإنّك أعزّ من بالحرم وأمنعه.
 فقال: يَا أَخِي قَدْ خِفْتُ أَنْ يغْتَالَني يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ بِالْحَرَمِ ، فَأَكُونُ الَّذِي يُسْتَبَاحُ بِهِ حُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتَ.
 فقال له ابن الحنفيّة: فإنْ خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البرّ فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد، فقال: أنظر فيما قلت. 
فلمّا كان السَحَر، ارتحل الحسين علیه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفيّة فأتاه فأخذ بزمام ناقته - وقد ركبها - فقال: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلى، قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟  قال: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ مَا فَارَقْتُكَ فَقَالَ: يَا حُسَيْنُ اخْرُجْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاكَ قَتِيلًا.
فقال محمّد ابن الحنفيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال؟ قال: فَقَالَ لِي: إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاهُنَّ سَبَايَا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ مَضَى.
 الرّواية الثانية: لمحمّد بن جرير الطبريّ [ ت 310 هـ ] 
قال: وأمّا الحسين فإنّه خرج ببنيه وإخوته وبني أخيه وجلّ أهل بيته إلّا محمّد ابن الحنفيّة فإنّه قال له: يا أخي أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ولست أدّخر النصيحة لأحدٍ من الخلق أحقّ بها منك، تنحّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فان بايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإنْ أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك، إنّي أخاف أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة فإذا خير هذه الأمّة كلّها نفساً وأباً وأمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً .
قال له الحسين : فإنّي ذاهب يا أخي.
 قال: فانزل مكّة فإنْ اطمأنّت بك الدار فسبيل ذلك وإنْ نبت بك لحقت بالرّمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتّى تنظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأي فإنّك أصوب ما يكون رأياً وأحزمه عملاً حتّى تستقبل الأمور استقبالاً ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً .
قال [ الحسين ]: يا أخي قد نصحتَ فأشفقتَ فأرجو أنْ يكون رأيك سديداً موفّقاً.

الرّواية الثالثة: لأحمد بن أعثم الكوفيّ [ ت 314 هـ ]
 قال: فلمّا جاء إليه محمّد ابن الحنفيّة (رضي الله عنه) قال: يا أخي فدتك نفسي ! أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ولستُ والله ِأدّخر النصيحةَ لأحدٍ من الخلق وليس أحدٌ أحقّ لها منك فإنّك كنفسي وروحي وكبير أهل بيتي ومن عليه اعتمادي وطاعته في عنقي لأنّ الله تبارك وتعالى قدْ شرّفك وجعلك من سادات أهل الجنّة، وإنّي أريد أنْ أشير عليك برأيي فاقبله منّي.
 فقالَ له الحسينُ: قلْ ما بدا لكَ ! 
فقال: أشير عليك أنْ تنجو بنفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، وأنْ تبعث رسلك إلى الناس وتدعوهم إلى بيعتك فإنّي إنْ بايعكَ الناسُ وتابعوكَ حمدتُ اللهَ على ذلكَ، وقمتَ فيهم بما يقوم فيهم النبيّ والخلفاء الراشدون المهديّون من بعده حتّى يتوفّاك الله وهو عنك راضٍ والمؤمنون كذلك، كما رضوا عن أبيك وأخيك، وإنْ أجمع الناسُ على غيرك حمدتَ الله على ذلك، وإنّي خائفٌ عليك أنْ تدخل مصراً من الأمصار أو تأتي جماعةً من الناس فيقتتلونَ فتكون طائفةٌ منهم معك وطائفةٌ عليك فتقتل فيهم. 
فقال له الحسين: يا أخي! إلى أين أذهب؟ قال: أخرج إلى مكّة فإنْ اطمأنّت بك الدار فذاك الذي تحبُّ وأحبُّ، وإنْ تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنّهم أنصار جدّك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس و أرقّهم قلوباً وأوسع الناس بلاداً وأرجحهم عقولاً، فإنْ اطمأنّت بك أرضُ اليمن وإلّا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وصرت من بلد إلى بلد لتنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين.
فقال له الحسين: يا أخي! والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوىً لما بايعت يزيد بن معاوية أبداً وقد قال: اللهم لا تبارك في يزيد .
فقطع عليه محمّد ابن الحنفيّة الكلام وبكى فبكى معه الحسين ساعة ثمّ قال: جزاك الله يا أخي عنّي خيراً! ولقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا أرجو أنْ يكون إنْ شاء الله رأيك موفّقاً مسدّداً، وإنّي قد عزمت على الخروج إلى مكّة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو إخوتي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي، وأمّا أنت يا أخي فلا عليك أنْ تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم ولا تخف عليَّ شيئاً من أمورهم.

الرّواية الرّابعة: لمحمّد بن سعد كاتب الواقديّ [ ت 230هـ ] 
وروايته مخالفة لمضمون الروايات السابقة حيث قال: بعث الحسين علیه السلام إلى المدينة  فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم، وتبعهم محمّد ابن الحنفيّة، فأدرك حسيناً بمكّة وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين علیه السلام أنْ يقبل [رأيه] فحبس محمّد بن عليٍّ ولده [عنه] فلم يبعث معه أحداً منهم حتّى وجد الحسينُ في نفسه على محمّد وقال له: أترغب بولدك عن موضع اُصابُ فيه؟ فقال محمّد: وما حاجتي أنْ تُصابَ ويصابونَ معك! وإنْ كانت مصيبتك أعظمُ عندنا منهم.
جوابه علیه السلام لاخيه محمّد بن الحنفيّة :
 ففي رواية السيّد ابن طاوس أنّه علیه السلام أجابه قائلاً: أتَانيَ رسُولُ اللهِ بَعْدَ مَا فَارَقْتُكَ فَقَالَ: يَا حُسَيْن اُخْرُجْ فإنّ اللهَ قَدْ شَاءَ أنْ يَرَاكَ قَتِيلاً.
فاسترجع ابن الحنفيّة ثمّ سأله عن اصطحاب النساء؟ فأجابه علیه السلام: إنّ الرسولَ أخبره: إنّ الله قد شاءَ أنْ يراهن سبايا .
فاقتنع محمّد ابن الحنفيّة بجواب الإمام علیه السلام فما كان منه إلّا أنّ سلّم عليه ومضى، ولو كان معترضاً أو مخالفاً كما يزعم الإعلام الاُمويّ وأذنابه لاظهر ذلك بنحوٍ من الأنحاء.
وأمّا في رواية الطبريّ ورواية ابن الأعثم، ففيهما نصّ صريح من محمّد ابن الحنفيّة يدعو الإمام علیه السلام إلى الخروج والنهضة، وقد أشار على الإمام علیه السلام بخطته لإنجاز عمليّة الخروج على السلطة الحاكمة .
وبهذا يتّضح - بما لا شكّ معه - أنّ محمّد ابن الحنفيّة لم يكن مخالفاً في أصل خروج الإمام علیه السلام ولا معارضاً لذلك، ولكنّه اقترح تفاصيل أخرى لتنفيذ عمليّة الخروج, فأجابه علیه السلام: يا أخي قد نصحت فأشفقت فأرجو أنْ يكون رأيك سديداً موفّقاً.
وتبقى رواية ابن سعد الواقديّ فمَنْ نظر اليها بدقةٍ فاحصةٍ وقارنها مع سيرة محمّد ابن الحنفيّة فإنّه يجزم بعدم صحّتها بل إنّها موضوعة ومدسوسة لتفريق البيت العلويّ وشقّ صفه، حقداً وحنقاً على أهل البيت و تشويهاً لحركة الإمام الحسين ر ومناصرة لبني اُميّة، ونحن نسجّل عليها الملاحظات التالية:

أوّلاً: إنّها معارضة بالأخبار المتقدّمة والتي حفلت بها مجاميع أهل البيت علیه السلام وغيرهم.
ثانياً: هذا الحديث لم يرد في شيء من مصادر أهل البيت علیه السلام فلا يمكن الاعتماد عليه ولا الإحتجاج به، وقد تفرّد به ابن سعد في طبقاته، ثمّ نقله عنه مَنْ أورده من بعده.
ثالثاً: إنّ الموقف الذي ذكره ابن سعد لو كان صادراً عن محمّد ابن الحنفيّة فعلاً لاضحى سُبَّةً وعاراً  يُلاحَق بها هو وأبناؤه وأحفاده، مضافاً إلى التداعيات السلبيّة التي سيفرزها هذا الموقف على هذه الشخصيّة من ردود فعل من قبل اهل البيت و أتباعهم ومحبيّهم، ولم يكن التأريخ ليغفل عن شيءٍ من هذا القبيل إنْ كان قد حدث، إلّا أنّنا نلاحظ العكس من ذلك فإنّ أهل البيت وقفوا من شخصيّة ابن الحنفيّة موقفاً إيجابيّاً متّسماً بالاحترام والتقدير حتّى آخر لحظةٍ من حياته، ممّا يجعل الباحث يذعن على نحو القطع واليقين بعدم صحّة رواية ابن سعدٍ جملةً وتفصيلاً. 
رابعاً: إنّ هذا الكلام لايمكن أنّ يصدر من ابن الحنفيّة كيف وهو القائل لأخيه الإمام الحسين: إنّي والله لَيَحزُنُني فراقُك، وما أقعَدَني عن المسير معك إلّا لأجل ما أجِده من المرضِ الشديد فواللهِ  يا أخي  ما أقدر أنْ أقبضَ على قائم سيف،ٍ ولا كعبِ رمح،ٍ فواللهِ لا فَرِحتُ بعدك أبداً!
ثمّ بكى بكاءً شديداً حتّى غُشيَ عليه، فلمّا أفاق من غشيته قال: يا أخي، أستَودِعُك اللهَ مِن شهيدٍ مظلوم! و ودّعه الإمام الحسين علیه السلام مُيمّماً نحو مكّة.
خامساً: إنّ ابن الحنفيّة كان بارّاً بوالده أمير المؤمنين علیه السلام أشدّ البرّ، ولم يكن عاقاً له وقد أوصاه أميرُ المؤمنين علیه السلام وصيّةً خاصّةً بأخوَيه الحسن والحسين فقال له: 
أُوْصِيكَ بِتَوْقِيرِ أَخَوَيْكَ ؛ لِعِظَمِ حَقّهِمَا عَلَيْكَ ، وَ لَا تُوثقَ أَمْراً دُونَهُمَا ، أَوْ تَقْطَعَ أَمْرَاً دُونَهُمَا.
سادساً: وممّا يُرشد إلى حبّ ابن الحنفيّة للحسنين’ وشدّة تأدبه معهما ما روي من أنّه استُثير بقول بعضهم: لِمَ كان أبوك يزِجّ بك في المعارك، بينما يضنّ بالحسن والحسين (أي يُؤخّرهما حرصاً عليهما)؟! فأجاب على الفور: كان الحسنُ والحسينُ عينَي أبي أميرِ المؤمنين علیه السلام وكنتُ يَدَيه، والمرءُ يَقي عينيه بيدَيه.
سابعاً: وممّا يفنّد رواية ابن سعدٍ وينسفها من أساسها حديث الإمام الباقرعلیه السلام حيث قال: ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن علیه السلام إعظاماً له، ولا تكلّم محمّد ابن الحنفيّة بين يدي الحسين علیه السلام إعظاماً له.

عبد الله بن عبّاس [ت 68هـ ]                       

يؤكّد الإعلام الاُمويّ على نصيحة ابن عبّاس  للحسين علیه السلام بعدم الخروج ، وإليك الروايات التالية:

الرواية الاولى: لأبي مخنف [ ت 157هـ ]  
روى أبو مخنف عن الحارث بن كعب الوالبيّ عن عتبة ابن سمعان: أنَّ حسيناً لمّا أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عبّاس فقال: يا ابن عمّ، قد أرجف الناس أنّك سائرٌ إلى العراق، فبيّن لي ما أنت صانع؟ 
قال: إنّي قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين إنْ شاء الله تعالى . 
فقال له ابن عبّاس: أعيذك بالله من ذلك، أتسير إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوّهم؟ فإنْ كانوا فعلوا ذلك فسر إليهم وإنْ كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهرٌ لهم، وعمّاله تجبي بلادهم، فإنّهم إنّما دعوك إلى الحرب والقتال، ولا آمن عليك أنْ يغرّوك ويكذّبوك ويخالفوك ويخذلوك، وأنْ يستنفروا إليك، فيكونون أشدّ الناس عليك . 
فقال له الحسين علیه السلام: أستخير الله وأنظر ما يكون. 
فخرج ابن عبّاس، ثمّ جاءه مرّة أخرى فقال له: يا ابن عمّ، إنّي أتصبّر ولا أصبر، إنّي أتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال، إنّ أهل العراق قومٌ غُدُرٌ فلا تقربنّهم، أقم بهذا البلد، فإنّك سيّد أهل الحجاز، فإنْ كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم، فلينفوا عدوهم ثمّ أقدم عليهم، فإنْ أبيت إلّا أنْ تخرج فسر إلى اليمن فإنّ بها حصوناً وشعاباً، ولأبيك بها شيعة، فتكتب إلى الناس وتبثّ دعاتك، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية . 
فقالَ لَه الحُسَين علیه السلام: يا ابنَ عمّ، إنَّي لأعْلَمُ واللهِ إنّكَ ناصِحٌ مُشْفِقٌ، وَلَكِنْ قَدْ أزْمَعْتُ وَأجْمَعْتُ عَلى المَسِيرِ. 
فقال له ابن عبّاس: فإنْ كنتَ سائراً فلا تسر بنسائكَ وصبيتكَ فواللهِ إنّي لخائفٌ أنْ تُقتلَ كما قُتلَ عثمانُ ونِساؤه وَوُلْده يَنظرون إليه ثمّ قال ابن عبّاس: لقدْ أقرَرْتَ عينَ ابنِ الزبيرِ بتخليتك إيّاهُ والحجازَ والخروج منها وهو يومٌ لا ينظرُ إليه أحدٌ معك، والله الذي لا إله إلّا هو لوْ أعلَم أنَّكَ إذا أخذتُ بشعركَ وناصيتكَ حتّى يَجتمعَ عليَّ وعليكَ الناسُ أطعتني لفعلتُ ذلكَ.
ثمَّ خرجَ ابنُ عبّاسٍ من عنده فمرَّ بعبد الله بن الزبير فقال: قرّت عينُك يا ابنَ الزبيرِ ثمَّ قال: 
   يَا لَكِ مِنْ قنبــرةٍ بمَعْمـرِ  *  خَلا لكِ الجَوّ فَبيضي وَاصْفِري 
                           ونقّري مَا شئتِ أنْ تُنقّري 
هذا حسينٌ يخرج إلى العراقِ وعليكَ بالحجازِ.

الرواية الثانية: لابن سعد الواقديّ [230هـ]
دخل عبد الله بن عبّاس على الحسين فكلّمه طويلاً ، وقال : أنشدك الله أنْ تهلك غداً بحال مضيعة ، لا تأتي العراق ، وإنْ كنت لا بّد فاعلاً فأقم حتّى ينقضي الموسم ، وتلقى الناس وتعلم على ما يصدرون ، ثمّ ترى رأيك ، وذلك في عشر ذي الحجّة سنة ستّين، فأبى الحسين إلّا أنْ يمضي إلى العراق ، فقال له ابن عباس: والله إنّي لأظنّك ستُقتل غداً بين نسائك وبناتك كما قُتل عثمان بين نسائه وبناته ، والله إنّي لأخاف أنْ تكون الذي يُقاد به عثمان ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. 
فقال الحسين: أبا العبّاس إنّك شيخ قد كبرت، فقال ابن عباس: لولا أنْ يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أنّا إذا تناصينا أقمتَ لفعلتُ، ولكن لا أخال ذلك نافعي. 
فقال له الحسين : لئنْ أَقْتل فِي مَكَانِ كَذَا وَ كَذَا أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أنْ تُستحلّ بي - يعني مكّة - ، قال : فبكى ابن عبّاس، وقال : أقررت عين ابن الزبير فذلك الذي سلّى بنفسي عنه، ثمّ خرج عبد الله بن عبّاس من عنده وهو مغضب و ابن الزبير على الباب ، فلمّا رآه قال : يا بن الزبير قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز:
 يَا لَكِ مِنْ قنبرةٍ بمَعْمرِ     *    خَلا لكِ الجَوّ فَبيضي وَاصْفِري 
                        ونقّري مَا شئتِ أنْ تُنقّري 

الرواية الثالثة: لابن عساكر [ت -571هـ]
قال له ابن عبّاس: أين تريد يا ابن فاطمة ؟ قال : العراق وشيعتي، فقال : إنّي لكاره لوجهك هذا ، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك ؟ حتّى تركهم سخطة وملّة لهم! أُذكّرك الله أنْ تغرّر بنفسك. 

الرواية الرابعة: للسيّد ابن طاوس [ت -664هـ ]
روى السيّد ابن طاوس قال: وجاءه  عبد الله بن عبّاس وعبد الله ابن الزبير فأشارا عليه بالإمساك عن المسير إلى الكوفة فقال لهما: إنّ رسول الله قد أمرني بأمرٍ وأنا ماضٍ فيه فخرج ابن عبّاس وهو يقول: وا حسيناه.

الرواية الخامسة: لابن الأثير [630هـ]
روى ابن الأثير عن ابن عبّاس  قال: استشارني الحسين بن عليّ في الخروج فقلت: لولا أنْ يزري بي وبك الناس لنشبت يدي في رأسك فلمْ أتركك تذهب، فكان الذي ردّ عليّ أنْ قال: لئنْ أقتل في مكانِ كذا وكذا أحَبُّ إليّ من أنْ أقتل بمكّة، قال: فكانَ هذا الذي سلّى نفسي عنه.
جواب الإمام الحسين لعبد الله بن عبّاس  
بغضّ النظر عن التضارب الواضح في متن تلك الرّوايات ممّا يعزّز التشكيكّ في صحّتها فإنّ الإمام × أجاب عبد الله بن عبّاس بعدّة أجوبة حتّى أقنعه وعلى ذلك فلا يمكن عدّ ابن عبّاس من فئة المعترضين. 
 ففي رواية أبي مخنف: تضمّنت ثلاثة أجوبة:
أجابه أوّلاً: إنّي قَدْ أجْمَعْتُ المَسِير فِي أحَدِ يَوْمَيَّ هَذيْنِ إنْ شَاَءَ اللهُ.
وأجابه ثانياً: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَ أَنْظُر مَا يَكُون.
وأجابه ثالثاً: يا ابنَ عمّ، إنَّي لأعْلَمُ واللهِ إنّكَ ناصِحٌ مُشْفِقٌ، وَلَكِنْ قَدْ أزْمَعْتُ وَأجْمَعْتُ عَلى المَسِيرِ.
وفي رواية ابن سعد الواقديّ:
أجابه علیه السلام: (إنّكَ شيخٌ قدْ كَبرْتَ) وفيه كناية بليغة لتذكير ابن عبّاس بمقام الحسين علیه السلام ومنزلته وما قاله في حقّه جدّه المصطفى كما ذكّره – تلويحاً – بما بلغه من أخبار النبوّة بواسطة أبيه علیه السلام بوجود كبش يستباح به حرمة الكعبة وهذا يُعلم من جوابه علیه السلام:( لئنْ أَقْتل فِي مَكَانِ كَذَا وَ كَذَا أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَقْتل بمكَّةَ) ممّا جعل ابن عبّاس يُذعن بصواب موقف الإمام علیه السلام معلناً عن ذلك بقوله: (فذلك الذي سلّى بنفسي عنه). 
وفي رواية السيّد ابن طاوس: 
 أجابه علیه السلام: (إنَّ رَسُول اللَّهِ قَدْ أَمَرَنِي بِأَمْرٍٍ وانا مَاضٍ فِيهِ) وفيه تذكير بأحاديث النبيّ بكربلاء ، وكأنّ ابن عبّاس تفهّم القصد ممّا جعله ينعى الحسين علیه السلام ولم يعقّب بشيءٍ.
وفي رواية ابن الأثير:
أجابه علیه السلام: (لئنْ اُقتل في مكان كذا وكذا أحبُّ إليّ من أنْ اُقتل بمكّة) ، قال: فكان هذا الذي سلّى نفسي عنه.
وقد اقتنع ابن عبّاس بهذا الجواب مذعناً للإمام علیه السلام بصواب رأيه وسداده.
في نهاية المطاف وافق ابن عباس الإمام علیه السلام فلم يخالفه الرأي، وقدْ صرّح ابن عبّاس بقناعته بجواب الإمام علیه السلام ورجحان رأيه عندما علم أنّ بني أميّة قد عزموا على قتله أينما كان , وإنّ خروجه إنّما هو لئلا يُستحل بيت الله الحرام .
والظاهر: أنّ ابن عبّاس خفي عليه اطلاع الإمام علیه السلام بأنّه لامحيص له عن القتل أينما كان ، ولمّا اكتشف إحاطته علیه السلام بذلك بل وبأكثر منه حيث خبّره بأنّ كبشاً يَستحلّ حرمة البيت وما تركه علیه السلام مكّة إلّا صيانة حرمة الكعبة، وحفاظاً على الأمن الرّبانيّ الذي سُجّل - في الكتاب - على لسان إبراهيم الخليل علیه السلام عندها بكى ابن عبّاس وهو يقول: وا حسيناه معبّراً عن حرنه على ما سيلاقيه الإمام علیه السلام في سبيل حفظ الدين وحرمته وكرامته ، ومسلّماً لقضاء الله في أوليائه. 
هذا جعل ابن عبّاس مدركاً لما يجري ممّا جعله على يقين من أنّ يزيد أجبر الحسين علیه السلام على الخروج من المدينة كما أجبره على ترك مكّة ،ويتّضح ذلك من كتابه الجوابيّ ليزيد لمّا طلب منه النصرة على ابن الزبير ، جاء فيه : 
( فما اُنسى من الأشياء فلست بناسٍ إطرادك حسيناً من حرم رسول الله إلى حرم الله ... حتّى أشخصته إلى العراق فخرج خائفاً يترقّب ... )  
ومن هنا يظهر: التحريف الصريح لموقف عبد الله بن عبّاس من خروج الإمام علیه السلام حيث أشاعت الأقلام الاُمويّة: (أنّه نَهى الحسينَ ومنعه من الخروج إلى العراقِ !!) كما تقدّم في بعض تلك الروايات ، فإنّ ابن عبّاس أجلّ مِن أنْ يصدر ذلك منه إزاء الإمام علیه السلام و على فرض صدوره فإنّه في نهاية المطاف لمّا فطن لما يبيّته التيّار الاُمويّ وتبيّن له العذر في الخروج فأعذره.
 نعم إنّه استفسر من الإمام علیه السلام سببَ خروجه لعلمه بحال أهل العراق وسابقتهم فأجابه علیه السلام جواباً قاطعاً مبيّناً له الأسباب والدوافع ممّا جعله يقتنع بجوابه ويذعن بصوابه. 
والعجيب!: ممّن يردّد موقف  ابن عبّاس - قديماً وحديثاً - من خروج الإمام علیه السلام يتجاهل إقتناعه نهاية الأمر. 

عبد الله بن الزبير [ت 73هـ ]
وممّن زجّه الإعلام الأمويّ في زمرة المعترضين على خروج الحسين علیه السلام هو عبد الله بن الزبير.
روى أبو مخنف[ ت 157هـ ] عن أبي سعيد التيميّ عقيصا عن بعض أصحابه قال: سمعت الحسين بن عليّ وهو بمكّة وهو واقف مع عبد الله بن الزبير فقال له ابن الزبير: إليَّ يا بن فاطمة فأصغى إليه فسارّه، قال: ثمّ التفت إلينا الحسين فقال: أتدرون ما يقول ابن الزبير؟ 
فقلنا: لا ندري جعلنا الله فداك .
فقال: قال: أقمْ في هذا المسجد أجمع لك الناس .
ثمّ قال الحسين علیه السلام: وَ اللَّهِ لئنْ اقْتُلْ خَارِجاً مِنْهَا بِشِبْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ اقْتُلْ دَاخِلاً مِنْهَا بِشِبْرٍ، وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ فِي جُحْرٍ هَامَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْهَوَامِّ لاستَخْرَجونِي حَتَّى يَقْضُوا فِيَّ حَاجَتهمْ ، وَ وَاللهِ ليعتدنَّ عَلَيَّ كَمَا اعْتَدَتِ الْيَهُودُ فِي السَّبْتِ.
وقال أبو مخنف [ ت 157هـ ]: قال أبو جناب يحيى بن أبي حيّة عن عديّ بن حرملة الأسديّ عن عبد الله بن سليم والمذريّ بن المشمعل الأسدييّن قالا: خرجنا حاجَّيْن من الكوفة حتّى قدمنا مكّة، فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب، قالا: فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين: إنْ شئت أنْ تقيم أقمت فوليت هذا الأمر، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك.
فقال له الحسين: إِنَّ أبِي حَدَّثَنِي أَنَّ بِهَا كَبْشاً يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَهَا فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْكَبْش.
 فقال له ابن الزبير: فأقم إنْ شئت وتولّيني أنا الأمر فتطاع ولا تعصى، فقال: وما أريد هذا أيضاً. 
قالا: ثمّ إنّهما أخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس رائحين متوجّهين إلى منى عند الظهر، قالا: فطاف الحسين بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقصّ من شعره وحلّ من عمرته ثمّ توجّه نحو الكوفة وتوجّهنا نحو الناس إلى منى.
جوابه علیه السلام لعبد الله بن الزبير: يتضمّن جواب الإمام علیه السلام لعبد الله بن الزبير ثلاثة فقرات:
الفقرة الأولى: قوله علیه السلام: (وَ اللَّهِ لئن اقْتل خَارِجاً مِنْهَا بِشِبْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ اقْتُلْ دَاخِلاً مِنْهَا بِشِبْرٍ)، وفيها أشار علیه السلام إلى هدفه من الخروج وهو حرصه على حفظ حرمة الكعبة وكرامتها أنْ يُهدر فيها دم فتباح حرمتها، وحرصه على صيانة فريضة الحجّ من أنْ تضرّج بدمٍ سبط صاحب الشريعة.
الفقرة الثانية: قوله علیه السلام: (وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ فِي جُحْرٍ هَامَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْهَوَامِّ لاستَخْرَجونِي حَتَّى يَقْضُوا فِيَّ حَاجَتهمْ ، وَوَاللهِ ليعتدنَّ عَلَيَّ كَمَا اعْتَدَتِ الْيَهُودُ فِي السَّبْتِ)، أشار علیه السلام إلى نوايا اعدائه من الحزب الاُمويّ وعزمهم على قتله وأنّه لا مناص له من ذلك .
الفقرة الثالثة: قوله علیه السلام: (إِنَّ أبِي حَدَّثَنِي أَنَّ بِهَا كَبْشاً يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَهَا فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْكَبْش) وهنا خبّره علیه السلام من أنباء الغيب عن أبيه علیه السلام أنّ بها كبشاً يبيح حرمتها في إشارة أثبت الواقع أنّ المعنيَّ بها هو ابن الزبير حيث أعطى الذريعة لجيش يزيد  في هدمها وحرقها وهتك حرمتها .
والملفت هنا: أنّ المتباكين  – قديماً وحديثاً - على رفض الحسين علیه السلام نصيحة !! ابن الزبير( المختلقة ) يتعامون عن ذكر جوابه علیه السلام إذْ  لا يروق لهم إظهار السبب الحقيقيّ لخروجه علیه السلام من البيت الحرام ، متجاهلين مواقف ابن الزبير المشينة في خروجه على الخليفة المجمع عليه ، وإسهامه في تأجيج فتنة الجمل مصراً على خالته عائشة الاستمرار لمّا همّت بالرجوع حين نبحتها كلاب الحوأب فلم يزل بها وهي تتمنّع  حتّى أقنعها وهو الذي ورّط أباه (الزبير بن العوام) في إشعال فتيل حرب عليٍّ علیه السلام ولمّا ذكّره الإمام علیه السلام بحديث النبيّ إعتزل القوم فعيّر أباه، وهو القائل: إنّي لاكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة و لم يكن يصلّ على النبيّ في خطبة الجمعة بغضاً لأهل البيت و لمّا تمكّن في مكّة جمع سبعة عشر هاشميّا وفيهم ابن الحنفيّة وابن عبّاس، وحصرهم في شعب بمكّة وقال : لا تمضي الجمعة حتّى تبايعوا أو أضرب أعناقكم ، أو أحرقكم بالنار،  فأرسل المختار الثقفيّ أربعة آلاف ، فجدّوا السير حتّى انتهوا إلى مكّة فباغتوا ابن الزبير وأنقذوا الهاشمييّن.
أو بعد كلّ هذا !! ياتي فيدّعي أنّ ابن الزبير نصح الإمام علیه السلام.

اكذوبة نصيحة ابن الزبير للإمام علیه السلام بعدم الخروج
لقد أشاع أصحاب الباطل وأهل الضلال بأنّ عبد الله بن الزبير ممّن نصح الإمام الحسين علیه السلام بعدم الخروج إلى العراق، وهدفهم من بثّ هذه الأكاذيب اختلاق صورة وهميّة عن الوضع السائد في زمن الإمام علیه السلام وتضخيم المعارضة ضدّ خروج أبي الأحرار إلى العراق .
في حين أنّ جميع الروايات التي ذكرت حوار الإمام الحسين وعبد الله بن الزبير لم يرد في شيءٍ منها ذكر لنصيحة ابن الزبير للحسين علیه السلام بعدم الخروج إلى العراق، نعم قال له: (أقمْ في هذا المسجدِ أجمعُ لكَ الناسَ) و ليس في هذا الكلام معنىً من الزعم المذكور كما ترى؟!.

ابن الزبير يطلب من الإمام علیه السلام الخروج إلى العراق
والمفارقة العجيبة: التّي يقف عليها الباحث هي أنّ المصادر التأريخيّة تؤكّد أنّ عبد الله بن الزبير كان يشير على الإمام الحسين علیه السلام أنْ يخرج إلى العراق , على عكس ما يزعمه أصحاب التحريف والتضليل.
روى ابن الأثير[ ت 660هـ]: أنّ ابن الزبير قال للحسين بن عليّ علیه السلام: أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت عنها فلمّا خرج من عنده قال الحسين: قد علم ابن الزبير ِأنّه ليس له من الأمر معي شيء وأنّ الناس لم يعدلوا بي غيري فودّ أنّي خرجت لتخلو له.
وروى: أنّ ابن الزبير لزم الحِجْر و لبس المعافريّ و جعل يحرضّ الناس على بني أميّة وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير إليه أنْ يقدم العراق ويقول: هم شيعتك وشيعة أبيك.
هذا الأمر المرتكز في أحاديثهم جعل أبا سلمة بن عبد الرّحمن يتوهّم بأنّ الإمام الحسين علیه السلام إنّما خرج متأثّراً بكلام ابن الزبير حيث قال: وقد كان ينبغي لحسينٍ أنْ يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ولكنْ شجّعه على ذلك ابن الزبير, وكتب إليه المِسْوَر بن مخرمة: إيّاك أنْ تغترّ بكتب أهل العراق وبقول ابن الزبير: الحقْ بهم فإنّهم ناصروك.
وممّا لاشكّ فيه أنّ ابن الزبير كان مرتاحاً لخروج الإمام الحسين علیه السلام من مكّة ليخلو له الجوّ وقد ذكر ابن عبّاس هذه الحقيقة حيث قال لابن الزبير وهو مغضب: يابن الزبير قد أتى ما أحببت، قرّت عينك هذا أبو      عبد الله خارج ويتركك والحجاز
وقال ابن عبّاس للإمام الحسين علیه السلام: أقررت عين ابن الزبير، ثمّ قال بعد ذلك لابن الزبير: قد أتى ما أحببت أبو عبد الله يخرج إلى العراق ويتركك والحجاز: 
خَلا لكِ الجرُّ فَبِيِضي وَاصْفِري
        يَا لكِ مِنْ قنبرةٍ بمعمرِِ

صَيادُكِ اليومَ قتيلٌ فَابْشِري
        وَنَقّرِي مَا شئت أنْ تُنَقِري

عبد الله بن عمربن الخطاب [ت 74هـ ]
يُعدّ عبد الله بن عمر من الشخصيّات التي يَستدّل بها مناوئو  أهل البيت و خصومهم لإثبات عدم جدوى خروج الإمام الحسين علیه السلام و لنذكر ما وقفنا عليه من الروايات: 
الرواية الاولى: للسيّد ابن طاوس:
قال: و جاءه عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذّره من القتل والقتال، فقال له: يا أبا عبد الرّحمن أما علمت أنّ مِنْ هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل، أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنْ لمْ يصنعوا شيئاً فلم يُعَجِّل الله عليهم بلْ أخذهم بعد ذلك أخذَ عزيزٍ ذي انتقام، إتقِ الله يا أبا عبدالرّحمن ولا تدعنّ نصرتي.
الرواية الثانية: للشيخ الصدوق:
وسمع عبد الله بن عمر بخروجه، فقدّم راحلته، وخرج خلفه مسرعاً، فأدركه في بعض المنازل، فقال: أين تريد يا بن رسول الله؟ قال: العراق، قال: مهلاً إرجع إلى حرم جدّك، فأبى الحسين علیه السلام عليه.
 فلمّا رأى ابن عمر إباءه قال: يا أبا عبد الله، اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله يقبّله منك، فكشف الحسين علیه السلام عن سرته، فقبّلها ابن عمر ثلاثاً وبكى، وقال: أستودعك الله يا أبا عبد الله، فإنك مقتولٌ في وجهك هذا.
الرواية الثالثة: لابن سعد الواقديّ:
قال ابن عمر لحسين: لا تخرج، فإنّ رسول الله خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وأنت بضعة منه ولا تنالها - يعني الدنيا -، فاعتنقه وبكى وودّعه . 
فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بن عليّ بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أنْ لا يتحرّك ما عاش، وأنْ يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فإنّ الجماعة خير!!

جواب الإمام علیه السلام لعبد الّله بن عمر بن الخطّاب
ففي رواية السيّد ابن طاوس :
فإنّ الناصح هو الإمام الحسين علیه السلام وليس العكس (كما يزعمون) فعندما ذكّره بهوان الدنيا على الله أراد إيقاظه من سبات الغافلين وتنبيهه من الركون الى الدنيا ومصالحة أهل الضلال والبغي والانحراف والانجرار وراء هوى النفس وطاعة الشيطان.
وأمّا القتل فإنّ الأنبياء تعرّضوا إلى القتل والتعذيب وقطع الرؤوس فلم يكن ذلك سبباً لتخاذلهم واعتزالهم ، وتراجعهم عن تحمّل المسؤوليّة الربانيّة. ثمّ إنّ الإمام علیه السلام أمره بتقوى الله تعالى وحذّره من عدم نصرته.
وفي رواية الشيخ الصدوق:
والذي يظهر منها أنّها متأخرة عن رواية ابن طاوس زماناً،بل وكأنّها تتمّة لها ، لذلك لم يرد فيها جوابه علیه السلام، والظاهر أنّ ابن عمر فهم جواب الإمام علیه السلام وعلم منه حتميّة قتله لا محالة لتضمنه الحديث عن قتل بني اسرائيل لأنبيائهم  وإهداء رأس النبيّ يحيى علیه السلام إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، وقد عبّر ابن عمر عن فهم ذلك بالبكاء ثمّ ودّعه .
وأمّا رواية ابن سعد الواقديّ :
فإنّ الناظر إلى متنها ومضمونها يكاد يجزم بأنّها موضوعة ومجعولة، بل لا يرتقي الشكّ إلى كونها رواية مدسوسة وذلك: أنّ الواضع لهذا الحديث (لقصور باعه وقلّة اطّلاعه)  فسّر مسألة تخيير الله تعالى النبيَّ بين الدنيا والآخرة تفسيراً خاطئاً مغلوطاً فيه، ففسّر( الدنيا )  بمعنى الحكم والسلطة ، وفسّر (الآخرة ) بمعنى سلب الحكم والسلطة ، في حين أنّ تخييره بين الدنيا بمعنى: البقاء فيها، وبين الآخرة بمعنى: الارتحال عنها إلى الآخرة، وهذا ما حصل للإمام الحسين علیه السلام فإنّه خُيّر بين الدنيا والآخرة وبما أنّه ماضٍ على خطى جدّه المصطفى فاختار الآخرة حفظاً للدين وإبقاءً لشريعة ربّ العالمين.
وحتّى على فرض صحّة تفسيره الخاطىء فإنّ الإمام علیه السلام أعلن مراراً وصرّح كراراً أنّه لم يخرج لطلب السلطة والحكم، وإنّما خرج لطلب الإصلاح .
مضافاً الى ماقدّمنا فإنّ ذيل هذه الرواية وهو قوله: (وأنْ يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فإنّ الجماعة خير) فيه تعارض صارخ مع موقف ابن عمر من بيعة الإمام عليّ علیه السلام حيث اجمعت الاُمّة عليها ولكنَّ ابن عمر لم يدخل في صالح ما دخل فيه الناس !! ، و طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايع لعبد الملك، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمامٍ، زَعَمَ: لأنّه روى عن النبيّ أنّه قال: «مَنْ مَاتَ وَ لا إمامٌ له ماتَ ميتةً جاهليّةً» و حتّي بلغ من احتقار الحجّاج له و استرذاله حاله، أنْ أخرج رجله من الفراش، فقال: أصفق بيدك عليها.
ومن هنا يُعلم: سقوط رواية ابن سعد عن الاعتبار حيث علامة الوضع والجعل فيها واضحة ولا أظنّها تخفى على خبير.

عبد الله بن عمرو بن العاص: [ت 63هـ ]
قال يحيى بن معين: حدّثنا أبو عبيدة، ثنا سليم بن حيّان، عن سعيد بن مينا، قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: عَجَّلَ حسينٌ قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلّا أنْ يغلبني، ببني هاشم فُتِحَ هذا الأمر، وببني هاشم يُختم، فإذا رأيت الهاشميَّ قدْ ملك فقد ذهب الزمان.
وهذه الروايةُ مزعومةٌ
وذلك لورود روايتين عن الفرزدق تؤكّدان خلافها :
الرواية الاُولى: عن موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا معاوية بن عبد الكريم، عن مروان الأصغر، قال: حدّثني الفرزدق بن غالب قال: لمّا خرج الحسين بن عليّ × لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: إنّ هذا الرجل قد خرج، فما ترى؟ قال: أرى أنْ تخرج معه، فإنّك إنْ أردتَ دنياً أصبتها، وإنْ أردتَ آخرةً أصبتها .
قال: فرحلت نحوه، فلمّا كنت في بعض الطريق بلغني قتله، فرجعت إلى عبد الله بن عمرو، فقلتُ: أين ما قلتَ لي؟! قال: كان رأياً رأيته !.
الرواية الثانية: عن عليّ بن محمّد، عن الهذليّ، أنّ الفرزدق قال: لقيت حسيناً، فقلت: بأبي أنت لو أقمت حتّى يصدر الناس، لرجوت أنْ يتقصّف أهل الموسم معك، فقال: لَمْ آمنهم يا أبا فراس.
 قال: فدخلت مكّة فإذا فسطاط وهيئة، فقلت: لمن هذا، قالوا: لعبد الله بن عمرو بن العاص، فأتيته فإذا شيخ أحمر فسلّمت، فقال: منْ؟ قلتُ: الفرزدق، أترى أنْ أنصر حسيناً؟ قال: إذاً تُصيب أجراً وذخراً، قلتُ: بلا دنياً؟ ، فأطرق، ثمّ قال: يا بن غالب لتتمّنّ خلافة يزيد، فانظرنّ، فكرهت ما قال، قال: فسببتُ يزيد ومعاوية، قال: مَهْ ! قبّحك الله!! فغضبتُ، فشتمته وقمتُ، ولو حضر حشمه لأوجعوني، فلمّا قضيتُ الحجّ رجعتُ، فإذا عيرٌ  فصرخت: ألا ما فعل الحسينُ؟ فردّوا عليَّ :  ألا  قُتل. 

عبد الله بن جعفر الطيّار [ت 80هـ ]  
وبعث عبد الله بن جعفر الطيّار كتاباً للإمام الحسين علیه السلام جاء فيه :
أمّا بعد فإنّي أسألك بالله لما انصرفت حين تقرأ كتابي هذا فإنّي مشفق عليك من هذا الوجه أنْ يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إنْ هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنّك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين فلا تعجّل بالسير فإنّي في أثر كتابي والسلام . 
قيل: وقام عبد الله بن جعفر الطيّار إلى عمرو بن سعيد بن العاص فقال له: اكتب للحسين علیه السلام كتاباً تجعل له الأمان فيه وتمنّيه فيه البرّ والصلة واسأله الرجوع .
وكان عمرو عامل يزيد على مكّة ففعل عمرو ذلك وأرسل الكتاب مع أخيه يحيي بن سعيد ومع عبد الله بن جعفر الطيّار فلحقاه وقرأ عليه الكتاب وجهدا أنْ يرجع فلم يفعل .
وكان ممّا اعتذر علیه السلام به إليهما أنْ قال: إنّي رأيت رؤيا رأيت فيها رسول الله واُمرتُ فيها بأمرٍ أنا ماضٍ له عليّ كانَ أوْ لي، فقالا: ما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدّثتُ بها أحداً وما أنا محدّثٌ بها أحداً حتّى ألقى ربّي.
أقول:
إنّ مَن تتبع تاريخ عبد الله بن جعفر الطيار يذعن بزيف هذه الروايات المجعولة فالشواهد التاريخية لاتساعد عليها  بل تنفيها نفياً صريحاً ،منها ما رواه أبو مخنف [ت157هـ ]: أنّه لمّا بلغ عبد الله بن جعفر مقتل ابنيه مع الحسين علیه السلام دخل عليه بعض مواليه ، فقال:(هذا ما لقينا من الحسين) فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثمّ قال : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا !، والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتّى أقتل معه، والله إنّه لما يسخي بنفسي عنهما ، ويهوّن عليّ المصاب بهما أنّهما اُصيبا مع أخي وابن عميّ مواسين له صابرين معه، ثمّ أقبل على جلسائه فقال:الحمد لله ، عزّ عليّ بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسيناً يدي فقد أساه ولدي . 
ويمكننا أنْ نستشفّ من هذه الرواية أمرين:
الأوّل: الذي يظهر منها إنّ عبد الله بن جعفر لم يكن حاضراً في مكّة حين خروج الحسين× منها وإلّا لما تخلّف عنه حيث أقسم (كما سمعت آنفاً) أنّه لو شهده لما فارقه حتّى الموت. 
الثاني: هذا النصّ يوقفنا على تحلّي عبد الله بن جعفر بدرجة عالية من البصيرة والحكمة والنظر الثاقب في معرفة حقّ أهل البيت و فضلهم ، ومعرفة بخبث سريرة بني أميّة وما انطوت عليه من ختلٍ ومكرٍ، فلا تنطلي عليه خدع بني اُميّة ، وهو يعرف حقيقة عمرو بن سعيد بن العاص ومدى عدائه لأهل البيت و هو يعلم بأنّ الحسين علیه السلام واقف على ذلك فلايمكن أن يقبل منه أيّ عرض أو أيّ حلّ يؤدّي إلى تمكّن الاموييّن وتسلطهم.

عمرو بن سعيد بن العاص  الأشدق الاُمويّ [ت 70هـ ]
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص ( والي مكّة ): إنّي أسأل الله أنْ يُلهمك رُشدك ، وأنْ يُصرفك عمّا يُرديك! بلغني أنّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق ، فانّي اُعيذك بالله من الشقاق ، فإنْ  كنتَ خائفاً فأقبل إليّ فلك عندي الأمان والبرّ والصلة. 
فكتب إليه الحسين علیه السلام: 
إن كنتَ أردتَ بكتابك إليَّ برّي وصلتي فجُزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، وإنّه لم يشاقق من { دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } و خير الأمان أمانُ الله ، ولم يؤمِنِ اللهُ مَن لم يَخَفْهُ في الدنيا، فنسأل الله مخافةً في الدنيا توجب لنا أمانَ الآخرة عنده.

جواب الإمام لعمرو بن سعيد بن العاص
ويشتمل جوابه علیه السلام على ثلاثة مطالب، الأوّل: حول النوايا، والثاني: حول مفهوم الدعوة إلى الله تعالى، والثالث: حول حقيقة الأمان .
أمّا المطلب الأوّل: فقد لوّح علیه السلام بانطواء هذا الطلب من عمرو بن سعيد على سوء النيّة وعبّر عن ذلك بعبارة بليغة وهادئة فقال له: (إن كنتَ أردتَ بكتابك إليَّ برّي وصلتي فجُزيت خيراً في الدنيا والآخرة) ومعنى ذلك: (إن كنتَ أردتَ بكتابك إليَّ خلاف ذلك فجُزيت شراً في الدنيا والآخرة).
فيزيد بن معاوية الذي يأمر واليه على المدينة بأخذ البيعة من الإمام علیه السلام وإن أبى فيضرب عنقه! فهل يتردّد في اصدار الأمر لعمرو بن سعيد واليه على مكّة  بنظير ذلك ؟ ويزيد الذي يبعث لابن عبّاس كتاباً يطلب منه منع الحسين علیه السلام من التحرّك ولا يكتب لعامله على مكّة بعرقلة حركة الحسين علیه السلام؟.
نعم لقد أحسّ الحسين علیه السلام من هذا العرض المكر والخداع ، فأشار إليه بأسلوب أدبيّ بليغ. 
ثانياً: بيّن علیه السلام مفهوم المشاققة الذي فسّره غلطاً عمرو بن سعيد ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مشاققة وإنّما هو دعاءٌ إلى الله وعملٌ صالحٌ فقد إمتدح الذكر الحكيم من: { دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
وهذا هو سبيل المؤمنين الذي إنتهجه الإمام علیه السلام فمن اتبع غيرهذا السبيل فهو المشاققة كما صرّح تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}.
ثالثاً : وضّح علیه السلام أنّ الأمان  الحقيقيّ هو أمان الله ، وأمّا أمانكم فهو خدعة، وعمرو هذا مؤهل للقيام بها فهو الحاقد على أمير المومنين علیه السلام وذرّيته و قد كشف عن حقده الدفين عندما سمعه واعية نساء بني هاشم يندبن مصرع الحسين علیه السلام فقال ضاحكاً:
عَجّتْ نساءُ بني زيادٍ عَجّةً * كعجيجِ نِسْوتنا غَداةَ الأرْنبِ ، ثمّ قال: هذا واعية بواعية عثمان بن عفان لا أمان إلّا أمان الله تعالى
والعجيبُ : أنّ عمرو بن سعيد هذا يُمنّي الحسين علیه السلام بالأمان والحسين علیه السلام يُذكّره بأنْ لا أمانَ إلّا أمانُ الله، فكلّ أمانٍ غير أمان اللهِ فهو كسراب بِقِيعَةٍ، إلّا أنّ عمرو بن سعيد لم يستوعب النصيحة ولم يتّعظ بها ،فراح يُمنّي نفسه بولاية العهد حيث وعده مروان بن الحكم بها بعد ولده عبد الملك إذا عاضده في طلب الخلافة ، ولمّا ولّي عبد الملك اختلف مع عمرو بن سعيد فتقاتلا ثمّ اصطلحا وكتبا بينهما كتاب الأمان فأغترّ عمرو بأمانِ بني مروان، فسرعان ما غدروا به وقتلوه  ، فكان كما خبّره الإمام علیه السلام فلم يحصل على الأمان في الدنيا {وَ لَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ}.
 
 أبو بكر عمر بن عبد الرّحمن المخزوميّ [ت 72هـ ]
روى هشام ، عن أبي مخنف ، حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عمر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ : 
 لمّا قدمت كتب أهل العراق إلى الحسين علیه السلام، وتهيأ الحسين علیه السلام للمسير إلى العراق ، أتيته فدخلت عليه وهو بمكّة ، فحمدت الله وأثنيت عليه ثمّ قلت :
 أمّا بعد ؛ فإنّي أتيتك يا ابن عمّ لحاجة أريد ذكرها لك نصيحة ، فإن كنت ترى أنّك تستنصحني ، وإلّا كففّت عمّا أريد أن أقول،  فقال الحسين علیه السلام: قل فوالله! ما أظنّك بسئ الرأي ، ولا هو للقبيح [ من ] الأمر والفعل . قال : قلت له: إنّه قد بلغني أنّك تريد المسير إلى العراق وإنّي مشفق عليك من مسيرك ، إنّك تأتي بلداً فيه عمّاله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال ، وإنّما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار ، ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت أحبّ إليه ممّن يقاتلك معه .
 فقال الحسين علیه السلام: جزاك الله خيراً ، يا ابن عمّ ! فقد والله! علمت أنّك مشيت بنصحٍ وتكلّمت بعقل ، ومهما يقض من أمر يكن ، أخذت برأيك أو تركته ، فأنت عندي أحمد مشير ، وأنصح ناصح.
 
جواب الإمام علیه السلام للمخزوميّ
والذي يظهر أنّ المخزوميّ انساق وراء الإعلام الاُمويّ من حيث لايشعر كما هو حال أغلب الناصحين الذين جاء كلامهم بصيغة! متشابهة لفظاً أو مضموناً ، ممّا يُستشمّ منه رائحة  الدسيسة والتواطيء بوضوح .
والملفت :في رواية المخزوميّ وغيرها - بغضّ النظر عن تقيمها سنداً- أنّ الإمام علیه السلام أجاب كلاً بحسبه فمن جوابه علیه السلام للمخزوميّ نقف على أنّه كان صادقاً في نصيحته سليماً في نيته،وحيث أيقن علیه السلام منه ذلك تلطّف معه في الخطاب فقال له: (جزاك الله خيراً ، يا ابن عمّ! فقد والله! علمت أنّك مشيت بنصحٍ وتكلّمت بعقل) ثمّ أجابه بما يلائم إيمانه ومعتقده فبيّن له أنّ الله تعالى قضى أمراً فلابدّ أن يكون سواء أخذتُ برأيك أو تركتُه ، وفي الختام امتدحه وأثنى على نصيحته فقال له : (فأنت عندي أحمدُ مشيرٍ ،وأنصحُ ناصحٍ ) و هذا جعل المخزوميّ يذعن بأنّ الإمام علیه السلام يسير بخطى حكيمة و خطة مدروسة وأنّه على يقين تام ودراية كاملة بما يحدث وما يجب عليه القيام به .  

الفرزدق بن غالب [ت 110هـ ]

و ممّن زَعَمَ الإعلامُ الأمويّ أنّه نصح الامام الحسين علیه السلام بعدم الخروج هو الفرزدق بن غالب وسنبيّن إكذوبة هذا الزعم وبطلان هذا الاإفتراء من خلال الشواهد التاريخيّة، و قبل ذلك لابدّ من استعراض الرّوايات الحاكية لنصيحة الفرزدق المزعوم .
الرواية الأولى :
 لمّا وصل الركب الحسينيّ بستان بني عامر لقي الفرزدق الشاعر يومَ التّروية، فقال: يا ابن رسول الله ما أعجلك من الحجّ؟ فقال: لوْ لمْ أعْجَل لاُخِذْتُ، أخبرني عمّا وراءك؟ فقال: يا ابن رسول الله قلوبهم معك وسيوفهم عليك مع بني أميّة، فارجع يا بن رسول الله .
 فَقَالَ علیه السلام: يا فَرَزْدَق إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَان ، وَ تَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ ، وَ أَظْهَرُوا الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ ، وَ أَبْطَلُوا الْحُدُود ، وَ شَرِبُوا الْخُمُورَ ، واسْتَأثَروا بِأَمْوالِ الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ ، وَ أَنَا [ أَوْلَى ] مَنْ قَامَ بِنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ وَ إِعْزَازِ شَرعِهِ وَ إِظْهَارِ دِينِهِ وَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا. 
فقال له الفرزدق: خار الله لك، وبلّغك أملك، ثمّ فارقه.

الرواية الثانية :
قال الراوي : ثمّ سار الحسين علیه السلام حتّى بلغ زبالة فأتاه فيها خبر مسلم بن عقيل فعرّف بذلك جماعةً ممّن تبعه فتفرّق عنه أهل الأطماع والارتياب وبقى معه أهله وخيار الأصحاب ، قال الراوي : وارّتج الموضع بالبكاء والعويل لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع كلّ مسيلٍ ثمّ إنَّ الحسين علیه السلام سار قاصداً لِمَا دعاه الله فلقيه الفرزدقُ الشاعر فسلّم عليه ‌ وقال‌ له‌ : يابنَ رسولِ الله‌ ؟ كيفَ تَركَنُ إلى‌ أهل‌ الكوفةِ وهم‌ الذين‌ قَتلوا ابنَ عَمِّك‌ مسلمَ بنَ عقيل‌ وشيعته‌ ؟
 قال فاستعبر الحسين علیه السلام باكياً ثمّ قال : رحمَ الله مسلماً فلقد صارَ إلى‌ رَوْحِ اللَهِ ورِضوانِهِ ، أما إنَّهُ قَضَى‌ مَا عَلَيهِ وبَقِي‌ مَا عَلَيْنَا، وأنشده‌:
      وَإنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً             فَدَارُ ثَوَابِ اللَهِ أَعْلَي‌ وَأَنْبَلُ
      وَإنْ تَكُنِ الاْبْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ      فَقَتْلُ امْرِيً بِالسَّيْفِ فِي‌ اللَهِ أَفْضَلُ
      وَإنْ تَكُنِ الاْرْزَاقُ قِسْمـاً مُقَـدَّراً      فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ فِي‌ الْكَسْبِ أَجْمَلُ
      وَإنْ تَكُنِ الاْمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا      فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الْمَرْءُ يَبْخَلُ  

الرواية الثالثة : 
 قَالَ الْفَرَزْدَقُ : لَقِيَنِي‌ الْحُسَيْنُ علیه السلام فِي‌مُنْصَرَفِي‌ مِنَ الْكُوفَةِ؛ فَقَالَ : مَا وَرَاكَ يَا أَبَا فِرَاسٍ؟
 قُلْتُ : أَصْدُقُكَ ؟!
 قَالَ علیه السلام: الصِّدْقَ أُرِيدُ !
 قُلْتُ : أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ ؛ وَأَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي‌ أُمَيَّةَ ؛ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَهِ .
 قَالَ علیه السلام : مَا أَرَاكَ إلاَّ صَدَقْتَ ! النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَغْوٌ ( لعقٌ ) عَلَي‌ أَلْسِنَتِهِمْ ؛ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ.
جوابُ الإمام علیه السلام للفرزدق :
ففي الرواية الأولى :
إنّ جوابَ الإمام علیه السلام للفرزدق كان واضح المعالمِ بحيث أنَّ الفرزدق لم يَحُرْ جواباً سوى أنّه دعا للإمام بدعاءٍ ينمُّ عن تفهمه لموقف الأمام .
وفي الرواية الثانية :
فإنّه لم يعترض على خروج ، بل هو أراد أنْ يخرج معه ، وإنّما أراد الإستفهام عن توجّه الإمام الى الكوفة مع قتلهم لمسلم بن عقيل فإجابه الإمام علیه السلام بأنّ مسلم بن عقيل قضى تكليفاً ربانيّاً ، وبقي علينا قضاءُ ما افترض الله تعالى ثمَّ أجابه إنطلاقاً من مقتضى الحال بأبياتٍ بليغة. 
وفي الرواية الثالثة :
فليس فيها إشارة إلى إعتراض الفرزدق على خروج الإمام علیه السلام.

الفرزدق أراد الالتحاق بالحسين علیه السلام
 يُعلم من بعض الرّوايات أنّ الفرزدق كان يحدّث نفسه بالالتحاق بركب الإمام الحسين علیه السلام حيث سأل عبد الله بن عمرو بن العاص قائلاً :إنّ هذا الرّجل قدْ خرج، فما ترى؟ قال: أرى أنْ تخرج معه، فإنّك إنْ أردتَ دنياً أصبتها، وإنْ أردتَ آخرةً أصبتها.
و في رواية اُخرى: يدخل الفرزدق على عبد الله بن عمرو بن العاص، فيسأله، أترى أنْ أنصر حسيناً؟ قال: إذاً تصيب أجراً وذخراً.
فعُلم : أنّ دعوى نصيحة الفرزق للإمام×بعدم الخروج كما يدّعيه الإعلام الأمويّ – قديماً وحديثاً – عاريةٌ عن الصحّة ؛بل هي محص إفتراء.  

 عَمْرةُ بنتُ عبد الرّحمان [ت 98 هـ -  أو 106 هـ ]
روي أنّها كتَبَتْ  إلى الإمام الحسين علیه السلام: تُعظّم عليه ما يريد أنْ يصنع وتأمره! بالطاعة ولزوم الجماعة وتخبره أنّه إنّما يساق إلى مصرعه وتقول: أشهد لحدّثتني عائشة أنّها سمعت رسول الله يقول: يُقتل حسينٌ بأرض بابل، فلمّا قرأ كتابها قال: فَلا بُدّ لِي إذاً مِنْ مَصْرَعِي.

جواب الإمام  لعمرة بنت عبد الرّحمن
لقد أقامَ الإمام علیه السلام الحجّة عليها وردّها مِنْ حديثها الذي روته عن عائشة حيث قال لها: (فَلا بُدّ لِي إذاً مِنْ مَصْرَعِي ).
فكأنَّ الإمام علیه السلام جعلها إزاءَ خيارين لا ثالثَ لهما، فإمّا أنْ يكون حديثها غيرَ صحيحٍ  فلا حجّة حينئذ لها، وبالتالي لا موجب للالتزام بما أشارت، وإمّا أنْ يكون حديثها صحيحاً، وعليه فلابدّ من الخروج . 

 جابر بن عبد الله الأنصاريّ: [ ت 78 هـ]
نُسبَ إليه أنّه قال: كلّمتُ حسيناً فقلتُ: اتّقِ الله ولا تضربْ الناسَ بعضَهم ببعضٍ، فوالله ما حُمِدْتُم ما صَنَعْتُم، فعصاني.
 ولايرتاب من له أدنى معرفة بتاريخ الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاريّ بأنّ هذه الرّواية مجعولة عليه وبصمات الوضع فيها ظاهرة وجليّة ، وممّا يجعلنا نجزم بأنّ هذه الرواية مجعولة على لسان جابر الأنصاريّ مضامين زيارة جابر للإمام علیه السلام حيث يتّضح من خلالها عمق الولاء وكبير الإخلاص الذي يكنّه للحسين.

 أبو سعيد الخُدريّ: [ت 73هـ ]
الرواية الأولى: روي أنّ أباسعيد الخُدْريّ قال: يا أبا عبدِ اللهِ إنّي لكم ناصِحٌ، وإنّي عَلَيْكم مشفقٌ، وقدْ بلَغَني أنَّه كاتَبَكَ قومٌ مِنْ شِيعتكم بالكوفةِ يَدْعونَك إلى الخروجِ إليهم فلا تَخْرجُ، فإنَّي سَمِعْتُ أباكَ يقولُ بالكوفةِ: (و اللهِ لقدْ مَلَلْتُهم وأبغضتُهم ومَلّونِي وأبْغَضونِي، ومَا بَلَوْتُ مِنْهم وفاءً، ومَنْ فازَ بِهم فازَ بالسَهْمِ الأخيبِ) واللهِ مالهُم ثباتٌ، وَلا عَزْمُ أمْرٍ، وَلا صَبرٌ عَلى السيفِ.
الرواية الثانية: روي أنّ أبا سعيد الخُدْريّ قال: غَلَبَني الحُسَينُ بنُ عليٍّ على الخروجِ، وقدْ قلتُ لَه: اتقِ الله في نَفْسِكَ والزَم بيْتَكَ، وَلا تَخْرج عَلى إمامكِ.
ونحنُ نجزمُ بأنَّ الروايةَ الثانيةَ موضوعةٌ على لسانِ الخُدْريّ فإنّه أجَلّ مِنْ أنْ تصدر منه هذه الإساءة تجاه الإمام الحسين علیه السلام الذي نَطق بفضله الذِكرُ الحكيمُ، وصرّحَ بِمناقبِهِ جَدّه المُصْطفى. 
وأبو سعيد الخُدريّ يُعدّ من أجِلاَّء الصحابة ومن الذين شهدوا لعليّ علیه السلام بالولاية يوم الغدير،وكان معه في معركة النهروان،وتعرَّض للضرب مِنْ قبلِ جيش يزيد بن معاوية على إثرِ واقعة الحرَّة، و قد شهدَ له الإمام الصادقُ علیه السلام: ( أنّه كانَ مُسْتَقِيماً ).
وأمّا الروايةُ الأولى (فبغض النظر تقيمها سنداً) فإنّها تُعطي حرص الخُدْريّ على الإمام الحُسين علیه السلام و تخوّفه من خروجه إلى أهل الكوفة، مضافاً إلى ما أخبره به عن أبيه أمير المؤمنين علیه السلام.

تغييبُ جواب الإمام علیه السلام للخُدريّ ؟    
غيّب التأريخُ جوابَ الإمام علیه السلام للخُدريّ وهذا يعزّز ما أكّدناه من وجود تحريفٍ وتزيفٍ وتعتيمٍ في هذه القضيّة بالذات إذ لايُعقل صدور هذا التغافل من الإمام علیه السلام عن جواب الخُدريّ وهو ذو المواقف المحمودة ، علماً أنّ هذا النوع من التعامل بعيد عن خلق أهل البيت مع من أحسن إليهم ولو بحسب الظاهر، وقد أجاب علیه السلام كلّ من سأله فكيف لا يجيب الخُدريّ؟ و لو على نحو المجاملة والمداراة، لاسيّما والإمام علیه السلام في ظرف يستدعي فيه بيان الحقائق وكشف ما يبيّته الحزب الاُمويّ .

تقيم عام لرّوايات الناصحين والمعترضين
بعد أنْ اتّضح بما لايقبل الشّك وقوع التحريف الكبير في مسألة وجود معترضين على خروج الإمام  يمكننا ان نقسم تلك الروايات  إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: روايات المواليين والمحبّين
إنَّ بعضَ أهل بيت الأمام الحسين علیه السلام و بعض محبيه مع علمهم بأنّ الحسين علیه السلام إمامٌ معصومٌ له تكليفه الإلهيّ، ولم يُقْدِم إلّا على ما أمره اللهُ تعالى به، إلّا أنّ قلوبهم لم تَتَحمّلْ أنْ تفارقَه، أو تسمع بشهادته، فأخذوا يَرجُونه الانصرافَ عن مسيره، حتّى إذا بيّن لهم سيّدُ الشهداء علیه السلام حقائق الأمور سلّموا وقالوا له: اللهُ ورسولُه وابن رسوله أعلم.

القسم الثاني: الرّوايات الموضوعة والمجعولة
هنالك روايات دسّها الخطّ الأمويّ على لسان بعض الصحابة لما لهم من ثقل سياسيّ واجتماعيّ ودينيّ ، وذلك لتبريد إقدام يزيد على ارّتكابه جريمة واقعة كربلاء ، ويكفينا مؤنة البحث في وضعها مضمونها الذي لايمكن صدوره إلّا من نظائر وضّاع هذه الأحاديث ، علما أنّ أسانيدها – بأجمعها – لاتصحّ  خصوصاً عند من يستدّل بها على عدم مشروعيّة النهضة الحسينيّة.

القسم الثالث: الرّوايات المحرّفة 
 وهنلك جملة من تلك الرّوايات تظهر فيها بصمات التحريف وعلامات التزييف (لفظاً أومعنى)  بكلّ وضوح ، بغضّ النظر عن تضاربها وتناقضها ،فإنّها تتعارض منطقاً وعقلاً مع واقع الأفراد المرويّة عنهم حيث إستغلّ الإعلام الأمويّ مواقف بعض المحبّين والموالين حينما جاؤا إلى الإمام الحسين علیه السلام مستفسرين منه سبب الخروج ، فراح إعلام النظام الحاكم يحرّف هذه المواقف بنحوٍ وآخر، والعجيبُ في الأمرِ أنّهم لم يكتفوا بتحريف هذه الرّوايات التي يُلاحظ عليها بصمات التلاعب بكلّ وضوحٍ، بل عمدوا إلى الافتراء على أهل البيت فزعموا أنّ الإمام الحسن علیه السلام أوصى إلى أخيه الإمام الحسين علیه السلام أنْ لا يتوجّه إلى العراق قائلاً له: وإنّي والله ما أرى أنْ يجمع الله فينا أهل البيت النبوّةَ والخلافةَ، فلا أعرفنّ ما استخفّك سفهاءُ أهل الكوفة فأخرجوك.
وفي روايةٍ موضوعةٍ ثانيةٍ قال له: إيّاكَ وسفهاء الكوفةِ أنْ يستخفّوكَ فيخرجوكَ ويسلّموكَ فتندم ولاتَ حينَ مناصٍ، وقد تذكّرَ ذلكَ ليلةَ قتله فترحّمَ على أخيهِ الحسنِ (رضي الله عنهما).
ونحنُ لانَشكُّ في أنَّ أعداءَ أهلِ البيتِ وضعوا هذهِ الرّوايات أوْ حرّفوها لأغراضٍ واضحةٍ ومعلومةٍ .
والرّوايةُ الصَحيحةُ الناقلةُ للحِوارِ الذي دارَ بينَ الإمامينِ الحَسَنين’  حَوْلَ كربلاء مَا رواهُ الشيخُ الصَدوقُ عَنْ الإمام الصَادقِ علیه السلام: أنّ الحُسينَ دَخَلَ عَلى الحَسنِ في مرضِهِ الذي استُشهد فيه، فلمّا رأى مَا به بَكى، فقالَ له الحَسنُ: مَا يُبكيكَ يا أبا عبَدِ اللهِ؟ فقالَ: أبكي لمَا صُنعَ بك! فقالَ الحَسنُ: إنَّ الذي يُوْتَى إليَّ سمٌّ يُدَسُ إليَّ فاُقتلُ به، وَلكنْ لا يومَ كيومكِ يا أبا عبدِ اللهِ، يَزْدَلفُ إليكَ ثلاثونَ ألفَ رَجلٍ يدّعونَ أنَّهم مِنْ أمّةِ جَدِّنا مُحَمّدٍ وَ يَنْتحلونَ دِينَ الإسلام، فيجتمعونَ على قتلكَ، وسفكِ دمكَ، وانتهاكِ حُرْمَتِكَ، وَسَبي ذَراريكَ ونسائكَ، وانتهابِ ثقلكَ، فعندَها تَحِلُّ بِبَني أمَيّةَ اللّعنةُ، وتمطرُ السَماءُ رمَاداً ودَماً، وَيبكي علَيْكَ كُلُّ شَئٍ حَتّى الوحوشُ في الفَلواتِ، والحيتانُ في البِحارِ.

منطقُ المعترضين
غنيٌّ عن القول: لو سلّمنا برّوايات المعترضين فإنّها تستلزم تالياً فاسداً وهوالرّضوخ للظلم والاستسلام للعدوان ، فأنّ أغلب تلك الرّوايات المزعومة يتّحد في منطقٍ مرفوضٍ دينيّاً وعقائديّاًّ، وهو أنّ النصرَ عبارةٌ عن الاستمرار في الحياة ، وأنّ الهزيمة عبارةٌ عن الموت،ممّا يعنى لزوم مبايعة يزيد الطاغية طلباً لاستمرار الحياة وتجنباً للموت ، وهذا المنطلق التفكيريّ المغلوط مشتركٌ لدى جميع أصحاب تلكم الاعتراضات المزعومة .
لكنَّ الإمام الحسين علیه السلام يتطلّع إلى مصير الإسلام المحمّدي وما سيؤول إليه أمر الشريعة الإسلاميّة إنْ رمى بحبلها على غاربها وتَرك الوضع على حاله ، فإنطلق حاملاً أهدافه الرّبانيّة السامية مخاطباً كلَّ واحدٍ من أولئك المتسآئلين على قدر عقولهم ، مبيّناً لهم – إمّا من خلال البيان الخاص الموجّه لكلّ فرد منهم أو من خلال البيان العامّ الموّجه للأمّة – الحجج البالغة والبراهين الواضحة.  

 إعلان الإمام الحسين علیه السلام عن دوافع خروجه
لقد أفصَحَ الإمام علیه السلام في مواطنَ عديدةٍ عن سبب خروجه من المدينة و مكّة حتّى استحسنَ بعضهم الأسباب التي ذكرها الإمام علیه السلام، إلّا أنّ بعض الأقلام المشبوهة والأفواه الموبوءة تعاود الكرّة عناداً للحقّ وتعامياً عن الصدق فتثيرُ الشُبَهَ حولَ خروج الإمام علیه السلام.
في حين أنّ الإمام علیه السلام قدّم بكلّ وضوحٍ وشفّافيّةٍ جوابين للأُمّة، أحدهما: خاصٌ لمن وجّه إليه السؤال، والآخر: عامٌ لجميع المسلمين إلى قيام الساعة .

الجواب الخاص:
هو الذي أدْلى به الإمام علیه السلام إلى كلّ مَن سألهُ عن سببِ خروجه حتّى اقتنع أغلبهم بجوابه كما تقدّم ذلك مفصلاً، والبعض الآخر تعامى عن فهم جوابه علیه السلام فراح يتظاهر بالنصيحة، ولذلك طفقوا يقترحون عليه مرةً أنْ يعتصم ببيت الله الحرام كيما ينجو فإنّه أعزّ أهل الأرض فيه !!، وأخرى يشيرون عليه بالذهاب إلى فجّ من الفجاج، وثالثٌ مقترحاً عليه الذهاب إلى جبال أجأ وسلمى !! والأنكى من كلّ ذلك ما أشار عليه بعضهم بأنْ ينزلَ على حكم بني اُميّة؟ فإنّهم لن يُروه إلّا ما يُحبّ !!.
 ولكنَّ الحسينَ علیه السلام ما كانَ يبحثُ عن نجاةِ نفسه، كيفَ لا وهوَ سفينةُ النجاةِ !؟، و إنّما كانَ يبحثُ عن نجاةِ الاُمّةِ، وإنقاذِ الدينِ من براثنِ الظلمِ والطغيانِ، والانحراف والفساد.
نعمْ لقد وضّح علیه السلام لكلّ مَنْ تساءل عن أسباب خروجه ولمّا لمْ يجد علیه السلام في بعضهم القدرة على استيعاب خلفيّات  تحركه وأسبابه واهدافه قال لهم: (شَاءَ اللهُ أنْ يَرَانِي قَتِيلاً) وفي ذلك اشارةٌ إلى أنَّه علیه السلام يَقول لهم سوف تذعنونَ عاجلاً أم آجلاً بأنّ خروجي كانَ طبقاً لمصلحة الإسلام والمسلمين وأنّه لمْ يكنْ علیه السلام أمامه خيار آخر.

الجواب العام: 
أجاب الإمام علیه السلام عن كلّ تلكم التساؤلات جواباً عامّاً وواضحاً وصل به الوضوح إلى حدٍّ لمْ يبقْ خافياً على أحدٍ مِمّن شاهده وسمع حديثه إلى قيام الساعة، فقد عبّر الإمام علیه السلام عن موقفه وأعلن عن هدفه وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نعمْ لقد أتمّ الإمام علیه السلام الحجّة على أهل زمانه بمختلف الوسائل وشتّى الطرق حيث ألفت انتباه الاُمّة حينما حلّ إحرام الحجّ، وجعله عمرةً مفردةً وخرج من مكّة يوم التروية، والحجيجُ متّجهونَ إلى منى وعرفات، أليسَ في ذلك رسالة صارخة تبيّن مدى معاناة الإمام علیه السلام من الظرف السياسيّ الخانق من جهة، ومن جهة اُخرى أشعر الاُمّة بخروجه نحو هدفٍ ربانيّ سامٍ . 
كما أنّه علیه السلام صرّح للاُمّة وفي مواطن متعدّدة عمّا يبيّته الحكم الاُمويّ له وأنّه مقتول لا محالة، وذلك من خلال النصوص التالية:

النصّ ُالأوّلُ: لا يَدَعونِي حَتّى يَسْتَخْرِجوا هذِهِ العَلَقةَ
قوله : وَاللهِ لا يَدَعونِي حَتّى يَسْتَخْرِجوا هذِهِ العَلَقةَ مِنْ جَوْفِي فَإذا فَعَلوا سَلّطَ اللهُ عَلَيْهم مَنْ يُذلّهُم حَتّى يَكونَوا أذَلّ مِنْ فَرَامِ الأمَة.

النصّ ُالثاني ُ: وَخِيْرَلِي مَصْرَعٌ أنَا لاقِيه 
رُوِيَ أنّهُ علیه السلام: لَمّا عَزَمَ عَلَى الخُروجِ مِنْ مكّة إلى العِرَاقِ قَامَ
خَطِيباً فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَ لَا قَوّة إِلَّا بِاللَّهِ خُطِّ الْمَوْتُ عَلَى
وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَة عَلَى جِيدِ الفَتَاة وَ مَا أوْلَهَني إِلَى أَسْلَافِي !
اشْتِياقُ يَعْقُوب إِلَى يُوسُف وَخِيْر لِي مَصْرَعٌ أنَا لاقِيه، كأنّي بِأوْصَالي تُقَطِّعُها عَسْلانِ الفَلَوَاتِ بينَ النّواوِيسِ و كَربلاءِ، فَيَمْلأنَّ مِنّي أكراشَاً جُوْفاً، وأجربةً سُغُباً، لا مَحِيصَ عَنْ يومٍ خُطّ بِالقَلَم، رِضَا الله رِضَانَا أهْلَ البَيْتِ، نَصْبِرُ عَلى بَلائِهِ، وَيُوفِّينا أجُورَ الصَابِرِينَ، لَنْ تَشُذّ عَنْ رَسُولِ اللهِ لُحْمَتُهُ، بَلْ هِي مَجْمُوَعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ القُدْسِ، تَقَرُّ  بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنْجَزُ  بِهِمْ وَعْدُهُ ، ألا مَنْ كانَ بَاذِلَاً فِينَا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّنَاً عَلَى لِقَاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحَاً إنْ شَاءَ اللهُ .

النصّ ُالثالث ُ: واللهِ ليَعْتَدُّنَ عَليَّ
قوله علیه السلام: وَأيْمِ اللهِ لَوْ كُنْتُ فِي جُحْرِ هَامّةٍ مِنْ هَذه الهَوَامّ لاسْتَخْرَجُوني حَتّى يَقْتلونِي، واللهِ ليَعْتَدُّنَ عَليَّ كَما اعْتَدَتِ اليَهُودُ فِي السَبْتِ.

النصّ ُالرّابعُ: مَنْ لَحِقَ بِي استُشْهِدَ
 قوله علیه السلام: أمّا بعدُ: فإنّ مَنْ لَحِقَ بِي استُشْهِدَ ومَنْ تَخَلّفَ لَمْ يُدْرِك الفَتْحَ.
نعم لقد كان الحسين علیه السلام على يقين ممّا سيجري وما قصْدُهُ كربلاءَ إلّا لتحمّل تلك المسؤوليّة العظمى عهدٌ معهودٌ عن أخيه علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جدّه عن الله (عزّ وجلّ ).
ويرشدُكَ إلى ذلكَ  جوابه لاُمّ سلمة (رضوان الله عليها) إذْ قالت له: يَا بُنَيَّ لا تُحْزِنّي بِخُرُوجِكَ إلى العِرَاقِ فإنّيَ سَمِعْتُ جَدَّكَ يقولُ: يُقْتَلُ وَلَدِيَ الحُسَيْنُ بأرْضٍِ يُقَالُ لَهَا: كَرْبَلاء .
فقال لها: يَا أمّاهُ وَأنَا وَاللهِ أعْلَمُ ذَلِكَ، وَإنّي مَقْتُولٌ لا مَحَالةَ، وَلَيْسَ لي مِنْه بُدٌّ، وَقَدْ شَاءَ اللهُ أنْ يَرانِيَ مَقْتُولاً، ويَرَى حَرَمِي مُشَرّدِينَ وَأطفَالي مُذْبوحِينَ.
 وَ جَوَابُهُ علیه السلام لِأَخِيهِ عُمَرَ بْنِ عَلِيًّ الأطْرَفِ إِذْ قالَ لَهُ حِينَ امْتَنَعَ مِنِ الْبَيْعَة لِيَزِيد : حَدَّثَنِي أَخُوكَ أَبُو مُحَمَّدٍ ، عن أَبِيهِ ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَلَا شَهِيقُهُ ، فَضَمَّهُ الحُسَينُ علیه السلام إِلَيْهِ وَ قَال: حَدَّثَكَ أَنِّي مَقْتُولٌ؟، قَالَ: حُوشِيتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ . 
فَقَالَ: بِحَقِّ أَبِيكَ بِقَتْلِي خَبَّرَكَ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَلَوْ بَايَعْتَ ، فَقَالَ علیه السلام: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ وَ قَتْلِي ، وَأَنَّ تُرْبَتِي تَكُونُ بِقُرْبِ تُرْبَتِه ، أَتَظُنَّ أَنَّكَ عَلِمْتَ مَا لَمْ أَعْلَمْ؟.
وفي نهاية هذا المطاف نقول:إنّ مَنْ لمْ يُدرك الغاية من نهضته علیه السلام أو أدركها على خلاف حقيقتها فتوهّم أنّ الإمام علیه السلام نهض لتغيير السلطة الأمويّة إلى علويّة، سيقع في مستنقع من الخطأ على غرار ما وقع فيه مَنْ انخدع بالإعلام الاُموّيّ  خصوصاً أولئك الذين رفعوا عقيرتهم منادين: ألا تتّقي الله تعالى، تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمّة؟ فأجابهم علیه السلام قائلاً: {لي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} و هو الجواب الذي وجّهه جدّه المصطفى  للكافرين بالله تعالى المكذّبين له.
 وهذا الجوابُ منه علیه السلام يُوضّحُ المنهجَ السلميَّ الذي اتّبعه علیه السلام في المواجهة حتّى مع مَنْ أساءَ إليه قولاً وعملاً حيث إنّه تلطّف في الجواب ولمْ يغلظ عليهم إحساناً منه وتفضّلاً، فلمْ يستقبلهم بما يكرهون من الخطاب أملاً في هدايتهم وانقيادهم إلى الصوابِ.

المصدر:کتاب السلم و اللاعنف في الاسلام و امتدادهما في النهضة الحسینیة تألیف سماحة السید قاسم الجلالي 
 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2022/03/15  ||  القرّاء : 899



أوقات الصلاة اليومية :




لندن - London


الإمساك : 4:05
الفجر : 4:15
الشروق : 5:56
الظهر : 13:00
الغروب : 8:04
المغرب : 8:19


مواقيت الصلاة السنوية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • برمينغهام Birmingham
  • برايتون Brighton
  • كارديف Cardiff
  • غلازغو Glasgow
  • هال Hull
  • ليدز Leeds
  • ليفربول Liverpool
  • لندن London
  • مانشستر Manchester
  • نورويتش Norwich
  • بليموث Plymouth
  • بورتسموث Portsmouth
  • شفيلد Sheffield
  • ساوثهامبتون Southampton
  • سوانزي Swansea

جديد الموقع :



 ثقافة العيد طبقاً للرؤية القرانية/العيد يعني كسب ( فضل الله) و( رحمته) / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / المركز الاسلامي سري/ 15.4.2024

 خطبة الجمعة / حماية المنجزات ليس النجاحُ بالانجاز بل بالحفاظ عليه / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / المركز الاسلامي سري/ 12.4.2024

 خطبة العید / لماذا نَحتفلُ بالعيد؟معلوماتٌ ضروريّةٌ يَجْدرُ الإطلاع عليها / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 10.4.2024

 زكاة الفطرة واحكامها / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ 9.4.2024

 الايات القرانية في علم النفس/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 8.4.2024

 عجائب قضاء امير المومنين الامام علي عليه السلام/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 7.4.2024

 واجعل لي لسان صدق في الاخرين/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري/ 6.4.2024

 خطبة الجمعة / الإفساد في الأرض مرّتين وتحقّق الوعد اللهيّ بالإنتقام / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي / المركز الاسلامي سري/ 5.4.2024

 تَشابهُ أشْقى الأولين و أشقى الآخرين/ استشهاد الامام علي(ع) / سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ مركز اهل البيت ومبلي / 2024/3/31

 اعلان مجلس استشهاد الامام علي علیه السلام و احیاء لیلة القدر الثانیة

مواضيع متنوعة :



 ولادة الامام الصادق عليه السلام لسماحة العلامه السيد قاسم الجلالي 1/ قناة الفرات الفضائیة

 معنى الشهادة بالتوحيد في تراث السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 الامام الرضا عليه السلام 5 (عالم أل محمد) لسماحة السيد قاسم الجلالي/ قناة الفرات الفضائیة

 مراحل التکامل فی سیره الامام السجاد علیه السلام / العلامة ‏السيد قاسم الجلالي/1443

 رؤى معاصرة في النّهضة الحسينيّة |سماحة السيد قاسم الجلالي |محرم 1443

 سماحة السيد قاسم الجلالي ليلة التاسع من محرم 1427 - 2006 هولندا القسم الرابع

 دعاء كميل بصوت سماحة السيد قاسم الجلالي

 هلْ الجهادُ حركةٌ عنفيّةٌ؟

 برامج شهر رمضان المبارك

 خطورةُ تفسير القران بالرأي

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 4

  • الأقسام الفرعية : 31

  • عدد المواضيع : 552

  • التصفحات : 565407

  • التاريخ : 19/04/2024 - 21:09