• الصفحة الرئيسية

حول المركز :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التعريف بالمركز (2)
  • نشاطات المركز (1)
  • إعلانات المركز (49)
  • التواصل (1)

بحوث علمية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البحوث القرآنية (4)
  • بحوث نهج البلاغة (20)
  • البحوث العقائدية (15)
  • البحوث التاریخیة (14)
  • البحوث الفقهية (7)
  • البحوث الأصولیة (18)

المحاضرات (مرئیات) :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شهر محرم و صفر (56)
  • شهر رمضان المبارك (67)
  • مناسك الحج (47)
  • الادعیة (15)
  • البث الفضائي (34)
  • الحوارات و الندوات (4)
  • الدروس الحوزویة (2)
  • التفسیر (9)
  • مجالس التأبین (4)
  • متفرقات (34)
  • مجالس استشهاد المعصومین (30)
  • مجالس میلاد المعصومین و الاعیاد (34)
  • صلاة الجمعة (90)
  • صلاة العیدين (4)

حقل الصور :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • رمضان المبارك (5)
  • محرّم الحرام (0)
  • نشاطات عامّة (6)
  • صفر المظفّر (0)
  • ولادات المعصومین (7)
  • وفیات المعصومین (3)
  • صلاة الجمعة و العیدین (6)

البحث :


  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إتصل بنا
  • القسم الرئيسي : بحوث علمية .

        • القسم الفرعي : البحوث العقائدية .

              • الموضوع : أَحْوالُ و معجزاتُ الأئمّةِ الاثْنَيْ عَشَرَ(عليهم السلام) .

أَحْوالُ و معجزاتُ الأئمّةِ الاثْنَيْ عَشَرَ(عليهم السلام)

إنًّ معْجزاتِ رسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) وأوَصيائِه عِبَارةٌ عنْ العلاماتِ العظيمةِ والدلالاتِ القويمةِ على حقّانيّةِ دعْواهُم ، فلمْ يُرَ ولمْ يُسْمَعْ بصبر كصبرِ محمّد(صلى الله عليه وآله) وأئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) ولا حلم كحلمهمِ ، ولا وفاء كوفائهمِ ، ولا كرامة ككرامتهمِ ، ولا رحمة ولا زهد ولا عظمة ولا وجود ولا صدق كصدْقهم، ولا يوجدُ مثلُ تواضعِهم وعلمِهم وحكمتِهم وحسنِ تصرّفهِم وعفوهِم وطهارةِ مولدِهم ، ولمْ تسجّلْ على أحدهم زَلةٌ أو إساءةٌ لا في قول ولا في فعل حتّى مع الكذّابِ والفحّاشِ وغليظِ القلبِ والبذيءِ ، ولم يُسْمَعْ منهم الكذبُ .
وكانَ الأئمّةُ الأطهارُ(عليهم السلام) مشتغلينَ بالعبادةِ، والاجتهادِ والزهدِ، وهدايةِ العبادِ بجدّ خارق للعادةِ ، وأنّ كلَّ مَنْ ذَكَرهُم منْ كاتب أو مؤرّخ ـ قديماً أو حديثاً ـ أثْنى عليهم ثناءً جميلا حتّى مناوئيهم وحسادِهم كانوا يمدحونَهُم بما فيهم الزنادقةُ والمتكبّرونَ فهم جميعاً اتّفقوا على أنّ الأئمّةَ الأطهار(عليهم السلام) كانوا أزهدَ وأعلمَ وأحلمَ وأشجعَ وأفضلَ أهلِ زمانِهم ، وتُنسَبُ إليهم(عليهم السلام) كلُّ خصلة طيّبة وخيّرة ، وأنّ أخلاقَهم وتصرّفاتِهم الكريمةَ بلغتْ حدّاً خارقاً للعادةِ .
وسنذكرُ نبذةً مختصرةً عنْ كلِّ إمام معَ بيانِ معجزاتِهِ، وقدْ ذكرْنا بعضَ معجزاتِ الرسولِ(صلى الله عليه وآله) وأميرِ المؤمنينَ(عليه السلام)، ونكتفي بما ذكرناهُ ، وسَنَذكرُ طرفاً من أحوالِ ومعجزاتِ سائرِ الأئمّةِ(عليهم السلام) .

الإمامانِ الحسنُ والحسينُ(عليهما السلام)
أمّا الحَسَنُ والحُسينُ(عليهما السلام)، فانظرْ إلى سيرَتِهمَا، ومَكارمِ أخلاقِهما، وَمزاياهُما، وَسَجَاياهُما، وَمَا اجْتمعَ فيهِمَا مِنَ الفضائلِ، وَخُصّا به مِن المآثرِ ، وأنّ علومَهُما وكمَالاتِهما ثابتةٌ ومشهورةٌ حتَى في صِباهُما، وقدْ حَباهُما اللهُ تعالى مِنْ صِفاتِ الكمَالِ ما لايُحْصى ، وَمِمّا يدلُّ على كمَالهما أنَّ النبيَّ(صلى الله عليه وآله)باهلَ النصارى بهذينِ النورينِ الإلهيّين  .
كمَا أنّهُ(صلى الله عليه وآله) قَبِلَ البَيْعَةَ منْهُمَا(عليهما السلام) وَهُما صَبيّان غيرُ بالغيْنِ ، ولمْ يُبايِعْ طفلاً غيرَهُما  .
وقدْ ضَمِنَ اللّهُ تعالى لهُمَا في سُورَةِ (هَلْ أتى) الجَنّةَ لعَمَلهِمِا معَ أنّهُما صَبيّانِ .
وسنذكرُ بعضاً منْ أخبارِهِما(عليهما السلام) .

معجزاتُ الإمامِ الحسنِ المجْتبى الزكيّ(عليه السلام)
1. نقلَ المجلسيّ(رحمه الله) عن الخرائجِ والجرائحِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ : إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيّ رَجُلٌ عَيِيٌّ، وَ إِنَّهُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ رَمَقُوهُ بِأَبْصَارِهِمْ خَجِلَ وَ انْقَطَعَ لَوْ أَذِنْتَ لَهُ ؟
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : يَا أَبَا مُحَمَّد، لَوْ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ وَ وَعَظْتَنَا .
فَقَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : «مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ، وَ ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) .
أَنَا ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ، أَنَا ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَالاِْنْسِ .
أَنَا ابْنُ خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، أَنَا ابْنُ صَاحِبِ الْفَضَائِلِ، أَنَا ابْنُ صَاحِبِ الْمُعْجِزَاتِ وَ الدَّلاَئِلِ، أَنَا ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَا الْمَدْفُوعُ عَنْ حَقِّي، أَنَا وَاحِدُ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَنَا ابْنُ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ، أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنًى، أَنَا ابْنُ الْمَشْعَرِ وَ عَرَفَات».
فَاغْتَاظَ مُعَاوِيَةُ وَ قَالَ : خُذْ فِي نَعْتِ الرُّطَبِ وَ دَعْ ذَا ، فَقَالَ : «الرِّيحُ تَنْفُخُهُ، وَالْحَرُّ يُنْضِجُهُ، وَ بَرْدُ اللَّيْلِ يُطَيِّبُهُ ـ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ : ـ أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ، أَنَا ابْنُ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ، أَنَا ابْنُ مَنْ خَضَعَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، أَنَا ابْنُ إِمَامِ الْخَلْقِ، وَ ابْنُ مُحَمَّد رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله)».
فَخَشِيَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَفْتَتِنَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّد، انْزِلْ فَقَدْ كَفَى مَا جَرَى، فَنَزَلَ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : ظَنَنْتُ أَنْ سَتَكُونَ خَلِيفَةً وَ مَا أَنْتَ وَ ذَاكَ ، فَقَالَ الْحَسَنُ(عليه السلام) : «إِنَّمَا الْخَلِيفَةُ مَنْ سَارَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لَيْسَ الْخَلِيفَةُ مَنْ سَارَ بِالْجَوْرِ، وَ عَطَّلَ السُّنَّةَ، وَ اتَّخَذَ الدُّنْيَا أَباً وَ أُمّاً ، مَلِكَ مُلْكاً مُتِّعَ بِهِ قَلِيلاً ثُمَّ تَنْقَطِعُ لَذَّتُهُ، وَ تَبْقَى تَبِعَتُهُ» .
وَ حَضَرَ الْمَحْفِلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ كَانَ شَابّاً، فَأَغْلَظَ لِلْحَسَنِ كَلاَمَهُ، وَ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي السَّبِّ وَ الشَّتْمِ لَهُ وَلاَِبِيهِ، فَقَالَ الْحَسَنُ(عليه السلام) : «اللَّهُمَّ، غَيِّرْ مَا بِهِ مِنَ النِّعْمَةِ، وَاجْعَلْهُ أُنْثَى لِيُعْتَبَرَ بِهِ» ، فَنَظَرَ الاُْمَوِيُّ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ صَارَ امْرَأَةً قَدْ بَدَّلَ اللَّهُ لَهُ فَرْجَهُ بِفَرْجِ النِّسَاءِ، وَ سَقَطَتْ لِحْيَتُهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ(عليه السلام) : «اُعْزُبِي، مَا لَكِ وَ مَحْفِلَ الرِّجَالِ فَإِنَّكِ امْرَأَةٌ» .
ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ(عليه السلام) سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ نَفَضَ ثَوْبَهُ، وَ نَهَضَ لِيَخْرُجَ، فَقَالَ ابْنُ الْعَاصِ: اجْلِسْ، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مَسَائِلَ ، قَالَ(عليه السلام) : «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».
قَالَ عَمرو: أَخْبِرْنِي عَنِ الْكَرَمِ وَ النَّجْدَةِ وَ الْمُرُوءَةِ ، فَقَالَ(عليه السلام) : «أَمَّا الْكَرَمُ، فَالتَّبَرُّعُ بِالْمَعْرُوفِ، وَ الاِْعْطَاءُ قَبْلَ السُّؤَالِ ، وَأَمَّا النَّجْدَةُ، فَالذَّبُّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَ الصَّبْرُ فِي الْمَوَاطِنِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ ، وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ، فَحِفْظُ الرَّجُلِ دِينَهُ، وَ إِحْرَازُهُ نَفْسَهُ مِنَ الدَّنَسِ، وَ قِيَامُهُ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ، وَ إِفْشَاءُ السَّلاَمِ»، فَخَرَجَ، فَعَذَلَ مُعَاوِيَةُ عَمْراً ، فَقَالَ : أَفْسَدْتَ أَهْلَ الشَّامِ، فَقَالَ عَمرو : إِلَيْكَ عَنِّي، إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمْ يُحِبُّوكَ مَحَبَّةَ إِيمَان وَ دِين، إِنَّمَا أَحَبُّوكَ لِلدُّنْيَا يَنَالُونَهَا مِنْكَ، وَ السَّيْفُ وَالْمَالُ بِيَدِكَ، فَمَا يُغْنِي عَنِ الْحَسَنِ كَلاَمُهُ.
ثُمَّ شَاعَ أَمْرُ الشَّابِّ الاُْمَوِيِّ، وَأَتَتْ زَوْجَتُهُ إِلَى الْحَسَنِ(عليه السلام) فَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَتَضَرَّعُ، فَرَقَّ لَهَا، وَ دَعَا، فَجَعَلَهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ  .
وهذا يَكفْي لأنْ يكونَ شاهِداً ودَليلا وحُجّةً .
2. رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ(عليهم السلام) «أَنَّ الْحَسَنَ(عليه السلام) قَالَ يَوْماً لاَِخِيهِ الْحُسَيْنِ ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر : إِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْكُمْ بِجَوَائِزِكُمْ، وَ هِيَ تَصِلُ إِلَيْكُمْ يَوْمَ كَذَا لِمُسْتَهَلِّ الْهِلاَلِ وَقَدْ أَضَاقَا، فَوَصَلَتْ فِي السَّاعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَمَّا كَانَ رَأْسُ الْهِلاَل» . الحديث  .
3. رُوِيَ عَنْ مَنْدَلِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ(عليهم السلام) «أَنَّ الْحَسَنَ(عليه السلام)خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مَاشِياً إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : لَوْ رَكِبْتَ لِيَسْكُنَ عَنْكَ هَذَا الْوَرَمُ ، فَقَالَ : كَلاًّ، وَ لَكِنَّا إِذَا أَتَيْنَا الْمَنْزِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُنَا أَسْوَدُ مَعَهُ دُهْنٌ يَصْلُحُ لِهَذَا الْوَرَمِ، فَاشْتَرُوا مِنْهُ، وَلاَ تُمَاكِسُوهُ .
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَوَالِيهِ : لَيْسَ أَمَامَنَا مَنْزِلٌ فِيهِ أَحَدٌ يَبِيعُ هَذَا الدَّوَاءَ .
فَقَالَ : بَلَى، إِنَّهُ أَمَامُنَا ، وَ سَارُوا أَمْيَالاً فَإِذَا الاَْسْوَدُ قَدِ اسْتَقْبَلَهُمْ ، فَقَالَ الْحَسَنُ لِمَوْلاَهُ : دُونَكَ الاَْسْوَدَ، فَخُذِ الدُّهْنَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ ، فَقَالَ الاَْسْوَدُ : لِمَنْ تَأْخُذُ هَذَا الدُّهْنَ ؟
قَالَ : لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(عليه السلام) .
قَالَ : انْطَلِقْ بِي إِلَيْهِ ، فَصَارَ الاَْسْوَدُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ الاَْسْوَدُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي مَوْلاَكَ، لاَ آخُذُ لَهُ ثَمَناً، وَ لَكِنِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَداً سَوِيّاً ذَكَراً يُحِبُّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ; فَإِنِّي خَلَّفْتُ امْرَأَتِي تَمْخَضُ .
فَقَالَ : انْطَلِقْ إِلَى مَنْزِلِكَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَهَبَ لَكَ وَلَداً ذَكَراً سَوِيّاً ، فَرَجَعَ الاَْسْوَدُ مِنْ فَوْرِهِ فَإِذَا امْرَأَتُهُ قَدْ وَلَدَتْ غُلاَماً سَوِيّاً ، ثُمَّ رَجَعَ الاَْسْوَدُ إِلَى الْحَسَنِ(عليه السلام)وَ دَعَا لَهُ بِالْخَيْرِ بِوِلاَدَةِ الْغُلاَمِ لَهُ، وَ أَنَّ الْحَسَنَ قَدْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ بِذَلِكَ الدُّهْنِ فَمَا قَامَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى زَالَ الْوَرَمُ».  وغيرُ ذلكَ من الشواهدِ ، ومَنْ أرادَ المزيدَ فليرجع إلى الكتبِ المطوّلةِ .

معجزاتُ الإمامِ أبي عبد الّله الحسينِ(عليه السلام)
1. رُوِيَ عَنْ أَبِي خَالِد الْكَابُلِيِّ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ أُمِّ الطَّوِيلِ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَابٌّ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(عليه السلام) : «مَا يُبْكِيكَ» ؟
قَالَ : إِنَّ وَالِدَتِي تُوُفِّيَتْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَ لَمْ تُوصِ وَ لَهَا مَالٌ، وَ كَانَتْ قَدْ أَمَرَتْنِي أَنْ لاَ أُحْدِثَ فِي أَمْرِهَا شَيْئاً حَتَّى أُعْلِمَكَ خَبَرَهَا .
فَقَالَ الْحُسَيْنُ(عليه السلام) : «قُومُوا حَتَّى نَصِيرَ إِلَى هَذِهِ الْحُرَّةِ»، فَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي تُوُفِّيَتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ ، والْمَرْأَةُ مُسَجَّاةٌ فَأَشْرَفَ عَلَى الْبَيْتِ، وَ دَعَا اللهَ لِيُحْيِيَهَا حَتَّى تُوصِيَ بِمَا تُحِبُّ مِنْ وَصِيَّتِهَا فَأَحْيَاهَا اللَّهُ، وَ إِذَا الْمَرْأَةُ جَلَسَتْ وَهِيَ تَتَشَهَّدُ ، ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَى الْحُسَيْنِ(عليه السلام)، فَقَالَتِ : ادْخُلِ الْبَيْتَ يَا مَوْلاَيَ، وَ مُرْنِي بِأَمْرِكَ ، فَدَخَلَ وَ جَلَسَ عَلَى مِخَدَّة ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : «وَصِّي يَرْحَمُكِ اللَّهُ»، فَقَالَتْ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، لِي مِنَ الْمَالِ كَذَا وَ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَ كَذَا، فَقَدْ جَعَلْتُ ثُلُثَهُ إِلَيْكَ لِتَضَعَهُ حَيْثُ شِئْتَ مِنْ أَوْلِيَائِكَ، وَ الثُّلْثَانِ لاِبْنِي هَذَا إِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ مِنْ مُوَالِيكَ وَ أَوْلِيَائِكَ، وَ إِنْ كَانَ مُخَالِفاً فَخُذْهُ إِلَيْكَ، فَلاَ حَقَّ فِي الْمُخَالِفِينَ فِي أَمْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، وَ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهَا، ثُمَّ صَارَتِ الْمَرْأَةُ مَيِّتَةً كَمَا كَانَتْ  .
2. رُوِيَ عَنْ مَنْدَلِ بْنِ هَارُونَ بْنِ صَدَقَةَ عَنِ الصَّادِقِ(عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ(عليهم السلام) قَالَ : «إِذَا أَرَادَ الْحُسَيْنُ(عليه السلام) أَنْ يُنْفِذَ غِلْمَانَهُ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ قَالَ لَهُمْ : لاَ تَخْرُجُوا يَوْمَ كَذَا، اخْرُجُوا يَوْمَ كَذَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ خَالَفْتُمُونِي قُطِعَ عَلَيْكُمْ .
فَخَالَفُوهُ مَرَّةً وَ خَرَجُوا فَقَتَلَهُمُ اللُّصُوصُ، وَ أَخَذُوا مَا مَعَهُمْ، وَ اتَّصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْحُسَيْنِ(عليه السلام) فَقَالَ : لَقَدْ حَذَّرْتُهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنِّي .
ثُمَّ قَامَ مِنْ سَاعَتِهِ وَ دَخَلَ عَلَى الْوَالِي فَقَالَ الْوَالِي ، بَلَغَنِي قَتْلُ غِلْمَانِكَ فَآجَرَكَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ(عليه السلام) : فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُمْ فَاشْدُدْ يَدَكَ بِهِمْ .
قَالَ : أَوَ تَعْرِفُهُمْ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ؟
قَالَ : نَعَمْ كَمَا أَعْرِفُكَ، وَ هَذَا مِنْهُمْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى رَجُل وَاقِف بَيْنَ يَدَيِ الْوَالِي .
فَقَالَ الرَّجُلُ : وَ مِنْ أَيْنَ قَصَدْتَنِي بِهَذَا ؟ وَ مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ أَنِّي مِنْهُمْ ؟
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(عليه السلام) : إِنْ أَنَا صَدَقْتُكَ تُصَدِّقُنِي ؟
قَالَ نَعَمْ : وَ اللَّهِ لاَُصَدِّقَنَّكَ .
فَقَالَ : خَرَجْتَ وَ مَعَكَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ ذَكَرَهُمْ كُلَّهُمْ، فَمِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ مَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَ الْبَاقُونَ مِنْ جَيْشَانِ ]حُبْشَانِ[ الْمَدِينَةِ .
فَقَالَ الْوَالِي : وَرَبِّ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ لَتَصْدُقُنِي أَوْ لاَُهْرِقَنَّ لَحْمَكَ بِالسِّيَاطِ .
فَقَالَ الرَّجُلُ : وَاللَّهِ; مَا كَذَبَ الْحُسَيْنُ وَ لَصَدَقَ، وَ كَأَنَّهُ كَانَ مَعَنَا، فَجَمَعَهُمُ الْوَالِي جَمِيعاً، فَأَقَرُّوا جَمِيعاً، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ  .
3. رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ(عليه السلام) أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَبْرَئِيلَ أَنْ يَهْبِطَ فِي مَلاَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَيُهَنِّئَ مُحَمَّداً، فَهَبَطَ، فَمَرَّ بِجَزِيرَة فِيهَا مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ : فُطْرُسُ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي شَيْء فَأَبْطَأَ، فَكَسَرَ جَنَاحَهُ، فَأَلْقَاهُ فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ، فَعَبَدَ اللهَ سَبْعَمِائَةِ عَام .
فَقَالَ فُطْرُسُ لِجَبْرَئِيلَ : إِلَى أَيْنَ ؟ فَقَالَ :إِلَى مُحَمَّد .
قَالَ : احْمِلْنِي مَعَكَ لَعَلَّهُ يَدْعُو لِي .
فَلَمَّا دَخَلَ جَبْرَئِيلُ وَ أَخْبَرَ مُحَمَّداً بِحَالِ فُطْرُسَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ : «قُلْ يَتَمَسَّحُ بِهَذَا الْمَوْلُودِ، فَتَمَسَّحَ فُطْرُسُ بِمَهْدِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) فَأَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ جَنَاحَهُ ثُمَّ ارْتَفَعَ مَعَ جَبْرَئِيلَ إِلَى السَّمَاءِ  .

الإمامُ عليّ بنُ الحسينِ زينِ العابدينَ(عليه السلام)
أمّا عليُّ بنُ الحسينِ، زينُ العابدينَ(عليه السلام) ، فهو أفضلُ الخلقِ بعدَ أبيهِ عَلماً، وعَملاً، واجْتهاداً، وعبادةً، وزهداً ، وكانَ تَصرّفهُ مَضْرَبَاً للأمثالِ في حُسْنِ المُعاشَرَةِ معَ الناسِ .
فِفي رواية عنِ الإمامِ الباقرِ(عليه السلام) أنّه دَخَلَ عَلَى أبيه زين العابدين(عليه السلام) فَإِذَا هُوَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ، فَرَآهُ وَ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُهُ مِنَ السَّهَرِ، وَ رَمِضَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْبُكَاءِ، وَ دَبِرَتْ جَبْهَتُهُ، وَ انْخَرَمَ أَنْفُهُ مِنَ السُّجُودِ، وَ قَدْ وَرِمَتْ سَاقَاهُ وَ قَدَمَاهُ مِنَ الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام): «فَلَمْ أَمْلِكْ حِينَ رَأَيْتُهُ بِتِلْكَ الْحَالِ الْبُكَاءَ، فَبَكَيْتُ رَحْمَةً لَهُ، فَإِذَا هُوَ يُفَكِّرُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ بَعْدَ هُنَيْئَة مِنْ دُخُولِي فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَعْطِنِي بَعْضَ تِلْكَ الصُّحُفِ الَّتِي فِيهَا عِبَادَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(عليه السلام)، فَأَعْطَيْتُهُ، فَقَرَأَ فِيهَا شَيْئاً يَسِيراً ثُمَّ تَرَكَهَا مِنْ يَدِهِ تَضَجُّراً وَ قَالَ: مَنْ يَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(عليه السلام)»  .
وَرَوَى عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْر الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا صَارَ إِلَى الْعِرَاقِ اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْكُتُبَ وَ الْوَصِيَّةَ، فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ»  .

معجزاتُهُ (عليه السلام):
1. رُوِيَ عَنْ أَبِي خَالِد الْكَابُلِيِّ قَالَ : دَعَانِي مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)وَ رُجُوعِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(عليهما السلام) إِلَى الْمَدِينَةِ، وَ كُنَّا بِمَكَّةَ، فَقَالَ : صِرْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(عليهما السلام) وَ قُلْ لَهُ : إِنِّي أَكْبَرُ وُلْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَخَوَيَّ: الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَ أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الاَْمْرِ مِنْكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْلِمَهُ إِلَيَّ، وَ إِنْ شِئْتَ فَاخْتَرْ حَكَماً نَتَحَاكَمْ إِلَيْهِ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ وَ أَدَّيْتُ رِسَالَتَهُ .
فَقَالَ : «ارْجِعْ إِلَيْهِ وَ قُلْ لَهُ : يَا عَمِّ، اتَّقِ اللهَ، وَ لاَ تَدَّعِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ لَكَ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَبَيْنِي وَ بَيْنَكَ الْحَجَرُ الاَْسْوَدُ، فَمَنْ أَجَابَهُ الْحَجَرُ فَهُوَ الاِْمَامُ» .
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْجَوَابِ، فَقَالَ : لَهُ قَدْ أَجَبْتُكَ .
قَالَ أَبُو خَالِد : فَدَخَلاَ جَمِيعاً وَ أَنَا مَعَهُمَا حَتَّى وَافَيَا الْحَجَرَ الاَْسْوَدَ .
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليهما السلام) : تَقَدَّمْ يَا عَمِّ، فَإِنَّكَ أَسَنُّ، فَسَلْهُ الشَّهَادَةَ لَكَ»، فَتَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَ دَعَا بِدَعَوَات، ثُمَّ سَأَلَ الْحَجَرَ بِالشَّهَادَةِ إِنْ كَانَتِ الاِْمَامَةُ لَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْء .
ثُمَّ قَامَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ : «أَيُّهَا الْحَجَرُ، الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ شَاهِداً لِمَنْ يُوَافِي بَيْتَهُ الْحَرَامَ مِنْ وُفُودِ عِبَادِهِ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي صَاحِبُ الاَْمْرِ، وَأَنِّي الاِْمَامُ الْمُفْتَرَضُ الطَّاعَةُ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِ اللَّهِ، فَاشْهَدِي (فَاشْهَدْ لِي) لِيَعْلَمَ عَمِّي أَنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِي الاِْمَامَةِ»; فَأَنْطَقَ اللَّهُ الْحَجَرَ بِلِسَان عَرَبِيّ مُبِين، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيّ سَلِّمِ الاَْمْرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ; فَإِنَّهُ الاِْمَامُ الْمُفْتَرَضُ الطَّاعَةُ عَلَيْكَ وَ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِ اللَّهِ دُونَكَ وَ دُونَ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، فَقَبَّلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ رِجْلَهُ وَ قَالَ: الاَْمْرُ لَكَ، وَ قِيلَ: إِنَّ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِزَاحَةً لِشُكُوكِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ  .
2. رُوِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكَ فَاقْتُلْ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) .
فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَيْهِ:
أَمَّا بَعْدُ ، فَجَنِّبْنِي دِمَاءَ بَنِي هَاشِم وَ احْقُنْهَا، فَإِنِّي رَأَيْتُ آلَ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا أَوْلَعُوا فِيهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَى أَنْ أَزَالَ اللَّهُ الْمُلْكَ عَنْهُمْ. وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ سِرّاً أَيْضاً .
فَكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليهما السلام) إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَنْفَذَ فِيهَا الْكِتَابَ إِلَى الْحَجَّاجِ: «وَقَفْتُ عَلَى مَا كَتَبْتَ فِي دِمَاءِ بَنِي هَاشِم، وَ قَدْ شَكَرَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ، وَ ثَبَّتَ لَكَ مُلْكَكَ، وَ زَادَ فِي عُمُرِكَ» وَ بَعَثَ بِهِ مَعَ غُلاَم لَهُ بِتَارِيخِ السَّاعَةِ الَّتِي أَنْفَذَ فِيهَا عَبْدُ الْمَلِكِ كِتَابَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ .
فَلَمَّا قَدِمَ الْغُلاَمُ أَوْصَلَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي تَأرِيخِ الْكِتَابِ، فَوَجَدَهُ مُوَافِقاً لِتَارِيخِ كِتَابِهِ، فَلَمْ يَشُكَّ فِي صِدْقِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ، وَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِوِقْرِ دَنَانِيرَ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يَبْسُطَ إِلَيْهِ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ وَ حَوَائِجِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَوَالِيهِ، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ(عليه السلام): «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) أَتَانِي فِي النَّوْمِ، فَعَرَّفَنِي مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، وَمَا شُكِرَ مِنْ ذَلِكَ»  .
3. رُوِيَ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الْبَاقِرَ(عليه السلام) يَقُولُ : «خَدَمَ أَبُو خَالِد الْكَابُلِيُّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ شَكَا شِدَّةَ شَوْقِهِ إِلَى وَالِدَتِهِ، وَسَأَلَهُ الاِْذْنَ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهَا .
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليهما السلام) : يَا كَنْكَرُ، إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا غَداً رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لَهُ قَدْرٌ وَجَاهٌ وَمَالٌ وَابْنَةٌ لَهُ قَدْ أَصَابَهَا عَارِضٌ مِنَ الْجِنِّ وَ هُوَ يَطْلُبُ مُعَالِجاً يُعَالِجُهَا، وَ يَبْذُلُ فِي ذَلِكَ مَالَهُ، فَإِذَا قَدِمَ فَصِرْ إِلَيْهِ أَوَّلَ النَّاسِ، وَ قُلْ لَهُ : أَنَا أُعَالِجُ ابْنَتَكَ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَم، فَإِنَّهُ يَطْمَئِنُّ إِلَى قَوْلِكَ وَ يَبْذُلُ فِي ذَلِكَ .
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَدِمَ الشَّامِيُّ وَ مَعَهُ ابْنَتُهُ، وَ طَلَبَ مُعَالِجاً، فَقَالَ أَبُو خَالِد : أَنَا أُعَالِجُهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَم، فَإِنْ أَنْتُمْ وَفَيْتُمْ وَفَيْتُ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً، فَضَمِنَ أَبُوهَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : إِنَّهُ سَيَغْدِرُ بِكَ .
قَالَ : قَدْ أَلْزَمْتُهُ، قَالَ : فَانْطَلِقْ فَخُذْ بِأُذُنِ الْجَارِيَةِ الْيُسْرَى وَ قُلْ : يَا خَبِيثُ، يَقُولُ لَكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : اخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ، وَ لاَ تَعُدْ إِلَيْهَا .
فَفَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ، فَخَرَجَ عَنْهَا، وَ أَفَاقَتِ الْجَارِيَةُ مِنْ جُنُونِهَا، فَطَالَبَهُ بِالْمَالِ فَدَافَعَهُ، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: يَا بَا خَالِد : أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ يَغْدِرُ، وَلَكِنْ سَيَعُودُ إِلَيْهَا، فَإِذَا أَتَاكَ فَقُلْ: إِنَّمَا عَادَ إِلَيْهَا ; لاَِنَّكَ لَمْ تَفِ بِمَا ضَمِنْتَ، فَإِنْ وَضَعْتَ عَشَرَةَ آلاَف عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) فَإِنِّي أُعَالِجُهَا عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ أَبَداً. فَوَضَعَ الْمَالَ عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)، وَ ذَهَبَ أَبُو خَالِد إِلَى الْجَارِيَةِ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهَا الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ : يَا خَبِيثُ، يَقُولُ لَكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : اخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ، وَ لاَ تَتَعَرَّضْ لَهَا إِلاَّ بِسَبِيلِ خَيْر; فَإِنَّكَ إِنْ عُدْتَ أَحْرَقْتُكَ بِنَارِ اللَّهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الاَْفْئِدَةِ . فَخَرَجَ وَ أَفَاقَتِ الْجَارِيَةُ، وَ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، فَأَخَذَ أَبُو خَالِد الْمَالَ، وَ أَذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى وَالِدَتِهِ، فَخَرَجَ بِالْمَالِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى وَالِدَتِهِ»  .
4. رُوِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ لَمَّا خَرَّبَ الْكَعْبَةَ بِسَبَبِ مُقَاتَلَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ عَمَرُوهَا، فَلَمَّا أُعيدَ الْبَيْتُ وَ أَرَادُوا أَنْ يَنْصِبُوا الْحَجَرَ الاَْسْوَدَ فَكُلَّمَا نَصَبَهُ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، أَوْ قَاض مِنْ قُضَاتِهِمْ، أَوْ زَاهِدٌ مِنْ زُهَّادِهِمْ يَتَزَلْزَلُ وَ يَضْطَرِبُ، وَلاَ يَسْتَقِرُّ الْحَجَرُ فِي مَكَانِهِ، فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) وَ أَخَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَ سَمَّى اللهَ وَنَصَبَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي مَكَانِهِ، وَ كَبَّرَ النَّاسُ  .
5 . روى أَبِو خَالِد الْكَابُلِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: مَنِ الْحُجَّةُ، وَ الاِْمَامُ بَعْدَكَ ؟
فَقَالَ : «ابْنِي مُحَمَّدٌ، وَ اسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ الْبَاقِرُ يَبْقُرُ الْعِلْمَ بَقْراً، هُوَ الْحُجَّةُ وَ الاِْمَامُ بَعْدِي، وَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّد ابْنُهُ جَعْفَرٌ، وَ اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ الصَّادِقُ» .
فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي ، كَيْفَ صَارَ اسْمُهُ الصَّادِقَ وَ كُلُّكُمْ صَادِقُونَ ؟
فَقَالَ : «حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ(عليه السلام) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) قَالَ : إِذَا وُلِدَ ابْنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب، فَسَمُّوهُ الصَّادِقَ، فَإِنَّ الْخَامِسَ مِنْ وُلْدِهِ الَّذِي اسْمُهُ جَعْفَرٌ يَدَّعِي الاِْمَامَةَ; اجْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ; وَ كَذِباً عَلَيْهِ، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ، الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ، الْمُدَّعِي لِمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْل، الْمُخَالِفُ عَلَى أَبِيهِ، وَالْحَاسِدُ لاَِخِيهِ، ذَلِكَ الَّذِي يَكْشِفُ سِرَّ اللَّهِ عِنْدَ غَيْبَةِ وَلِيِّ اللَّهِ» .
ثُمَّ بَكَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ : «كَأَنِّي بِجَعْفَر الْكَذَّابِ وَ قَدْ حَمَلَ طَاغِيَةَ زَمَانِهِ عَلَى تَفْتِيشِ أَمْرِ وَلِيِّ اللَّهِ، وَ الْمُغَيَّبِ فِي حِفْظِ اللَّهِ، وَ التَّوْكِيلِ بِحَرَمِ أَبِيهِ; جَهْلاً مِنْهُ بِوِلاَدَتِهِ، وَ حِرْصاً عَلَى قَتْلِهِ إِنْ ظَفِرَ بِهِ; طَمَعاً فِي مِيرَاثِ أَبِيهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ» الْخَبَرَ  .
وغيرُ ذلكَ من المعجزاتِ .

الإمامُ محمّدُ بنُ عليّ الباقرِ(عليه السلام)
وأمّا الإمامُ محمّدُ بنُ علي الباقر(عليه السلام)، فلمْ يظهرْ مِمَّنْ كانَ عَالماً بآثارِ سنّةِ النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وعلومِ القرآنِ، وفنونِ العلمِ كما ظهرَ مِن الإمامِ بالحقِّ، محمّد بن عليّ(عليهما السلام) ، وقدْ كانَ يُضرَبُ به المثلُ في كثرةِ علمهِ وفضلهِ ، فقدْ وردتْ رواياتٌ كثيرةٌ في حُسنِ خُلقهِ ومَناقبهِ وعِلمهِ وحِلمهِ الخارقِ للعادة .
وقدْ قَالَ(عليه السلام) في خطبته : «نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ الرَّحْمَةِ، وَ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ، وَ مَوْضِعُ الْمَلاَئِكَةِ، وَ مَهْبَطُ الْوَحْيِ»  .
وقَالَ(عليه السلام) : «بَلِيَّةُ النَّاسِ عَلَيْنَا عَظِيمَةٌ إِنْ دَعَوْنَاهُمْ لَمْ يُجِيبُونَا، وَ إِنْ تَرَكْنَاهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا بِغَيْرِنَا»  .
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَر(عليه السلام)، قَالَ : «إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيّ(عليه السلام) لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ دَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرَى، فَاطِمَةَ، بِنْتَ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً، وَ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً، فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) ثُمَّ صَارَ ـ وَ اللَّهِ ـ ذَلِكَ الْكِتَابُ إِلَيْنَا» .
قَالَ : قُلْتُ : مَا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : فِيهِ ـ وَ اللَّهِ ـ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى أَنْ تَفْنَى الدُّنْيَا ، وَ اللَّهِ إِنَّ فِيهِ الْحُدُودَ حَتَّى أَنَّ فِيهِ أَرْشَ الْخَدْشِ»  .

معجزاتُهُ (عليه السلام)
1. رُوِيَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِير الْبَصْرِيِّ، قَالَ : قُلْتُ لِلْبَاقِرِ: مَا حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى اللَّهِ ؟ فَصَرَفَ وَجْهَهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ ثَلاَثاً ؟
فَقَالَ : «مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَوْ قَالَ لِتِلْكَ النَّخْلَةِ : أَقْبِلِي لاََقْبَلَتْ» .
قَالَ عَبَّادٌ : فَنَظَرْتُ ـ وَ اللَّهِ ـ إِلَى النَّخْلَةِ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ قَدْ تَحَرَّكَتْ مُقْبِلَةً، فَأَشَارَ إِلَيْهَا: «قِرِّي فَلَمْ أَعْنِك»  .
2. رُوِيَ عَنْ أَبِي بَصِير، قَالَ : كُنْتُ مَعَ الْبَاقِرِ(عليه السلام) فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله)قَاعِداً حِدْثَانَ مَا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) إِذْ دَخَلَ الدَّوَانِيقِيُّ وَ دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَبْلَ أَنْ أُفْضِيَ الْمُلْكُ إِلَى وُلْدِ الْعَبَّاسِ وَ مَا قَعَدَ إِلَى الْبَاقِرِ إِلاَّ دَاوُدُ .
فَقَالَ الْبَاقِرُ(عليه السلام) : «مَا مَنَعَ الدَّوَانِيقِيَّ أَنْ يَأْتِيَ» ؟ قَالَ :فِيهِ جَفَاءٌ .
قَالَ الْبَاقِرُ(عليه السلام) : «لاَ تَذْهَبُ الاَْيَّامُ حَتَّى يَلِيَ أَمْرَ هَذَا الْخَلْقِ، وَ يَطَأَ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ، وَ يَمْلِكَ شَرْقَهَا وَ غَرْبَهَا، وَ يَطُولُ عُمُرُهُ فِيهَا حَتَّى يَجْمَعَ مِنْ كُنُوزِ الاَْمْوَالِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لاَِحَد قَبْلَهُ» .
فَقَامَ دَاوُدُ وَأَخْبَرَ الدَّوَانِيقِيَّ بِذَلِكَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الدَّوَانِيقِيُّ وَ قَالَ :مَا مَنَعَنِي مِنَ الْجُلُوسِ إِلَيْكَ إِلاَّ إِجْلاَلُكَ، فَمَا الَّذِي خَبَّرَنِي بِهِ دَاوُدُ ؟
فَقَالَ: «هُوَ كَائِنٌ» .
قَالَ : وَ مُلْكُنَا قَبْلَ مُلْكِكُمْ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .
قَالَ : يَمْلِكُ بَعْدِي أَحَدٌ مِنْ وُلْدِي ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .
قَالَ : فَمُدَّةُ بَنِي أُمَيَّةَ أَكْثَرُ أَمْ مُدَّتُنَا ؟ قَالَ : «مُدَّتُكُمْ أَطْوَلُ، وَ لَيَتَلَقَّفَنَّ هَذَا الْمُلْكَ صِبْيَانُكُمْ، وَ يَلْعَبُونَ بِهِ كَمَا يَلْعَبُونَ بِالْكُرَةِ، هَذَا مَا عَهِدَهُ إِلَيَّ أَبِي» ، فَلَمَّا مَلِكَ الدَّوَانِيقِيُّ تَعَجَّبَ مِنْ قَوْلِ الْبَاقِرِ(عليه السلام)  .
3. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : رَكِبَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) يَوْماً إِلَى حَائِط لَهُ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَرَكِبْتُ مَعَهُ إِلَى ذَلِكَ الْحَائِطِ وَ مَعَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِد .
فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِد : ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ يَعْلَمُ الاِْمَامُ مَا فِي يَوْمِهِ ؟
فَقَالَ : «يَا سُلَيْمَانُ، وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ، وَ اصْطَفَاهُ بِالرِّسَالَةِ، إِنَّهُ لَيَعْلَمُ مَا فِي يَوْمِهِ، وَ فِي شَهْرِهِ، وَ فِي سَنَتِهِ ـ ثُمَّ قَالَ : ـ يَا سُلَيْمَانُ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ رُوحاً يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي لَيْلَةِ الْقِدْرِ فَيُعْلِمُ مَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى مَا فِي مِثْلِهَا مِنْ قَابِل، وَ عَلِمَ مَا يَحْدُثُ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ، وَ السَّاعَةَ تَرَى مَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قَلْبُكَ» .
قَالَ : فَوَ اللَّهِ مَا سِرْنَا إِلاَّ مِيلاً وَ نَحْوَ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ : «السَّاعَةَ يَسْتَقْبِلُكَ رَجُلاَنِ قَدْ سَرَقَا سَرِقَةً قَدْ أَضْمَرَا عَلَيْهَا»، فَوَ اللَّهِ مَا سِرْنَا إِلاَّ مِيلاً حَتَّى اسْتَقْبَلَنَا الرَّجُلاَنِ .
فَقَالَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) لِغِلْمَانِهِ: «عَلَيْكُمْ بِالسَّارِقَيْنِ»، فَأُخِذَا حَتَّى أُتِيَ بِهِمَا .
فَقَالَ : «سَرَقْتُمَا» فَحَلَفَا لَهُ بِاللَّهِ أَنَّهُمَا مَا سَرَقَا .
فَقَالَ : «وَاللَّهِ لاَِن  أَنْتُمَا لَمْ تُخْرِجَا مَا سَرَقْتُمَا لاََبْعَثَنَّ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُمَا فِيهِ سَرِقَتَكُمَا، وَ لاََبْعَثَنَّ إِلَى صَاحِبِكُمَا الَّذِي سَرَقْتُمَاهُ حَتَّى يَأْخُذَكُمَا، وَيَرْفَعَكُمَا إِلَى وَالِي الْمَدِينَةِ، فَرَأْيَكُمَا»، فَأَبَيَا أَنْ يَرُدَّا الَّذِي سَرَقَاهُ، فَأَمَرَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام)غِلْمَانَهُ أَنْ يَسْتَوْثِقُوا مِنْهُمَا، قَالَ : «فَانْطَلِقْ أَنْتَ يَا سُلَيْمَانُ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَة مِنَ الطَّرِيقِ «فَاصْعَدْ أَنْتَ وَ هَؤُلاَءِ الْغِلْمَانُ، فَإِنَّ فِي قُلَّةِ الْجَبَلِ كَهْفاً، فَادْخُلْ أَنْتَ فِيهِ بِنَفْسِكَ تَسْتَخْرِجُ مَا فِيهِ وَ تَدْفَعُهُ إِلَى مَوْلَى هَذَا; فَإِنَّ فِيهِ سَرِقَةً لِرَجُل آخَرَ، وَلَمْ يَأْتِ وَ سَوْفَ يَأْتِي»، فَانْطَلَقْتُ وَ فِي قَلْبِي أَمْرٌ عَظِيمٌ مِمَّا سَمِعْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْجَبَلِ، فَصَعِدْتُ إِلَى الْكَهْفِ الَّذِي وَصَفَهُ لِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عَيْبَتَيْنِ وِقْرَ رَجُلَيْنِ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِمَا أَبَا جَعْفَر(عليه السلام) .
فَقَالَ : «يَا سُلَيْمَانُ، إِنْ بَقِيتَ إِلَى غَد رَأَيْتَ الْعَجَبَ بِالْمَدِينَةِ مِمَّا يُظْلَمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَخَذَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) بِأَيْدِينَا فَأَدْخَلَنَا مَعَهُ عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ وَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِرِجَال بِرَاء، فَقَالَ : هَؤُلاَءِ سَرَقُوهَا وَ إِذَا الْوَالِي يَتَفَرَّسُهُمْ .
فَقَالَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام): «إِنَّ هَؤُلاَءِ بِرَاءٌ، وَ لَيْسَ هُمْ سُرَّاقَهُ وَ سُرَّاقُهُ عِنْدِي» ثُمَّ قَالَ لِرَجُل: «مَا ذَهَبَ لَكَ» ؟ قَالَ عَيْبَةٌ فِيهَا كَذَا وَ كَذَا، فَادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَ مَا لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ .
فَقَالَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) : «لِمَ تَكْذِبُ» ؟
فَقَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا ذَهَبَ مِنِّي، فَهَمَّ الْوَالِي أَنْ يَبْطِشَ بِهِ حَتَّى كَفَّهُ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) .
ثُمَّ قَالَ لِلْغُلاَمِ : «ائْتِنِي بِعَيْبَةِ كَذَا وَ كَذَا» فَأَتَى بِهَا ثُمَّ قَالَ لِلْوَالِي : «إِنِ ادَّعَى فَوْقَ هَذَا فَهُوَ كَاذِبٌ مُبْطِلٌ فِي جَمِيعِ مَا ادَّعَى، وَ عِنْدِي عَيْبَةٌ أُخْرَى لِرَجُل آخَرَ وَ هُوَ يَأْتِيكَ إِلَى أَيَّام، وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَرْبَرَ، فَإِذَا أَتَاكَ فَأَرْشِدْهُ إِلَيَّ، فَإِنَّ عَيْبَتَهُ عِنْدِي، وَأَمَّا هَذَانِ السَّارِقَانِ، فَلَسْتُ بِبَارِح مِنْ هَاهُنَا حَتَّى تَقْطَعَهُمَا»، فَأُتِيَ بِالسَّارِقَيْنِ فَكَانَا يَرَيَانِ أَنَّهُ لاَ يَقْطَعُهُمَا بِقَوْلِ أَبِي جَعْفَر(عليه السلام) فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِمَ تَقْطَعُنَا وَ لَمْ نُقِرَّ عَلَى أَنْفُسِنَا بِشَيْء ؟ قَالَ : وَيْلَكُمَا شَهِدَ عَلَيْكُمَا مَنْ لَوْ شَهِدَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ لاََجَزْتُ شَهَادَتَهُ، فَلَمَّا قَطَعَهُمَا قَالَ أَحَدُهُمَا : وَ اللَّهِ; يَا أَبَا جَعْفَر، لَقَدْ قَطَعْتَنِي بِحَقّ، وَ مَا سَرَّنِي أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ أَجْرَى تَوْبَتِي عَلَى يَدِ غَيْرِكَ، وَ أَنَّ لِي مَا حَازَتْهُ الْمَدِينَةُ، وَ إِنِّي لاََعْلَمُ أَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَ لَكِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَ عَلَيْكُمْ نَزَلَتِ الْمَلاَئِكَةُ، وَ أَنْتُمْ مَعْدِنُ الرَّحْمَةِ .
فَرَقَّ لَهُ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) وَ قَالَ لَهُ: «أَنْتَ عَلَى خَيْر» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْوَالِي وَ جَمَاعَةِ النَّاسِ فَقَالَ : «وَ اللَّهِ; لَقَدْ سَبَقَتْهُ يَدُهُ إِلَى الْجَنَّةِ بِعِشْرِينَ سَنَةً» .
فَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِد لاَِبِي حَمْزَةَ :يَا أَبَا حَمْزَةَ، رَأَيْتَ دَلاَلَةً أَعْجَبَ مِنْ هَذَا ؟
فَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ : الْعَجِيبَةُ فِي الْعَيْبَةِ الاُْخْرَى، فَوَ اللَّهِ; مَا لَبِثْنَا إِلاَّ هُنَيْئَةً حَتَّى جَاءَ الْبَرْبَرِيُّ إِلَى الْوَالِي وَ أَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهَا، فَأَرْشَدَهُ الْوَالِي إِلَى أَبِي جَعْفَر(عليه السلام) فَأَتَاهُ .
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر : «أَ لاَ أُخْبِرُكَ بِمَا فِي عَيْبَتِكَ قَبْلَ أَنْ تُخْبِرَنِي» ؟
فَقَالَ الْبَرْبَرِيُّ : إِنْ أَنْتَ أَخْبَرْتَنِي بِمَا فِيهَا عَلِمْتُ أَنَّكَ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَكَ .
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) : «أَلْفُ دِينَار لَكَ، وَ أَلْفُ دِينَار لِغَيْرِكَ، وَ مِنَ الثِّيَابِ كَذَا وَكَذَا» قَالَ: فَمَا اسْمُ الرَّجُلِ الَّذِي لَهُ الاَْلْفُ دِينَار ؟
قَالَ : «مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ».الحديث  .
3. رَوَى أَبُو بَصِير عَنِ الصَّادِقِ(عليه السلام) قَالَ : «كَانَ أَبِي فِي مَجْلِس لَهُ ذَاتَ يَوْم إِذْ أَطْرَقَ رَأْسَهُ إِلَى الاَْرْضِ، فَمَكَثَ فِيهَا مَكْثاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : يَا قَوْمِ، كَيْفَ أَنْتُمْ إِنْ جَاءَكُمْ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مَدِينَتَكُمْ هَذِهِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَف حَتَّى يَسْتَعْرِضَكُمْ بِالسَّيْفِ ثَلاَثَةَ أَيَّام، فَيَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ، وَ تَلْقَوْنَ مِنْهُ بَلاَءً لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَدْفَعُوهَا، وَ ذَلِكَ مِنْ قَابِل، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي قُلْتُ هُوَ كَائِنٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ .
فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى كَلاَمِهِ، وَ قَالُوا : لاَ يَكُونُ هَذَا أَبَداً، وَ لَمْ يَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ إِلاَّ نَفَرٌ يَسِيرٌ وَ بَنُو هَاشِم، فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً، وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ كَلاَمَهُ هُوَ الْحَقُّ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِل تَحَمَّلَ أَبُو جَعْفَر بِعِيَالِهِ، وَ بَنُو هَاشِم، وَ جَاءَ نَافِعُ بْنُ الاَْزْرَقِ حَتَّى كَبَسَ الْمَدِينَةَ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ، وَ فَضَحَ نِسَاءَهُمْ، فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ : لاَ نَرُدُّ عَلَى أَبِي جَعْفَر شَيْئاً نَسْمَعُهُ مِنْهُ أَبَداً بَعْدَ مَا سَمِعْنَا وَ رَأَيْنَا; فَإِنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَيَنْطِقُونَ بِالْحَقِّ»  .

الإمامُ جعفرُ بنُ محمّدالصادق(عليه السلام)
وأمّا الإمامُ جعفرُ بنُ محمّد الصادقِ(عليه السلام)، فقدْ كانَ أعظمَ أهلِ ذلكَ الزمانِ من حيث القدرِ والجلالةِ عندَ العامّةِ والخاصّةِ ، وكانَ ذكرُهُ منتشراً في البلدانِ ، وقدْ نقلَ عنه الناسُ وعن آبائه(عليهم السلام) علوماً فيها دلائلُ واضحةٌ أذْعَنَ بِها حتّى المخالفينَ .
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنِ ابْنِ مَحْبُوب، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِم، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَر(عليه السلام) قَالَ: «سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ(عليه السلام)، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام)، فَقَالَ : هَذَا ـ وَ اللَّهِ ـ قَائِمُ آلِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)».
قَالَ عَنْبَسَةُ: فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام)، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ : «صَدَقَ جَابِرٌ». ثُمَّ قَالَ : «لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ إِمَام هُوَ الْقَائِمَ بَعْدَ الاِْمَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ»  .

معجزاتُهُ (عليه السلام):
1. رُوِيَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد(عليه السلام)بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى; إِذْ مَرَرْنَا بِامْرَأَة بَيْنَ يَدَيْهَا بَقَرَةٌ مَيْتَةٌ وَ هِيَ مَعَ صَبِيَّة لَهَا تَبْكِيَانِ ، فَقَالَ(عليه السلام) : مَا «شَأْنُكِ» .
قَالَتْ : كُنْتُ وَ صَبَايَايَ نَعِيشُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ وَ قَدْ مَاتَتْ لَقَدْ تَحَيَّرْتُ فِي أَمْرِي .
قَالَ : «أَ فَتُحِبِّينَ أَنْ يُحْيِيَهَا اللَّهُ لَكِ» ؟ قَالَتْ أَ وَ تَسْخَرُ مِنِّي مَعَ مُصِيبَتِي ؟ !
قَالَ : «كَلاَّ مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ» ثُمَّ دَعَا بِدُعَاء ثُمَّ رَكَضَهَا بِرِجْلِهِ، وَ صَاحَ بِهَا، فَقَامَتِ الْبَقَرَةُ مُسْرِعَةً سَوِيَّةً .
فَقَالَتْ : عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ، فَدَخَلَ الصَّادِقُ(عليه السلام) بَيْنَ النَّاسِ فَلَمْ تَعْرِفْهُ الْمَرْأَةُ  .
2. رُوِيَ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَحْيَى قَالَ : قَالَ لِيَ الْعَبْدِيُّ : قَالَتْ أَهْلِي : قَدْ طَالَ عَهْدُنَا بِالصَّادِقِ(عليه السلام) فَلَوْ حَجَجْنَا وَجَدَّدْنَا بِهِ الْعَهْدَ .
فَقُلْتُ لَهَا : وَاللَّهِ مَا عِنْدِي شَيْءٌ أَحُجُّ بِهِ .
فَقَالَتْ : عِنْدَنَا كِسْوَةٌ وَحُلِيٌّ، فَبِعْ ذَلِكَ، وَ تَجَهَّزْ بِهِ، فَفَعَلْتُ فَلَمَّا صِرْنَا قُرْبَ الْمَدِينَةِ مَرِضَتْ مَرَضاً شَدِيداً وَ أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا وَ أَنَا آيِسٌ مِنْهَا، فَأَتَيْتُ الصَّادِقَ(عليه السلام) وَ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَجَابَنِي وَ سَأَلَنِي عَنْهَا، فَعَرَّفْتُهُ خَبَرَهَا، وَ قُلْتُ: إِنِّي خَرَجْتُ وَ قَدْ أَيِسْتُ مِنْهَا، فَأَطْرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ قَالَ : «يَا عَبْدِيُّ، أَنْتَ حَزِينٌ بِسَبَبِهَا» ؟ قُلْتُ : نَعَمْ قَالَ : «لاَ بَأْسَ عَلَيْهَا فَقَدْ دَعَوْتُ اللهَ لَهَا بِالْعَافِيَةِ، فَارْجِعْ إِلَيْهَا، فَإِنَّكَ تَجِدُهَا قَاعِدَةً وَ الْخَادِمَةُ تُلْقِمُهَا الطَّبَرْزَدَ»، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا مُبَادِراً، فَوَجَدْتُهَا قَدْ أَفَاقَتْ وَ هِيَ قَاعِدَةٌ وَالْخَادِمَةُ تُلْقِمُهَا الطَّبَرْزَدَ، فَقُلْتُ: مَا حَالُكِ ؟ قَالَتْ: قَدْ صَبَّ اللَّهُ عَلَيَّ الْعَافِيَةَ صَبّاً، وَ قَدِ اشْتَهَيْتُ هَذَا السُّكَّرَ .
فَقُلْتُ : خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكِ آيِساً، فَسَأَلَنِي الصَّادِقُ(عليه السلام) عَنْكِ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَالِكِ، فَقَالَ : «لاَ بَأْسَ عَلَيْهَا، ارْجِعْ إِلَيْهَا فَهِيَ تَأْكُلُ السُّكَّرَ» .
قَالَتْ : خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي وَ أَنَا أَجُودُ بِنَفْسِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ قَالَ : «مَا لَكِ» ؟ قُلْتُ : أَنَا مَيِّتَةٌ وَ هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ قَدْ جَاءَ يَقْبِضُ رُوحِى، فَقَالَ : «يَا مَلَكَ الْمَوْتِ» قَالَ : لَبَّيْكَ أَيُّهَا الاِْمَامُ، قَالَ : «أَ لَسْتَ أُمِرْتَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَنَا» ؟
قَالَ : بَلَى .
قَالَ : «فَإِنِّي آمُرُكَ أَنْ تُؤَخِّرَ أَمْرَهَا عِشْرِينَ سَنَةً» .
قَالَ : السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ .
قَالَتْ : فَخَرَجَ هُوَ وَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَأَفَقْتُ مِنْ سَاعَتِي  .
3. رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ : حَجَجْتُ مَعَ الصَّادِقِ(عليه السلام)، فَجَلَسْنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَحْتَ نَخْلَة يَابِسَة، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِدُعَاء لَمْ أَفْهَمْهُ، ثُمَّ قَالَ : «يَا نَخْلَةُ أَطْعِمِينَا مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ فِيكِ مِنْ رِزْقِ عِبَادِهِ» قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى النَّخْلَةِ وَ قَدْ تَمَايَلَتْ نَحْوَ الصَّادِقِ(عليه السلام) وَ عَلَيْهَا أَوْرَاقُهَا، وَ عَلَيْهَا الرُّطَبُ ، قَالَ : «ادْنُ وَ سَمِّ وَ كُلْ» ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا رُطَباً أَعْذَبَ رُطَب وَ أَطْيَبَهُ، فَإِذَا نَحْنُ بِأَعْرَابِيّ يَقُولُ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ سِحْراً أَعْظَمَ مِنْ هَذَا !
فَقَالَ الصَّادِقُ(عليه السلام) : «نَحْنُ وَرَثَةُ الاَْنْبِيَاءِ، لَيْسَ فِينَا سَاحِرٌ، وَلاَ كَاهِنٌ، بَلْ نَدْعُو اللهَ فَيُجِيبُ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أَدْعُوَ اللهَ فَيَمْسَخَكَ كَلْباً تَهْتَدِي إِلَى مَنْزِلِكَ، وَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَ تُبَصْبِصُ لاَِهْلِكَ» .
قَالَ الاَْعْرَابِيُّ بِجَهْلِهِ : بَلَى، فَادْعُ اللهَ، فَصَارَ كَلْباً فِي وَقْتِهِ، وَ مَضَى عَلَى وَجْهِهِ .
فَقَالَ لِيَ الصَّادِقُ(عليه السلام) : «اتَّبِعْهُ» فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَجَعَلَ يُبَصْبِصُ لاَِهْلِهِ وَ وُلْدِهِ، فَأَخَذُوا لَهُ عَصًا فَأَخْرَجُوهُ .
فَانْصَرَفْتُ إِلَى الصَّادِقِ(عليه السلام)، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي حَدِيثِهِ إِذْ أَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الصَّادِقِ(عليه السلام) وَ جَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ، فَأَقْبَلَ يَتَمَرَّغُ فِي التُّرَابِ، فَيَعْوِي، فَرَحِمَهُ فَدَعَا اللهَ، فَعَادَ أَعْرَابِيّاً .
فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ(عليه السلام) : «هَلْ آمَنْتَ يَا أَعْرَابِيُّ» ؟
قَالَ : نَعَمْ أَلْفاً وَأَلْفاً  .
4. رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ الصَّادِقِ(عليه السلام) مَعَ جَمَاعَة، فَقُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ لاِِبْرَاهِيمَ (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ)  أَ كَانَتْ أَرْبَعَةً مِنْ أَجْنَاس مُخْتَلِفَة ؟ أَوْ مِنْ جِنْس وَاحِد ؟
قَالَ : «أَ تُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ مِثْلَهُ» ؟ قُلْنَا : بَلَى .
قَالَ : «يَا طَاوُسُ» فَإِذَا طَاوُسٌ طَارَ إِلَى حَضْرَتِهِ ثُمَّ قَالَ : «يَا غُرَابُ» فَإِذَا غُرَابٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : «يَا بَازِيُّ» فَإِذَا بَازِيٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ : «يَا حَمَامَةُ» فَإِذَا حَمَامَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ .
ثُمَّ أَمَرَ بِذَبْحِهَا كُلِّهَا، وَ تَقْطِيعِهَا، وَ نَتْفِ رِيشِهَا، وَ أَنْ يُخْلَطَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْضُهُ بِبَعْض .
ثُمَّ أَخَذَ بِرَأْسِ الطَّاوُسِ، فَرَأَيْنَا لَحْمَهُ وَ عِظَامَهُ وَ رِيشَهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى أُلْصِقَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِرَأْسِهِ، وَ قَامَ الطَّاوُسُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَيّاً .
ثُمَّ صَاحَ بِالْغُرَابِ كَذَلِكَ، وَ بِالْبَازِيِّ، وَ الْحَمَامَةِ، كَذَلِكَ فَقَامَتْ كُلُّهَا أَحْيَاءً بَيْنَ يَدَيْهِ  .

الإمامُ موسى بنُ جعفرالكاظم(عليه السلام)
وأمّا الإمامُ موسى بنُ جعفر الكاظمُ(عليه السلام)، فقدْ كانَ جامعاً لذُرى الفضلِ والكمالِ ، وكان أعبدَ أهلِ زمانِه وأفضلَهم وأسخاَهم وأكرمَهم ، وكانَ يُكْثِرُ مِن السجودِ ، ثمّ يؤدّي الصلاةَ وبعدَها يسجدُ مرّةً ثانيةً ، وكانَ هذا دأبَه ، كما أنّه صبرَ على ظلمِ الظالمينَ حتّى استُشهدَ .
رَوَى عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبِ الْخَزَّازِ، عَنْ ثُبَيْت، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِير، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام)، قَالَ قُلْتُ لَهُ : أَسْأَلُ اللهَ الَّذِي رَزَقَ أَبَاكَ مِنْكَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ قَبْلَ الْمَمَاتِ مِثْلَهَا فَقَالَ: «قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ» ، قَالَ قُلْتُ: مَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ فَأَشَارَ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَ هُوَ رَاقِدٌ فَقَالَ: هَذَا الرَّاقِد وَ هُوَ غُلاَمٌ»  .

معجزاتُهُ (عليه السلام):
1. رُوِيَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ : لَمَّا قَضَى الصَّادِقُ(عليه السلام) كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي الاِْمَامَةِ إِلَى مُوسَى الْكَاظِمِ فَادَّعى أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ الاِْمَامَةَ، وَكَانَ أَكْبَرَ وُلْدِ جَعْفَر(عليه السلام)فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ، وَ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالاَْفْطَحِ، فَأَمَرَ مُوسَى بِجَمْعِ حَطَب كَثِير فِي وَسَطِ دَارِهِ،فَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا صَارَ عِنْدَهُ وَ مَعَ مُوسَى جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ الاِْمَامِيَّةِ، فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، أَمَرَ مُوسَى أَنْ يُجْعَلَ النَّارُ فِي ذَلِكَ الْحَطَبِ كُلِّهِ فَاحْتَرَقَ كُلُّهُ، وَ لاَ يَعْلَمُ النَّاسُ السَّبَبَ فِيهِ حَتَّى صَارَ الْحَطَبُ كُلُّهُ جَمْراً، ثُمَّ قَامَ مُوسَى وَ جَلَسَ بِثِيَابِهِ فِي وَسَطِ النَّارِ، وَ أَقْبَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ فَنَفَضَ ثَوْبَهُ، وَ رَجَعَ إِلَى الْمَجْلِسِ .
فَقَالَ لاَِخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ : «إِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ الاِْمَامُ بَعْدَ أَبِيكَ فَاجْلِسْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ» .
فَقَالُوا : فَرَأَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ دَارِ مُوسَى(عليه السلام)  .
2. قَالَ بَدْرٌ مَوْلَى الرِّضَا(عليه السلام): إِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عَمَّار دَخَلَ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَر(عليه السلام)، فَجَلَسَ عِنْدَهُ إِذَا اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ خُرَاسَانِيٌّ، فَكَلَّمَهُ بِكَلاَم لَمْ يُسْمَعْ مِثْلُهُ قَطُّ ، كَأَنَّهُ كَلاَمُ الطَّيْرِ .
قَالَ إِسْحَاقُ : فَأَجَابَهُ مُوسَى بِمِثْلِهِ وَ بِلُغَتِهِ إِلَى أَنْ قَضَى وَطَرَهُ مِنْ مُسَاءَلَتِهِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ : مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلاَمِ !
قَالَ : «هَذَا كَلاَمُ قَوْم مِنْ أَهْلِ الصِّينِ مِثْلَهُ» ثُمَّ قَالَ : «أَ تَعْجَبُ مِنْ كَلاَمِي بِلُغَتِهِ ؟
قُلْتُ : هُوَ مَوْضِعُ التَّعَجُّبِ .
قَالَ(عليه السلام) : «أُخْبِرُكَ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْهُ، إِنَّ الاِْمَامَ يَعْلَمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَ مَنْطِقَ كُلِّ ذِي رُوح خَلَقَهُ اللَّهُ، وَ مَا يَخْفَى عَلَى الاِْمَامِ شَيْءٌ»  .
3. رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : أَخَذَ بِيَدِي مُوسَى بْنُ جَعْفَر(عليه السلام) يَوْماً، فَخَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الصَّحْرَاءِ فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُل مَغْرِبِيّ عَلَى الطَّرِيقِ يَبْكِي، وَبَيْنَ يَدَيْهِ حِمَارٌ مَيِّتٌ، وَ رَحْلُهُ مَطْرُوحٌ .
فَقَالَ لَهُ مُوسَى(عليه السلام) : «مَا شَأْنُكَ» ؟ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رُفَقَائِي نُرِيدُ الْحَجَّ فَمَاتَ حِمَارِي هَاهُنَا، وَ بَقِيتُ وَمَضَى أَصْحَابِي، وَ قَدْ بَقِيتُ مُتَحَيِّراً لَيْسَ لِي شَيْءٌ أَحْمِلُ عَلَيْهِ .
فَقَالَ مُوسَى : «لَعَلَّهُ لَمْ يَمُتْ» ؟ قَالَ : أَ مَا تَرْحَمُنِي حَتَّى تَلْهُوَ بِي .
قَالَ : «إِنَّ عِنْدِي رُقْيَةً جَيِّدَةً» . قَالَ الرَّجُلُ : لَيْسَ يَكْفِينِي مَا أَنَا فِيهِ حَتَّى تَسْتَهْزِئَ بِي .
فَدَنَا مُوسَى مِنَ الْحِمَارِ وَ نَطَقَ بِشَيْء لَمْ أَسْمَعْهُ، وَ أَخَذَ قَضِيباً كَانَ مَطْرُوحاً، فَضَرَبَهُ وَ صَاحَ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ الْحِمَارُ صَحِيحاً سَلِيماً .
فَقَالَ: «يَا مَغْرِبِيُّ ، تَرَى هَاهُنَا شَيْئاً مِنَ الاِسْتِهْزَاءِ، الْحَقْ بِأَصْحَابِكَ»، وَ مَضَيْنَا وَ تَرَكْنَاهُ .
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ : فَكُنْتُ وَاقِفاً يَوْماً عَلَى بِئْرِ زَمْزَمَ بِمَكَّةَ فَإِذَا الْمَغْرِبِيُّ هُنَاكَ، فَلَمَّا رَآنِي عَدَا إِلَيَّ وَ قَبَّلَ يَدِي فَرَحاً مَسْرُوراً، فَقُلْتُ لَهُ: مَا حَالُ حِمَارِكَ ؟
فَقَالَ : هُوَ وَ اللَّهِ سَلِيمٌ صَحِيحٌ، وَ مَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ فَأَحْيَا لِي حِمَارِي بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ !
فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ بَلَغْتَ حَاجَتَكَ فَلاَ تَسْأَلْ عَمَّا لاَ تَبْلُغُ مَعْرِفَتَهُ  .
4. رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ سِنَان، قَالَ : حَمَلَ الرَّشِيدُ فِي بَعْضِ الاَْيَّامِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ يَقْطِين ثِيَاباً أَكْرَمَهُ بِهَا، وَ كَانَ فِي جُمْلَتِهَا دُرَّاعَةُ خَزّ سَوْدَاءُ مِنْ لِبَاسِ الْمُلُوكِ مُثْقَلَةً بِالذَّهَبِ .
فَأَنْفَذَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِين جُلَّ تِلْكَ الثِّيَابِ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ، مُوسَى بْنِ جَعْفَر(عليه السلام)، وَأَنْفَذَ فِي جُمْلَتِهَا تِلْكَ الدُّرَّاعَةَ، وَ أَضَافَ إِلَيْهَا مَالاً كَانَ أَعَدَّهُ لَهُ عَلَى رَسْم لَهُ فِيمَا يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ مِنْ خُمُسِ مَالِه .
فَلَمَّا وَصَلَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ قَبِلَ الْمَالَ وَ الثِّيَابَ وَ رَدَّ الدُّرَّاعَةَ عَلَى يَدِ الرَّسُولِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ يَقْطِين، وَ كَتَبَ إِلَيْهِ «أَنِ احْتَفِظْ بِهَا، وَ لاَ تُخْرِجْهَا عَنْ يَدِكَ، فَسَيَكُونُ لَكَ بِهَا شَأْنٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهَا مَعَهُ» .
فَارْتَابَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِين بِرَدِّهَا عَلَيْهِ وَ لَمْ يَدْرِ مَا سَبَبُ ذَلِكَ، فَاحْتَفَظَ بِالدُّرَّاعَةِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّام تَغَيَّرَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِين عَلَى غُلاَم كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ، فَصَرَفَهُ عَنْ خِدْمَتِهِ، وَ كَانَ الْغُلاَمُ يَعْرِفُ مَيْلَ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِين إِلَى أَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام) وَ يَقِفُ عَلَى مَا يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْت مِنْ مَال وَ ثِيَاب وَ أَلْطَاف وَ غَيْرِ ذَلِكَ، فَسَعَى بِهِ إِلَى الرَّشِيدِ، فَقَالَ : إِنَّهُ يَقُولُ بِإِمَامَةِ مُوسَى بْنِ جَعْفَر، وَ يَحْمِلُ إِلَيْهِ خُمُسَ مَالِهِ فِي كُلِّ سَنَة، وَ قَدْ حَمَلَ إِلَيْهِ الدُّرَّاعَةَ الَّتِي أَكْرَمَهُ بِهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي وَقْت كَذَا وَ كَذَا .
فَاسْتَشَاطَ الرَّشِيدُ لِذَلِكَ، وَ غَضِبَ غَضَباً، وَ قَالَ : لاََكْشِفَنَّ عَنْ هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ الاَْمْرُ كَمَا يَقُولُ أَزْهَقْتُ نَفْسَهُ وَ أَنْفَذَ فِي الْوَقْتِ بِإِحْضَارِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِين، فَلَمَّا مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ : مَا فَعَلْتَ بِالدُّرَّاعَةِ الَّتِي كَسَوْتُكَ بِهَا ؟
قَالَ : هِيَ ـ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ـ عِنْدِي فِي سَفَط مَخْتُوم فِيهِ طِيبٌ، وَ قَدِ احْتَفَظْتُ بِهَا، وَ قَلَّمَا أَصْبَحْتُ إِلاَّ وَ فَتَحْتُ السَّفَطَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا تَبَرُّكاً بِهَا، وَ قَبَّلْتُهَا، وَ رَدَدْتُهَا إِلَى مَوْضِعِهَا، وَ كُلَّمَا أَمْسَيْتُ صَنَعْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَحْضِرْهَا السَّاعَةَ .
قَالَ : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ اسْتَدْعَى بَعْضَ خَدَمِهِ، وَ قَالَ لَهُ : امْضِ إِلَى الْبَيْتِ الْفُلاَنِيِّ مِنَ الدَّارِ، فَخُذْ مِفْتَاحَهُ مِنْ خَازِنَتِي، فَافْتَحْهُ، وَ افْتَحِ الصُّنْدُوقَ الْفُلاَنِيَّ، وَ جِئْنِي بِالسَّفَطِ الَّذِي فِيهِ بِخَتْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثِ الْغُلاَمُ أَنْ جَاءَهُ بِالسَّفَطِ مَخْتُوماً، فَوَضِعَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّشِيدِ فَأَمَرَ بِكَسْرِ خَتْمِهِ وَ فَتْحِهِ، فَلَمَّا فُتِحَ نَظَرَ إِلَى الدُّرَّاعَةِ فِيهِ بِحَالِهَا مَطْوِيَّةً مَدْفُونَةً فِي الطِّيبِ .
فَسَكَنَ الرَّشِيدُ مِنْ غَضَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ يَقْطِين: ارْدُدْهَا إِلَى مَكَانِهَا، وَ انْصَرِفْ رَاشِداً، فَلَنْ أُصَدِّقَ عَلَيْكَ بَعْدَهَا سَاعِياً، وَ أَمَرَ أَنْ يُتْبَعَ بِجَائِزَة سَنِيَّة، وَ تَقَدَّمَ بِضَرْبِ السَّاعِي أَلْفَ سَوْط، فَضُرِبَ نَحْواً مِنْ خَمْسِمِائَةِ سَوْط فَمَاتَ فِي ذَلِكَ  .
5. رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ يَقْطِين كَتَبَ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَر(عليه السلام): اخْتُلِفَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكْتُبَ مَا يَكُونُ عَمَلِي عَلَيْهِ فَعَلْتَ .
فَكَتَبَ أَبُو الْحَسَنِ : «الَّذِي آمُرُكَ بِهِ أَنْ تَتَمَضْمَضَ ثَلاَثاً، وَ تَسْتَنْشِقَ ثَلاَثاً، وَتَغْسِلَ وَجْهَكَ ثَلاَثاً، وَ تُخَلِّلَ شَعْرَ لِحْيَتِكَ ثَلاَثاً، وَ تَغْسِلَ يَدَيْكَ ثَلاَثاً، وَ تَمْسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْكَ وَ بَاطِنَهُمَا، وَ تَغْسِلَ رِجْلَيْكَ ثَلاَثاً، وَ لاَ تُخَالِفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ» .
فَامْتَثَلَ أَمْرَهُ، وَ عَمِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: أُحِبُّ أَنْ أَسْتَبْرِئَ أَمْرَ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِين، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ رَافِضِيٌّ وَ الرَّافِضَةَ يُخَفِّفُونَ فِي الْوُضُوءِ، فَنَاطَهُ بِشَيْء مِنَ الشُّغُلِ فِي الدَّارِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الصَّلاَةِ وَ وَقَفَ الرَّشِيدُ وَرَاءَ حَائِطِ الْحُجْرَةِ بِحَيْثُ يَرَى عَلِيَّ بْنَ يَقْطِين وَ لاَ يَرَاهُ هُوَ، وَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْمَاءِ لِلْوُضُوءِ، فَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَهُ مُوسَى .
فَقَامَ الرَّشِيدُ وَ قَالَ : كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّكَ رَافِضِيٌّ، فَوَرَدَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ يَقْطِين كِتَابُ مُوسَى بْنِ جَعْفَر «تَوَضَّأْ مِنَ الآْنَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، اغْسِلْ وَجْهَكَ مَرَّةً فَرِيضَةً وَالاُْخْرَى إِسْبَاغاً، وَ اغْسِلْ يَدَيْكَ مِنَ الْمِرْفَقَيْنِ كَذَلِكَ، وَ امْسَحْ مُقَدَّمَ رَأْسِكَ وَظَاهِرَ قَدَمَيْكَ مِنْ فَضْلِ نَدَاوَةِ وَضُوئِكَ، فَقَدْ زَالَ مَا يُخَافُ عَلَيْكَ»  .

الإمامُ عليّ بنُ موسى الرضا(عليه السلام)
وأمّا الإمامُ عليُّ بنُ موسى الرضا(عليه السلام)، فقدْ ظهرَ علمُه ]سيّما في مناظراتِهِ معَ أربابِ المللِ والنحلِ، وأصحابِ الأديانِ والمذاهبِ حيثُ كانَ يقيمُ عليهم الحجّةَ البالغةَ[، وظهرَ تواضعُه وتقوَاه ورفقُه وتصرّفُه مع الخَلق، وغير ذلك مِن سَجاياهُ النَبيلةِ، كالحلْمِ، والصبْر ، والعفوِ عنِ المسيءِ ، ِوحُسْنِ الخُلقِ .
رَوَى عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْم، عَنْ نُعَيْم الْقَابُوسِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام)، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ ابْنِي عَلِيّاً أَكْبَرُ وُلْدِي، وَ أَبَرُّهُمْ عِنْدِي، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ، وَ هُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي الْجَفْرِ، وَ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيّ»  .

معجزاتُهُ (عليه السلام):
1. عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْقَزَّازِ وَ كَانَ يَأمُّ فِي مَسْجِدِ الرِّضَا بِخُرَاسَانَ قَالَ: أَلْحَحْتُ عَلَى الرِّضَا(عليه السلام)فِي شَيْء طَلَبْتُهُ مِنْهُ، فَخَرَجَ يَسْتَقْبِلُ بَعْضَ الطَّالِبِيِّينَ وَجَاءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ، فَمَالَ إِلَى قَصْر هُنَاكَ، فَنَزَلَ تَحْتَ صَخْرَة بِقُرْبِ الْقَصْرِ وَ أَنَا مَعَهُ وَلَيْسَ مَعَنَا ثَالِثٌ .
فَقَالَ : «أَذِّنْ» ، فَقُلْتُ : تَنْتَظِرُ يَلْحَقُ بِنَا أَصْحَابُنَا ، فَقَالَ : «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، لاَ تُؤَخِّرَنَّ صَلاَةً عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عِلَّة ، عَلَيْكَ أبْدَاً بِأَوَّلِ الْوَقْتِ» فَأَذَّنْتُ وَصَلَّيْنَا .
فَقُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، قَدْ طَالَتِ الْمُدَّةُ فِي الْعِدَةِ الَّتِي وَعَدْتَنِيهَا وَأَنَا مُحْتَاجٌ وَأَنْتَ كَثِيرُ الشُّغُلِ، وَ لاَ أَظْفَرُ بِمَسْأَلَتِكَ كُلَّ وَقْت .
قَالَ : فَحَكَّ بِسَوْطِهِ الاَْرْضَ حَكّاً شَدِيداً ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الْحَكِّ فَأَخْرَجَ سَبِيكَةَ ذَهَب .
فَقَالَ : «خُذْهَا، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، وَ انْتَفِعْ بِهَا، وَ اكْتُمْ مَا رَأَيْتَ» .
قَالَ : فَبُورِكَ لِي فِيهَا حَتَّى اشْتَرَيْتُ بِخُرَاسَانَ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ سَبْعِينَ أَلْفَ دِينَار، فَصِرْتُ أَغْنَى النَّاسِ مِنْ أَمْثَالِي هُنَاكَ.
2. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ : مَرَّ بِنَا الرِّضَا(عليه السلام) فَاخْتَصَمْنَا فِي إِمَامَتِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجْتُ أَنَا وَ تَمِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّرَّاجُ مِنْ أَهْلِ بِرْمَةَ وَ نَحْنُ مُخَالِفُونَ لَهُ نَرَى رَأْيَ الزَّيْدِيَّةِ .
فَلَمَّا صِرْنَا فِي الصَّحْرَاءِ وَ إِذَا نَحْنُ بِضِيَاء، فَأَوْمَأَ أَبُو الْحَسَنِ(عليه السلام) إِلَى خِشْف مِنْهَا فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ أَبُو الْحَسَنِ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَ رَفَعَهُ إِلَى غُلاَمِهِ، فَجَعَلَ الْخِشْفُ يَضْطَرِبُ لِكَيْ يَرْجِعَ إِلَى مَرْعَاهُ، فَكَلَّمَهُ الرِّضَا بِكَلاَم لاَ نَفْهَمُهُ فَسَكَنَ .
ثُمَّ قَالَ : «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ» ؟
قُلْتُ : بَلَى يَا سَيِّدِي، أَنْتَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ أَنَا تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لِلظَّبْيِ: «اذْهَبْ» فَجَاءَ الظَّبْيُ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَتَمَسَّحَ بِأَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام) وَ رَعَى .
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ(عليه السلام) : «تَدْرِي مَا تَقُولُ» ؟
قُلْنَا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ .
قَالَ : «تَقُولُ : دَعَوْتَنِي فَرَجَوْتُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ لَحْمِي فَأَجَبْتُكَ، وَ أَحْزَنْتَنِي حِينَ أَمَرْتَنِي بِالذَّهَابِ»  .
3. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد الْمَعْرُوفُ بِغَزَال قَالَ : كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام)فِي حَائِط لَهُ إِذْ جَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ أَخَذَ يَصِيحُ وَ يُكْثِرُ الصِّيَاحَ وَيَضْطَرِبُ .
فَقَالَ لِي : «تَدْرِي مَا يَقُولُ هَذَا الْعُصْفُورُ» ؟
قُلْتُ : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ وَلِيُّهُ أَعْلَمُ .
فَقَالَ: «يَقُولُ : يَا مَوْلاَيَ، إِنَّ حَيَّةً تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَ فِرَاخِي فِي الْبَيْتِ. فَقُمْ بِنَا نَدْفَعْهَا عَنْهُ وَ عَنْ فِرَاخِهِ» فَقُمْنَا وَ دَخَلْنَا الْبَيْتَ فَإِذَا حَيَّةٌ تَجُولُ فِي الْبَيْتِ فَقَتَلْنَاهَا  .
4. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الاَْفْطَسِ قال: دَخَلْتُ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَقَرَّبَنِي وَحَيَّانِي، ثُمَّ قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ الرِّضَا(عليه السلام) مَا كَانَ أَعْلَمَهُ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِعَجَب سَأَلْتُهُ لَيْلَةً وَقَدْ بَايَعَ لَهُ النَّاسُ، فَقُلْتُ لَهُ: ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ أَرَى لَكَ أَنْ تَمْضِيَ إِلَى الْعِرَاقِ وَ أَكُونَ خَلِيفَتَكَ بِخُرَاسَانَ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ : «لاَ لَعَمْرِي، وَ لَكِنَّهُ مِنْ دُونِ خُرَاسَانَ، قَدْ جَاءَتْ أَنَّ لَنَا هَاهُنَا مَسْكَناً وَ لَسْتُ بِبَارِح حَتَّى يَأْتِيَنِي الْمَوْتُ، وَ مِنْهَا الْمَحْشَرُ لاَ مَحَالَةَ» .
فَقُلْتُ لَهُ : ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ وَ مَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ ؟ قَالَ : «عِلْمِي بِمَكَانِي كَعِلْمِي بِمَكَانِكَ» قُلْتُ: وَ أَيْنَ مَكَانِي أَصْلَحَكَ اللَّهُ ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ بَعُدَتِ الشُّقَّةُ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ، أَمُوتُ بِالْمَشْرِقِ وَتَمُوتُ بِالْمَغْرِبِ»، فَجَهَدْتُ الْجَهْدَ كُلَّهُ وَ أَطْمَعْتُهُ فِي الْخِلاَفَةِ فَأَبَى  .
5. عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَحْيَى: كَانَ لَنَا أَخٌ يَرَى رَأْيَ الاِْرْجَاءِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَكَانَ يَطْعَنُ عَلَيْنَا، فَكَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام) أَشْكُوهُ إِلَيْهِ وَ أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ «سَيَرْجِعُ حَالُهُ إِلَى مَا تُحِبُّ، وَ إِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ إِلاَّ عَلَى دِينِ اللَّهِ، وَ سَيُولَدُ مِنْ أُمِّ وَلَد لَهُ غُلاَمٌ». قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَحْيَى فَمَا مَكَثْنَا إِلاَّ أَقَلَّ مِنْ سَنَة حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ فَهُوَ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ بَيْتِي، وَ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ ]كِتَابِ[ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ أُمِّ وَلَد تِلْكَ غُلاَمٌ  .

الإمامُ محمّد بنُ عليّ الجواد(عليه السلام)
وأمّا الإمامُ محمّدُ بنُ عليّ الجواد(عليه السلام) فإنَ اللّهَ تَعالى أثْبتَ بِهِ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ، وَمَحَقَ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ.
رَوى أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ، عَنِ ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا(عليه السلام) فَقُلْتُ لَهُ : يَكُونُ إِمَامَانِ ؟
قَالَ : «لاَ ، إِلاَّ وَأَحَدُهُمَا صَامِتٌ» .
فَقُلْتُ لَهُ : هُوَ ذَا أَنْتَ لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ ؟ وَ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) بَعْدُ .
فَقَالَ : «وَ اللَّهِ، لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِهِ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ وَ يَمْحَقُ بِهِ الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ» ، فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ سَنَة أَبُو جَعْفَر(عليه السلام) .
فَقِيلَ لاِبْنِ قِيَامَا : أَلاَ تُقْنِعُكَ هَذِهِ الآْيَةُ ؟ !
فَقَالَ : أَمَا وَ اللَّهِ; إِنَّهَا لآَيَةٌ عَظِيمَةٌ  .
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلاَّد، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا(عليه السلام) وَ ذَكَرَ شَيْئاً فَقَالَ : «مَا حَاجَتُكُمْ إِلَى ذَلِكَ، هَذَا أَبُو جَعْفَر قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي، وَ صَيَّرْتُهُ مَكَانِي ـ وَ قَالَ : «إِنَّا أَهْلُ بَيْت يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا الْقُذَّةَ بِالْقُذَّةِ»  .
وَرَوَى ابْنُ قُولَوَيْهِ عَنِ الْكُلَيْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا(عليه السلام) : قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَر فَكُنْتَ تَقُولُ: يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلاَماً فَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ لَكَ، وَ أَقَرَّ عُيُونَنَا، فَلاَ أَرَانَا اللَّهُ يَوْمَكَ، فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَر(عليه السلام)وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقُلْتُ لَهُ : ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ وَ هُوَ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِينَ ؟ !
قَالَ : «وَ مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْ قَامَ عِيسَى بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ»  .

معجزاتُهُ (عليه السلام):
1. رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ قُولَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِد، قَالَ : كُنْتُ بِالْعَسْكَرِ، فَبَلَغَنِي أَنَّ هُنَاكَ رَجُلاً مَحْبُوساً أُتِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ مَكْبُولاً، وَ قَالُوا: إِنَّهُ تَنَبَّأَ، فَأَتَيْتُ الْبَابَ وَ نَادَيْتُ الْبَوَّابِينَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ لَهُ فَهْمٌ وَ عَقْلٌ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا قِصَّتُكَ ؟
قَالَ : إِنِّي كُنْتُ بِالشَّامِ أَعْبُدُ اللهَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ: إِنَّهُ نُصِبَ فِيهِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)، فَبَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَة فِي مَوْضِعِي مُقْبِلٌ عَلَى الْمِحْرَابِ أَذْكُرُ اللهَ إِذَا نَظَرْتُ شَخْصاً بَيْنَ يَدَيَّ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: «قُمْ» فَقُمْتُ مَعَهُ، فَمَشَى بِي قَلِيلاً، فَإِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ .
قَالَ : «أَ تَعْرِفُ هَذَا الْمَسْجِدَ» ؟ قُلْتُ : نَعَمْ، هَذَا مَسْجِدُ الْكُوفَةِ فَصَلَّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَ خَرَجْتُ مَعَهُ، فَمَشَى بِي قَلِيلاً وَ إِذَا نَحْنُ بِمَسْجِدِ الرَّسُولِ(صلى الله عليه وآله)، فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) وَ سَلَّمْتُ، وَ صَلَّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَ خَرَجْتُ مَعَهُ، فَمَشَى بِي قَلِيلاً وَ إِذَا نَحْنُ بِمَكَّةَ، وَ طَافَ بِالْبَيْتِ فَطُفْتُ مَعَهُ، فَخَرَجَ وَ مَشَى بِي قَلِيلاً فَإِذَا أَنَا بِمَوْضِعِيُ الَّذِي كُنْتُ أَعْبُدُ اللهَ فِيهِ بِالشَّامِ، وَ غَابَ الشَّخْصُ عَنْ عَيْنِي، فَتَعَجَّبْتُ مِمَّا رَأَيْتُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ رَأَيْتُ ذَلِكَ الشَّخْصَ فَاسْتَبْشَرْتُ بِهِ، وَ دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ، وَ فَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي الْعَامِ الاَْوَّلِ، فَلَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَتِي بِالشَّامِ ، قُلْتُ : سَأَلْتُكَ بِالَّذِي أَقْدَرَكَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَر» .
فَحَدَّثْتُ مَنْ كَانَ يَصِيرُ إِلَيَّ بِخَبَرِهِ، فَرَقِيَ ذَلِكَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ، فَبَعَثَ إِلَيَّ، فَأَخَذَنِي وَ كَبَلَنِي فِي الْحَدِيدِ، وَ حَمَلَنِي إِلَى الْعِرَاقِ، وَ حُبِسْتُ كَمَا تَرَى، وَ ادَّعَى عَلَيَّ الْمُحَالَ، فَقُلْتُ : أَرْفَعُ عَنْكَ الْقِصَّةَ إِلَيْهِ ، قَالَ : ارْفَعْ .
فَكَتَبْتُ عَنْهُ قِصَّةً شَرَحْتُ أَمْرَهُ فِيهَا، وَ رَفَعْتُهَا إِلَى الزَّيَّاتِ فَوَقَّعَ فِي ظَهْرِهَا: قُلْ لِلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنَ الشَّامِ فِي لَيْلَة إِلَى الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْ حَبْسِي، قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِد، فَغَمَّنِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، وَ رَقَقْتُ لَهُ، وَ انْصَرَفْتُ مَحْزُوناً، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ بَاكَرْتُ الْحَبْسَ لاُِعْلِمَهُ بِالْحَالِ، وَ آمُرَهُ بِالصَّبْرِ وَ الْعَزَاءِ، فَوَجَدْتُ الْجُنْدَ وَالْحُرَّاسَ وَ صَاحِبَ السِّجْنِ وَخَلْقاً كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يَهْرَعُونَ فَسَأَلْتُ عَنْهُمْ وَ عَنِ الْحَالِ فَقِيلَ: إِنَّ الْمَحْمُولَ مِنَ الشَّامِ الْمُتَنَبِّئَ فُقِدَ الْبَارِحَةَ مِنَ الْحَبْسِ، فَلاَ يُدْرَى خَسَفَتْ بِهِ الاَْرْضُ أَوِ اخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ، وَ كَانَ هَذَا الْمُرْسَلُ أَعْنِي عَلِيَّ بْنَ خَالِد زَيْدِيّاً فَقَالَ بِالاِْمَامَةِ وَ حَسُنَ اعْتِقَادُهُ  .
2. رُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّاس الْهَاشِمِيِّ، قَالَ : جِئْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَر(عليه السلام)يَوْمَ عِيد، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ضِيقَ الْمَعَاشِ، فَرَفَعَ الْمُصَلَّى، وَ أَخَذَ مِنَ التُّرَابِ سَبِيكَةً مِنْ ذَهَب فَأَعْطَانِيهَا، فَخَرَجْتُ بِهَا إِلَى السُّوقِ فَكَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ مِثْقَالاً  .
3. رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُكَارِي، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَر بِبَغْدَادَ وَ هُوَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا الرَّجُلُ لاَ يَرْجِعُ إِلَى مَوْطِنِهِ أَبَداً، وَ مَا أَعْرِفُ مَطْعَمَهُ، قَالَ: فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ وَ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُهُ، فَقَالَ: «يَا حُسَيْنُ، خُبْزُ شَعِير وَ مِلْحُ جَرِيش فِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا تَرَانِي فِيهَا»  .

الإمامُ علي بنُ محمّد الهادي(عليه السلام)
وأمّا الإمامُ عليُّ بنُ محمّد الهادي(عليه السلام)، فقدْ اجتمعتْ فيه تمامُ أوصَافِ الكمالِ وخصالِ الإمامةِ مِنْ استكمالِ الفضلِ والعلمِ، وَاسْتِجْماعِ خصالِ الخيرِ كاملةً ، وقدْ كانتْ أخلاقُهُ خارقةً للعادةِ كأخلاقِ آبائهِ الطاهِرينَ .
رَوَى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ أَبُو جَعْفَر(عليه السلام)مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي الدَّفْعَةِ الاُْولَى مِنْ خَرْجَتَيْهِ، قُلْتُ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ : ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَإِلَى مَنِ الاَْمْرُ بَعْدَكَ ؟
فَكَرَّ بِوَجْهِهِ إِلَيَّ، وَقَالَ : «لَيْسَ الْغَيْبَةُ حَيْثُ ظَنَنْتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ، فَلَمَّا أُخْرَجْ بِهِ الثَّانِيَةَ إِلَى الْمُعْتَصِمِ صِرْتُ إِلَيْهِ» فَقُلْتُ لَهُ : ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ أَنْتَ خَارِجٌ، فَإِلَى مَنْ هَذَا الاَْمْرُ مِنْ بَعْدِك؟َ ، فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ : «عِنْدَ هَذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ ، الاَْمْرُ مِنْ بَعْدِي إِلَى ابْنِي عَلِيّ»  .

معجزاتُهُ (عليه السلام):
1. حَدَّثَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ أَصْفَهَانَ: مِنْهُمْ: أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ، وَ أَبُو جَعْفَر، مُحَمَّدُ بْنُ عَلَوِيَّةَ، قَالُوا : كَانَ بِأَصْفَهَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَ كَانَ شِيعِيّاً، قِيلَ لَهُ: مَا السَّبَبُ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْكَ الْقَوْلَ بِإِمَامَةِ عَلِيّ النَّقِيِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ ؟
قَالَ : شَاهَدْتُ مَا أَوْجَبَ عَلَيَّ، وَ ذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ رَجُلاً فَقِيراً وَ كَانَ لِي لِسَانٌ وَجُرْأَةٌ، فَأَخْرَجَنِي أَهْلُ أَصْفَهَانَ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ مَعَ قَوْم آخَرِينَ إِلَى بَابِ الْمُتَوَكِّلِ مُتَظَلِّمِينَ، فَكُنَّا بِبَابِ الْمُتَوَكِّلِ يَوْماً إِذَا خَرَجَ الاَْمْرُ بِإِحْضَارِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا(عليه السلام)، فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ حَضَرَ : مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ أُمِرَ بِإِحْضَارِهِ ؟
فَقِيلَ : هَذَا رَجُلٌ عَلَوِيٌّ تَقُولُ الرَّافِضَةُ بِإِمَامَتِهِ .
ثُمَّ قَالَ : وَ يُقَدَّرُ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ يَحْضُرُهُ لِلْقَتْلِ .
فَقُلْتُ : لاَ أَبْرَحُ مِنْ هَاهُنَا حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ أَيُّ رَجُل هُوَ ؟
قَالَ فَأَقْبَلَ رَاكِباً عَلَى فَرَس وَ قَدْ قَامَ النَّاسُ يَمْنَةَ الطَّرِيقِ وَ يَسْرَتَهَا صَفَّيْنِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَقَعَ حُبُّهُ فِي قَلْبِي، فَجَعَلْتُ أَدْعُو فِي نَفْسِي بِأَنْ يَدْفَعَ اللَّهُ عَنْهُ شَرَّ الْمُتَوَكِّلِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ بَيْنَ النَّاسِ وَ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى عُرْفِ دَابَّتِهِ لاَ يَنْظُرُ يَمْنَةً وَلاَ  يَسْرَةً وَأَنَا دَائِمُ الدُّعَاءِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيَّ، أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيَّ وَ قَالَ : «اِسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَكَ، وَ طَوَّلَ عُمُرَكَ، وَ كَثَّرَ مَالَكَ وَ وُلْدَكَ» .
قَالَ : فَارْتَعَدْتُ وَ وَقَعْتُ بَيْنَ أَصْحَابِي، فَسَأَلُونِي وَ هُمْ يَقُولُونَ: مَا شَأْنُكَ ؟
فَقُلْتُ : خَيْرٌ، وَ لَمْ أُخْبِرْ بِذَلِكَ، فَانْصَرَفْنَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَصْفَهَانَ، فَفَتَحَ اللَّهُ
عَلَيَّ وُجُوهاً مِنَ الْمَالِ حَتَّى أَنَا الْيَوْمَ أَغْلُقُ بَابِي عَلَى مَا قِيمَتُهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَم
سِوَى مَالِي خَارِجَ دَارِي، وَ رُزِقْتُ عَشَرَةً مِنَ الاَْوْلاَدِ، وَ قَدْ بَلَغْتُ الاْنَ مِنْ عُمُرِي نَيِّفاً وَ سَبْعِينَ سَنَةً، وَأَنَا أَقُولُ بِإِمَامَةِ الرَّجُلِ عَلَى الَّذِي عَلِمَ مَا فِي قَلْبِي، وَ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ فِيَّ وَ لِي  .
2. رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ زُرَارَةَ حَاجِبُ الْمُتَوَكِّلِ، أَنَّهُ قَالَ : وَقَعَ رَجُلٌ مُشَعْبِذٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْهِنْدِ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ يَلْعَبُ بِلَعِبِ الْحُقِّ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ لَعَّاباً، فَأَرَادَ أَنْ يُخْجِلَ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا(عليه السلام) .
فَقَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ : إِنْ أَنْتَ أَخْجَلْتَهُ أَعْطَيْتُكَ أَلْفَ دِينَار زَكِيَّة .
قَالَ : تَقَدَّمْ بِأَنْ يُخْبَزَ رِقَاقٌ خِفَافٌ وَ اجْعَلْهَا عَلَى الْمَائِدَةِ، وَ أَقْعِدْنِي إِلَى جَنْبِهِ، فَفَعَلَ وَ أَحْضَرَ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّد(عليه السلام)، وَكَانَتْ لَهُ مِسْوَرَةٌ عَنْ يَسَارِهِ كَانَ عَلَيْهَا صُورَةُ أَسَد، وَ جَلَسَ اللاَّعِبُ إِلَى جَانِبِ الْمِسْوَرَةِ، فَمَدَّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد(عليه السلام) يَدَهُ إِلَى رُقَاقَة فَطَيَّرَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَ مَدَّ يَدَهُ إِلَى أُخْرَى فَطَيَّرَهَا، فَتَضَاحَكَ النَّاسُ، فَضَرَبَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد(عليه السلام) يَدَهُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْمِسْوَرَةِ، وَ قَالَ : «خُذْهُ» فَوَثَبَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ مِنَ الْمِسْوَرَةِ، فَابْتَلَعَتِ الرَّجُلَ، وَ عَادَتْ فِي الْمِسْوَرَةِ كَمَا كَانَتْ، فَتَحَيَّرَ الْجَمِيعُ، وَ نَهَضَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد(عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ الْمُتَوَكِّلُ: سَأَلْتُكَ إِلاَّ جَلَسْتَ وَ رَدَدْتَهُ، فَقَالَ: «وَ اللَّهِ، لاَ تَرَى بَعْدَهَا، أَتُسَلِّطُ أَعْدَاءَ اللَّهِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ» ؟ ! وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمْ يُرَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ  .
3. رُوِيَ أَنَّ أَبَا هَاشِم الْجَعْفَرِيَّ قَالَ : ظَهَرَتْ فِي أَيَّامِ الْمُتَوَكِّلِ امْرَأَةٌ تَدَّعِي أَنَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) .
فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ : أَنْتِ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ وَ قَدْ مَضَى مِنْ وَقْتِ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) مَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، فَقَالَتْ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) مَسَحَ عَلَيَّ، وَ سَأَلَ اللهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَبَابِي فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَ لَمْ أَظْهَرْ لِلنَّاسِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ، فَلَحِقَتْنِي الْحَاجَةُ، فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ، فَدَعَا الْمُتَوَكِّلُ مَشَايِخَ آلِ أَبِي طَالِب وَ وُلْدِ الْعَبَّاسِ وَ قُرَيْش، وَ عَرَّفَهُمْ حَالَهَا، فَرَوَى جَمَاعَةٌ وَفَاةَ زَيْنَبَ فِي سَنَةِ كَذَا .
فَقَالَ لَهَا : مَا تَقُولِينَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؟
فَقَالَتْ : كَذِبٌ وَ زُورٌ، فَإِنَّ أَمْرِي كَانَ مَسْتُوراً عَنِ النَّاسِ فَلَمْ يُعْرَفْ لِي حَيَاةٌ وَلاَ مَوْتٌ .
فَقَالَ لَهُمُ الْمُتَوَكِّلُ : هَلْ عِنْدَكُمْ حُجَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؟
فَقَالُوا : لاَ .
فَقَالَ : هُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْعَبَّاسِ أَنْ لاَ أُنْزِلَهَا عَمَّا ادَّعَتْ إِلاَّ بِحُجَّة .
قَالُوا : فَأَحْضِرِ ابْنَ الرِّضَا(عليه السلام)، فَلَعَلَّ عِنْدَهُ شَيْئاً مِنَ الْحُجَّةِ غَيْرَ مَا عِنْدَنَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَحَضَرَ، فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ .
فَقَالَ : «كَذَبَتْ فَإِنَّ زَيْنَبَ تُوُفِّيَتْ فِي سَنَة كَذَا، فِي شَهْر كَذَا فِي يَوْم كَذَا» .
قَالَ : فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ رَوَوْا مِثْلَ هَذِهِ وَ قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لاَ أُنْزِلَهَا إِلاَّ بِحُجَّة تَلْزَمُهَا .
قَالَ : «وَلاَ عَلَيْكَ، فَهَاهُنَا حُجَّةٌ تَلْزَمُهَا وَ تَلْزَمُ غَيْرَهَا» .
قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : «لُحُومُ بَنِي فَاطِمَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى السِّبَاعِ، فَأَنْزِلْهَا إِلَى السِّبَاعِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ فَلاَ تَضُرُّهَا» .
فَقَالَ لَهَا : مَا تَقُولِينَ ؟ قَالَتْ : إِنَّهُ يُرِيدُ قَتْلِي .
قَالَ : «فَهَاهُنَا جَمَاعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ(عليهما السلام) فَأَنْزِلْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ» ، قَالَ : فَوَ اللَّهِ، لَقَدْ تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْجَمِيعِ ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُبْغِضِينَ : هُوَ يُحِيلُ عَلَى غَيْرِهِ، لِمَ لاَ يَكُونُ هُوَ ؟
فَمَالَ الْمُتَوَكِّلُ إِلَى ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي أَمْرِهِ صُنْعٌ .
فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ، لِمَ لاَ تَكُونُ أَنْتَ ذَلِكَ .
قَالَ : «ذَاكَ إِلَيْكَ، قال: فَافْعَلْ»، قَالَ : أَفْعَلُ، فَأُتِيَ بِسُلَّم وَ فُتِحَ عَنِ السِّبَاعِ وَ كَانَتْ سِتَّة مِنَ الاَْسَدِ، فَنَزَلَ أَبُو الْحَسَنِ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ وَ جَلَسَ صَارَتِ الاُسْوَدُ إِلَيْهِ، فَرَمَتْ بِأَنْفُسِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ مَدَّتْ بِأَيْدِيهَا، وَ وَضَعَتْ رُؤُوسَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ وَاحِد مِنْهَا، ثُمَّ يُشِيرُ إِلَيْهِ بِيَدِهِ إِلَى الاِعْتِزَالِ فَتَعْتَزِلُ نَاحِيَةً حَتَّى اعْتَزَلَتْ كُلُّهَا، وَ أَقَامَتْ بِإِزَائِهِ .
فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ : مَا هَذَا صَوَاباً، فَبَادِرْ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَشِرَ خَبَرُهُ .
فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا الْحَسَنِ، مَا أَرَدْنَا بِكَ سُوءاً، وَ إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى يَقِين مِمَّا قُلْتَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَصْعَدَ، فَقَامَ وَ صَارَ إِلَى السُّلَّمِ وَ هِيَ حَوْلَهُ تَتَمَسَّحُ بِثِيَابِهِ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى أَوَّلِ دَرَجَة الْتَفَتَ إِلَيْهَا، وَ أَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ تَرْجِعَ فَرَجَعَتْ وَ صَعِدَ .
فَقَالَ : «كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ فَلْيَجْلِسْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ» .
فَقَالَ لَهَا الْمُتَوَكِّلُ : انْزِلِي قَالَتْ : اللهَ اللهَ ادَّعَيْتُ الْبَاطِلَ وَ أَنَا بِنْتُ فُلاَن حَمَلَنِي الضُّرُّ عَلَى مَا قُلْتُ، قَالَ الْمُتَوَكِّلُ، أَلْقُوهَا إِلَى السِّبَاعِ فَاسْتَوْهَبَتْهَا وَالِدَتُهُ  .

الإمامُ الحسن بنُ عليّ العسكري(عليه السلام)
وأمّا الإمامُ الحسنُ العسكريّ(عليه السلام)، فقدْ كانتْ جميعُ أخلاقه كأخلاقِ رسولِ اللّهِ(صلى الله عليه وآله) ، وكانتْ شخصيّتهُ العظيمة حديثاً للألسن ، وكان يعظّمَهُ جميعُ العامّةِ والخاصّةِ بجلالة وهيبة ; لعلمِهِ وفضلِهِ ، وكانَ الجميعُ يقدّمهُ في كلِّ مكان; لعفّتهِ، وزهدهِ، وصلاحيّتهِ، وإصلاحهِ ، إلى غير ذلك .
رَوَى بَشَّارُ بْنُ أَحْمَد الْبَصْرِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ النَّوْفَلِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام) فِي صَحْنِ دَارِهِ، فَمَرَّ بِنَا مُحَمَّدٌ ابْنُهُ، فَقُلْتُ لَهُ : ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ هَذَا صَاحِبُنَا بَعْدَكَ ؟ فَقَالَ : «لاَ ، صَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ»  .
ورَوَى بَشَّارُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد الاَْصْفَهَانِيِّ، قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ(عليه السلام) : «صَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيَّ» ، قَالَ : وَلَمْ نَعْرِفْ أَبَا مُحَمَّد قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ : فَخَرَجَ أَبُو مُحَمَّد فَصَلَّى عَلَيْهِ.

معجزاتُهُ (عليه السلام):
1. رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ : صَحِبْتُ أَبَا مُحَمَّد مِنْ دَارِ الْعَامَّةِ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الدَّارِ وَ أَرَدْتُ الاِنْصِرَافَ قَالَ : «أَمْهِلْ» فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ فَأَعْطَانِي مِائَتَيْ دِينَار، وَ قَالَ : «اصْرِفْهَا فِي ثَمَنِ جَارِيَة، فَإِنَّ جَارِيَتَكَ فُلاَنَةَ قَدْ مَاتَتْ» وَ كُنْتُ خَرَجْتُ مِنَ الْمَنْزِلِ وَ عَهْدِي بِهَا أَنْشَطُ مَا كَانَتْ، فَمَضَيْتُ فَإِذَا الْغُلاَمُ قَالَ: «مَاتَتْ جَارِيَتُكَ فُلاَنَةُ السَّاعَةَ» قُلْتُ : مَا حَالُهَا ؟ قِيلَ «شَرِبَتْ مَاءً فَشَرِقَتْ فَمَاتَتْ»  .
2. رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سَابُورَ، قَالَ : قُحِطَ النَّاسُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى فِي زَمَنِ الْحَسَنِ الاَْخِيرِ(عليه السلام)، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْحَاجِبَ وَ أَهْلَ الْمَمْلَكَةِ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الاِسْتِسْقَاءِ، فَخَرَجُوا ثَلاَثَةَ أَيَّام مُتَوَالِيَة إِلَى الْمُصَلَّى وَ يَدْعُونَ فَمَا سُقُوا .
فَخَرَجَ الْجَاثَلِيقُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَ مَعَهُ النَّصَارَى وَالرُّهْبَانُ وَكَانَ فِيهِمْ رَاهِبٌ، فَلَمَّا مَدَّ يَدَهُ هَطَلَتِ السَّمَاءُ بِالْمَطَرِ، فَشَكَّ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَتَعَجَّبُوا، وَصَبَوْا إِلَى دِينِ  النَّصْرَانِيَّةِ .
فَأَنْفَذَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْحَسَنِ(عليه السلام) وَكَانَ مَحْبُوساً، فَاسْتَخْرَجَهُ مِنْ مَحْبَسِهِ، وَقَالَ : الْحَقْ أُمَّةَ جَدِّكَ فَقَدْ هَلَكَتْ، فَقَالَ : «إِنِّي خَارِجٌ فِي الْغَدِ، وَ مُزِيلٌ الشَّكَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» .
فَخَرَجَ الْجَاثَلِيقُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَ الرُّهْبَانُ مَعَهُ، وَ خَرَجَ الْحَسَنُ(عليه السلام) فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا بَصُرَ بِالرَّاهِبِ وَ قَدْ مَدَّ يَدَهُ أَمَرَ بَعْضَ مَمَالِيكِهِ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى وَ يَأْخُذَ مَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، فَفَعَلَ وَ أَخَذَ مِنْ بَيْنِ سَبَّابَتَيْهِ عَظْماً أَسْوَدَ، فَأَخَذَهُ الْحَسَنُ(عليه السلام)بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اسْتَسْقِ الاْنَ» فَاسْتَسْقَى وَكَانَ السَّمَاءُ مُتَغَيِّماً فَتَقَشَّعَتْ وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: مَا هَذَا الْعَظْمُ يَا أَبَا مُحَمَّد؟
قَالَ(عليه السلام) : «هَذَا رَجُلٌ مَرَّ بِقَبْرِ نَبِيّ مِنَ الاَْنْبِيَاءِ فَوَقَعَ إِلَى يَدِهِ هَذَا الْعَظْمُ، وَمَا كُشِفَ مِنْ عَظْمِ نَبِيّ إِلاَّ وَ هَطَلَتِ السَّمَاءُ بِالْمَطَرِ»  .
3. رَوى إِسْحَاقُ عَنِ الاَْقْرَعِ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّد أَسْأَلُهُ عَنِ الاِْمَامِ هَلْ يَحْتَلِمُ وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: بَعْدَمَا فَصَلَ الْكِتَابُ: الاِحْتِلاَمُ شَيْطَنَةٌ وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ حَالُ الاَْئِمَّةِ فِي الْمَنَامِ حَالُهُمْ فِي الْيَقَظَةِ لاَ يُغَيِّرُ النَّوْمُ مِنْهُمْ شَيْئاً وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ»  .
4. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي مُسْلِم، قَالَ : كَانَ سَمِيعٌ الْمِسْمَعِيُّ يُؤْذِينِي كَثِيراً وَيَبْلُغُنِي عَنْهُ مَا أَكْرَهُ، وَ كَانَ مُلاَصِقاً لِدَارِي، فَكَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّد(عليه السلام) أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ بِالْفَرَجِ مِنْهُ .
فَرَجَعَ الْجَوَابُ «أَبْشِرْ بِالْفَرَجِ سَرِيعاً، وَ يَقْدَمُ عَلَيْكَ مَالٌ مِنْ نَاحِيَةِ فَارسَ، وَكَانَ لِي بِفَارسَ ابْنُ عَمّ تَاجِرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرِي، فَجَاءَنِي مَالُهُ بَعْدَ مَا مَاتَ بِأَيَّام يَسِيرَة، وَ وَقَّعَ فِي الْكِتَابِ: اسْتَغْفِرِ اللهَ، وَ تُبْ إِلَيْهِ مِمَّا تَكَلَّمْتَ بِهِ» وَ ذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ يَوْماً مَعَ جَمَاعَة مِنَ النُّصَّابِ فَذَكَرُوا أَبَا طَالِب حَتَّى ذَكَرُوا مَوْلاَيَ، فَخُضْتُ مَعَهُمْ لِتَضْعِيفِهِمْ أَمْرَهُ، فَتَرَكْتُ الْجُلُوسَ مَعَ الْقَوْمِ، وَ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ  .
5. إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الاَْقْرَعِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ، نُصَيْرٌ الْخَادِمُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّد غَيْرَ مَرَّة يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ بِلُغَاتِهِمْ تُرْك وَ رُوم وَصَقَالِبَةَ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَ قُلْتُ :هَذَا وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ، وَ لَمْ يَظْهَرْ لاَِحَد حَتَّى مَضَى أَبُو الْحَسَنِ(عليه السلام)، وَلاَ رَآهُ أَحَدٌ، فَكَيْفَ هَذَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ : «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَيَّنَ حُجَّتَهُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ بِكُلِّ شَيِْء، وَ يُعْطِيهِ اللُّغَاتِ، وَ مَعْرِفَةَ الاَْنْسَابِ وَ الاْجَالِ وَ الْحَوَادِثِ، وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَ الْمَحْجُوجِ فَرْقٌ  .

الإمامُ محمّدُ بنُ الحسنِ المهدي(عليه السلام)3
وأمّا  الإمامُ صاحِبُ العصرِ والزمانِ(عليه السلام)، فكانَ منْ آياته أنّه سبَّحَ اللهَ وَكبّرَهُ حينَ ولادتِهِ، وكانَ يَحمَدُاللهَ ويُمَجِّدُه تعالى في صغرهِ ِ ، إلى غيرِ ذلكَ منْ حُسنِ الخلقِ والخلقةِ والعلمِ والزهدِ ، وأنَّ اسمه هو اسمُ رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) وكنيتَه كنيةُ رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)  ، وقدْ وهبَهُ اللهُ تعالى الحكمةَ، وجعلهُ آيةً للعالمين ، وقدْ أعطاهُ الحكمةَ، كما أعطاها ليحيى(عليه السلام)في صغرهِ ، وجعلهُ إماماً منذُ صِغَرِه، كما جعلَ عيسى(عليه السلام) نبيّاً وهوَ في المَهْدِ صَبيّاً ، فقدْ جعل اللهُ تعالى الإمامَ المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) معصوماً ومبرّءاً منَ الرذائلِ الدنيّةِ ، وجعلَ تصرّفاتِه وتصرّفاتِ آبائه الطاهرين(عليهم السلام)خارقةً للعادةِ .
رَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بِلاَل، قَالَ : خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مُحَمَّد(عليه السلام)قَبْلَ مُضِيِّهِ بِسَنَتَيْنِ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ قَبْلِ مُضِيِّهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّام يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ  .
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي هَاشِم الْجَعْفَرِيِّ، قَالَ : قُلْتُ لاَِبِي مُحَمَّد(عليه السلام) : جَلاَلَتُكَ تَمْنَعُنِي مِنْ مَسْأَلَتِكَ، فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ فَقَالَ : «سَلْ»، قُلْتُ : يَا سَيِّدِي، هَلْ لَكَ وَلَدٌ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ» .
فَقُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ ؟ قَالَ: «بِالْمَدِينَةِ»  .
رَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد الْكُوفِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد الْمَكْفُوفِ، عَنْ عَمْرو الاَْهْوَازِيِّ، قَالَ : أَرَانِي أَبُو مُحَمَّد(عليه السلام) ابْنَهُ(عليه السلام)، وَ قَالَ : «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي»  .

معجزاتُهُ (عجّل الله فرجه)
1. روى ابْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّد الْعَطَّارِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اللَّهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَر، قَالَ : حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(عليه السلام)، قَالَتْ : بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّد الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ(عليهما السلام)، فَقَالَ : «يَا عَمَّةُ، اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا; فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيُظْهِرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحُجَّةَ وَ هُوَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ» .
قَالَتْ : فَقُلْتُ لَهُ: وَ مَنْ أُمُّهُ ؟
قَالَ لِي: «نَرْجِسُ» ، قُلْتُ لَهُ : وَ اللَّهِ، جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ مَا بِهَا أَثَرٌ ، فَقَالَ : «هُوَ مَا أَقُولُ لَكِ» .
قَالَتْ : فَجِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ وَ جَلَسْتُ، جَاءَتْ تَنْزِعُ خُفِّي، وَ قَالَتْ لِي : يَا سَيِّدَتِي، كَيْفَ أَمْسَيْتِ ؟ فَقُلْتُ : بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي وَ سَيِّدَةُ أَهْلِي .
قَالَتْ : فَأَنْكَرَتْ قَوْلِي، وَ قَالَتْ : مَا هَذَا يَا عَمَّةُ .
قَالَتْ : فَقُلْتُ لَهَا : يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سَيَهَبُ لَكِ فِي لَيْلَتِكِ هَذِهِ غُلاَماً سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَ الاْخِرَةِ .
قَالَتْ : فَجَلَسَتْ وَ اسْتَحْيَتْ، فَلَمَّا أَنْ فَرَغْتُ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ الاْخِرَةِ، وَأَفْطَرْتُ، وَ أَخَذْتُ مَضْجَعِي، فَرَقَدْتُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُمْتُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَفَرَغْتُ مِنْ صَلاَتِي وَ هِيَ نَائِمَةٌ لَيْسَ بِهَا حَادِثٌ، ثُمَّ جَلَسْتُ مُعَقِّبَةً، ثُمَّ اضْطَجَعْتُ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَزِعَةً وَ هِيَ رَاقِدَةٌ، ثُمَّ قَامَتْ فَصَلَّتْ . قَالَتْ حَكِيمَةُ : فَدَخَلَتْنِي الشُّكُوكُ، فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّد(عليه السلام) مِنَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ : «لاَ تَعْجَلِي يَا عَمَّةُ، فَإِنَّ الاَْمْرَ قَدْ قَرُبَ» .
قَالَتْ : فَقَرَأْتُ (الم السَّجْدَةَ)وَ(يس) فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِك إِذَا انْتَبَهَتْ فَزِعَةً فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ : اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا : تَحِسِّينَ شَيْئاً ؟ قَالَتْ : نَعَمْ يَا عَمَّةُ فَقُلْتُ لَهَا : اجْمَعِي نَفْسَكِ، وَ اجْمَعِي قَلْبَكِ، فَهُوَ مَا قُلْتُ لَكِ .
قَالَتْ حَكِيمَةُ : ثُمَّ أَخَذَتْنِي فَتْرَةٌ وَ أَخَذَتْهَا فِطْرَةٌ، فَانْتَبَهْتُ بِحِسِّ سَيِّدِي(عليه السلام)، فَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ(عليه السلام) سَاجِداً يَتَلَقَّى الاَْرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَإِذَا أَنَا بِهِ نَظِيفٌ مُنَظَّفٌ .
فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّد(عليه السلام) «هَلُمِّي إِلَيَّ ابْنِي يَا عَمَّةُ»، فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ وَ ظَهْرِهِ، وَ وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ، وَ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَ سَمْعِهِ وَ مَفَاصِلِهِ، ثُمَّ قَالَ : «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله)»، ثُمَّ صَلَّى عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام)، وَ عَلَى الاَْئِمَّةِ إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ ثُمَّ أَحْجَمَ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّد(عليه السلام) : «يَا عَمَّةُ، اذْهَبِي بِهِ إِلَى أُمِّهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا، وَ ائْتِنِي بِهِ»، فَذَهَبْتُ بِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَ رَدَدْتُهُ، وَ وَضَعْتُهُ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَالَ : «يَا عَمَّةُ، إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ فَأْتِينَا» قَالَتْ حَكِيمَةُ : فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لاُِسَلِّمَ عَلَى أَبِي مُحَمَّد(عليه السلام)، فَكَشَفْتُ السِّتْرَ لاَفْتَقِدَ سَيِّدِي(عليه السلام)، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ : ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ مَا فعلَ سَيِّدِي ؟فَقَالَ : «يَا عَمَّةُ اسْتَوْدَعْنَاهُ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى»(عليه السلام) .
قَالَتْ حَكِيمَةُ : فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ جِئْتُ وَ سَلَّمْتُ وَ جَلَسْتُ فَقَالَ : هَلُمِّي إِلَيَّ ابْنِي فَجِئْتُ بِسَيِّدِي فِي الْخِرْقَةِ فَفَعَلَ بِهِ كَفَعْلَتِهِ الاُْولَى ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يُغَذِّيهِ لَبَناً أَوْ عَسَلاً ثُمَّ قَالَ : تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ فَقَالَ(عليه السلام) : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ ثَنَّى بِالصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالاَْئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ(عليه السلام)ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الاْيَةَ (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِـيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُـضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَـهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِـينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ )  ، قَالَ مُوسَى فَسَأَلْتُ عُقْبَةَ الْخَادِمَ عَنْ هَذَا فَقَالَ : صَدَقَتْ حَكِيمَةُ  .
2. رَوى أحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنِ الْقَنْبَرِيِّ مِنْ وُلْدِ قَنْبَر الْكَبِيرِ مَوْلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا(عليه السلام) قَالَ: جَرَى حَدِيثُ جَعْفَر فَشَتَمَهُ، فَقُلْتُ : فَلَيْسَ غَيْرُهُ، فَهَلْ رَأَيْتَهُ ؟ قَالَ : لَمْ أَرَهُ وَ لَكِنْ رَآهُ غَيْرِي .
قُلْتُ : وَ مَنْ رَآهُ ؟ قَالَ : رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ، وَ لَهُ حَدِيثٌ، وَ حَدَّثَ عَنْ رَشِيق صَاحِبِ المادراي ]المادراني[ .
قَالَ : بَعَثَ إِلَيْنَا الْمُعْتَضِدُ وَ نَحْنُ ثَلاَثَةُ نَفَر، فَأَمَرَنَا أَنْ يَرْكَبَ كُلُّ وَاحِد مِنَّا فَرَساً وَ يَجْنُبَ آخَرَ، وَ نَخْرُجَ مُخَفِّفِينَ لاَ يَكُونُ مَعَنَا قَلِيلٌ وَ لاَ كَثِيرٌ إِلاَّ عَلَى السَّرْجِ مُصَلّى وَقَالَ لَنَا: الْحَقُوا بِسَامَرَّةَ (بِسَامَرَّاءَ) وَ وَصَفَ لَنَا مَحَلَّةً وَ دَاراً، وَ قَالَ : إِذَا أَتَيْتُمُوهَا تَجِدُوا عَلَى الْبَابِ خَادِماً أَسْوَدَ، فَاكْبِسُوا الدَّارَ وَ مَنْ رَأَيْتُمْ فِيهَا فَأْتُونِي بِرَأْسِهِ .
فَوَافَيْنَا سَامَرَّاءَ، فَوَجَدْنَا الاَْمْرَ كَمَا وَصَفَهُ، وَ فِي الدِّهْلِيزِ خَادِمٌ أَسْوَدُ، وَ فِي يَدِهِ تِكَّةٌ يَنْسِجُهَا، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الدَّارِ وَ مَنْ فِيهَا، فَقَالَ : صَاحِبُهَا ، فَوَ اللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيْنَا وَ قَلَّ اكْتِرَاثُهُ بِنَا فَكَبَسْنَا الدَّارَ كَمَا أَمَرَنَا، فَوَجَدْنَا دَاراً سَرِيَّةً، وَ مُقَابِلُ الدَّارِ سِتْرٌ مَا نَظَرْتُ قَطُّ إِلَى أَنْبَلَ مِنْهُ، كَأَنَّ الاَْيْدِيَ رُفِعَتْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ، فَرَفَعْنَا السِّتْرَ فَإِذَا بَيْتٌ كَبِيرٌ، كَأَنَّ بَحْراً فِيهِ، وَ فِي أَقْصَى الْبَيْتِ حَصِيرٌ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى الْمَاءِ وَ فَوْقَهُ رَجُلٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ هَيْئَةً، قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْنَا وَلاَ إِلَى شَيْء مِنْ أَسْبَابِنَا .
فَسَبَقَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِيَتَخَطَّى الْبَيْتَ فَغَرِقَ فِي الْمَاءِ، وَ مَا زَالَ يَضْطَرِبُ حَتَّى مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ فَخَلَّصْتُهُ وَ أَخْرَجْتُهُ، وَ غُشِيَ عَلَيْهِ وَ بَقِيَ سَاعَةً، وَ عَادَ صَاحِبِي الثَّانِي إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَنَالَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَ بَقِيتُ مَبْهُوتاً .
فَقُلْتُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ: الْمَعْذِرَةُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَيْكَ، فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ كَيْفَ الْخَبَرُ، وَ لاَ إِلَى مَنْ أَجِيِءُ، وَ أَنَا تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ، فَمَا الْتَفَتَ إِلَى شَيِْء مِمَّا قُلْنَا، وَ مَا انْفَتَلَ عَمَّا كَانَ فِيهِ، فَهَالَنَا ذَلِكَ، وَ انْصَرَفْنَا عَنْهُ، وَ قَدْ كَانَ الْمُعْتَضِدُ يَنْتَظِرُنَا، وَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَى الْحُجَّابِ إِذَا وَافَيْنَاهُ أَنْ نَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي أَيِّ وَقْت كَانَ، فَوَافَيْنَاهُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَسَأَلَنَا عَنِ الْخَبَرِ، فَحَكَيْنَا لَهُ مَا رَأَيْنَا .
فَقَالَ : وَيْحَكُمْ لَقِيَكُمْ أَحَدٌ قَبْلِي، وَ جَرَى مِنْكُمْ إِلَى أَحَد سَبَبٌ أَوْ قَوْلٌ ؟
قُلْنَا : لاَ .
فَقَالَ : أَنَا نَفِيٌّ مِنْ جَدِّي، وَ حَلَفَ بِأَشَدِّ أَيْمَان لَهُ، أَنَّهُ رَجُلٌ إِنْ بَلَغَهُ هَذَا الْخَبَرُ لَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَنَا، فَمَا جَسَرْنَا أَنْ نُحَدِّثَ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ  .
3. رَوَى نَسِيمٌ الْخَادِمُ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ(عليه السلام) بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِعَشْرِ لَيَال ، فَعَطَسْتُ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : «يَرْحَمُكِ اللَّهُ» ، فَفَرِحْتُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : «أَ لاَ أُبَشِّرُكِ فِي الْعُطَاسِ ؟ هُوَ أَمَانٌ مِنَ الْمَوْتِ ثَلاَثَةَ أَيَّام»  .
4. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد عَنْ أَبِي عَقِيل، عِيسَى بْنِ نَصْر، قَالَ : كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَاد الصَّيْمَرِيُّ يَلْتَمِسُ كَفَناً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ «إنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ»، فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ  .
هذا غيضٌ من فيض ، وقطرةٌ منْ بحرِ مُعجزاتِ الأئمّةِ(عليهم السلام)وكراماتهِم ، وقدْ اقتصرنا على ماذكرنا بُغيةَ الاختصارِ .

المصدر: مصباح الهدی في أصول دین المصطفی تأليف آیة الله السیّد محسن الحسیني الجلالي، ترجمة سماحة العلّامة السیّد قاسم الحسیني الجلالي 
 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2022/03/26  ||  القرّاء : 1281



أوقات الصلاة اليومية :




لندن - London


الإمساك : 4:37
الفجر : 4:47
الشروق : 6:19
الظهر : 12:10
الغروب : 6:02
المغرب : 6:17


مواقيت الصلاة السنوية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • برمينغهام Birmingham
  • برايتون Brighton
  • كارديف Cardiff
  • غلازغو Glasgow
  • هال Hull
  • ليدز Leeds
  • ليفربول Liverpool
  • لندن London
  • مانشستر Manchester
  • نورويتش Norwich
  • بليموث Plymouth
  • بورتسموث Portsmouth
  • شفيلد Sheffield
  • ساوثهامبتون Southampton
  • سوانزي Swansea

جديد الموقع :



 خطبة الجمعة/ الوُصُولُ إلى اللَّهِ يَحْتَاجُ إلى الوَسِيلَةِ / مركز اهل البيت سري - لندن /سماحة السيد قاسم الجلالي/ 07.03.2025

 خطبة الجمعة/ إستقبالِ شهر رمضان المبارك / مركز اهل البيت سري - لندن/سماحة السيد قاسم الجلالي/ 28.2.2025

 خطبة الجمعة/ اربع حقائق قرانية في الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف / مركز اهل البيت سري - لندن/سماحة السيد قاسم الجلالي/ 14.2.2025

 دروسٌ تربويّةٌ نافعةٌ من تراث الحسين علیه السلام/ مركز اهل البيت سري - لندن/سماحة السيد قاسم الجلالي/ 8.2.2025

  خطبة الجمعة/ العبادة الإيجابية والسلبيّة/ مركز اهل البيت سري لندن/سماحة السيد قاسم الجلالي/ 7.2.2025

  خطبة الجمعة/ في المعراج {علّمه شديدُ القوى} المعلّمُ الله تعالى؟ أم جبرائيل؟/ مركز اهل البيت سري لندن/سماحة السيد قاسم الجلالي/ 31.1.2025

 خطبة الجمعة / خَمسُ صِفاتٍ لخِيارِ العبادِ / مركز أهل البيت في سري لندن / سماحة السيد قاسم الجلالي / 24.01.2025

 خطبة الجمعة / أبعادُ دُعاءِ الحَوراءِ زَيْنب(ع):اللّهم تقبّل منّا هذا القربان / مركز أهل البيت في سري لندن / سماحة السيد قاسم الجلالي / 17.01.2025

 خطبة الجمعة/ منهجيّة الامام الجواد فِي بناء الاسرة الصالحة /مركز اهل البيت في سري لندن/ سماحة السيد قاسم الجلالي/ 10.1.2025

 خطبة الجمعة/ النداءات السبعة في دعاء رجب (يا من أرجوه لكل خير) /مركز اهل البيت في سري لندن/ سماحة السيد قاسم الجلالي/ 03.1.2025

مواضيع متنوعة :



 جلاء القلوب في شرح خطبة اهل الذكر من نهج البلاغة الحلقة الرابعة/ سماحة السید قاسم الجلالي / (قناة الدعاء)

 خطبة الجمعة / المركز الاسلامي في سري /سماحة العلامة السید قاسم الجلالي/ 2023/12/23

 الطرماح بن عدی الطائي

 خطورة النظرة التجزيئيّة لآيات القرآن

 مناسك الراغبين - عمرة التمتع و واجباتها الطواف و واجباته - الختان - الحلقة 27 - سماحة العلامة السید قاسم الجلالي

 وفاة السيدة أم البنين(ع)سمو المعنى في سمو الذات/سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي

 صلاة الجمعة 2022/4/8

 صلاة الجمعة

 معنى الشهادة بالتوحيد في تراث السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 حِـلْـمُ الإمام عليّ(ع)/ ليلة الجرح/ سماحة العلامة السيد قاسم الجلالي/ المركز الاسلامي في سري لندن /2024/3/29

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 4

  • الأقسام الفرعية : 31

  • عدد المواضيع : 588

  • التصفحات : 963949

  • التاريخ :