وجه تطبيق قاعدة لا ضرر في حديث الشُفعة
وأمّا التطبيق في حديث الشُفعة فيقال ـ : إنّه كيف يُجعل ـ على خلاف سلطنة البائع والمشتري ـ حقّ للشريك; معلّلا بأنّه لا ضرر ولا ضِرار، مع أنّ النوعيّ من الضرر غير مُسمِن، والشخصيَّ غير دائم.؟!
واُجيب عنه بوجوه :
الوجه الأوّل : حمله على كون الضرر حِكمة. وفيه :
أولاً : أنّه لا يندفع به الإشكال في كونه على خِلاف الارفاق.
وثانياً : أنّه لو كان جعل حقّ الشفعة معلّلاً بالتخلّص من الضرر، فيمكن الاعتذار عن عدم دوام الترتّب بما ذُكر.
وأمّا لو اُثبت الحقّ بلسان الإخبار عن عدم وجود الضرر المصحّح بدخالة جعله في عدمه بحيث كُشِفَ ـ إنّاً ـ أنّه قلب عدَمَ جعل ذلك الحقّ بالجعل; لاستلزام ذلك العدم للضرر على الشريك، فكيف يكشف عن نفيه الجعل في الموارد غير المترتبة على عدمِ الجعل؟ فتأمّل.
الوجه الثاني: ـ ما لعلّه يأتي في السابق أيضا ـ من أنّ إجمال وجه التطبيق لا يُوجب الإجمال في المطبّق فيؤخذ كما في نظائره.
وفيه : أنّه فِرارٌ عن الإشكال، فإنّ ظاهر التطبيق يمنع من استفادة كونه في مقام الامتنان والإرفاق.
الوجه الثالث : ما عن شيخ الشريعة(قدس سره).
وحاصله : استظهار أنّ التطبيق لم يصدر من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ جملة (لا ضرر ولا ضِرار) كلام مستقل، وقضاء منه(صلى الله عليه وآله وسلم) مستقل، وإنّما جمعَ بين هذا الكلام، وبين قضيّة الشفعة وغيرها ـ مما يتوهم التطبيق عليه ـ الرّاوون المتأخرون.
واستشهد على ذلك بأمرين :
الأوّل : جمع هذه الجملات ـ التي قضى بكلٍّ منها في واقعة مستقلة ـ في خبر أحمد بن حنبل المرويّ فيه أقضية النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بتلك الجُمل.
الثاني : إتحاد روايات هذه الجمل المقتطعة في رجوع سندها الى عُقبة بن خالد مُطلقاً، وفي غير سند الصدوق; الى محمد بن عبد اللّه بن هلال، عن عُقْبة.
فهذه الجملات كانت أقضية مستقلة رووها المذكورون مجتمعة، ثمّ اقتطعها المتأخّرون حيث ترى.
فَتُوِّهم ارتباط هذين الكلامين بالتعليل والتطبيق.
وفيه أوّلاً : أنّ هذا الكلام وقع بين حكمين راجعين الى الشُفعة، ولم يكن كذلك منقولاً في الخبر المشتمل على جُلّ قضاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقوّى غَيْريّة هذا الخبر وعدم ارتباطه بالقطع.
وثانياً : ـ على فرض تسليم كونه كذلك فيه أيضاً ـ : فالظاهر إرتباطُ هذه الجملات الثلاث، حتى في الخبر الجامع للأقضية. وكون الرّاوي الأوّل ـ أيضاً ـ ناقلاً لها مرتبطاً بحيث يكون قضاءً واحداً في قبال سائر الأقضية المنقولة.
فلم يبق محلّ لاستظهار إستقلال هذه الجملات الثلاث في الخبر الجامع حتى ينفع التقطيع البعديّ، فافهم.
وثالثاً : أنّ هذه الجملة وقعت في هذه الرّوايات في ذيل أحكام عديدة، ولم يكن كذلك في الخبر الجامع. فيقوّى غيريّتُها، وكونُها منقولة مستقلة، ولا ربط لها بتقطيع ذلك الخبر.
ورابعاً : على فرض تسليم وقوعه متكرّراً ـ في ذيل هذه الأحكام ـ في ذلك الخبر الجامع، لكن لا وجه له ـ حينئذ ـ إلاّ التعليل والتطبيق، فلا يمكن استظهار الاستقلال من الخبر الجامع حتى تنفع قضيّة التقطيع.
المختار في الجواب عن الإشكال
فالأولى الجواب عن الإشكال بوجه رابع، وهو : أنّ هذه الجملة لم تُذكر تعليلاً لتشريع الشُفعة; بل هي إحدى معاليلها ونتائج تشريعها; لأنّه بعد جعل حقّ الشُفعة لا يحقُّ للبائع والمشتري مخالفةُ صاحب الحق; لكونِهِ ضرراً، وتفويتاً منهما للحقّ المجعول للشريك.
فالضرر المنفيّ عبارة عن مزاحمتهما، فاندفع الإشكالان; لأنّ جعل الحقّ لم يُعلل بذلك حتى يُورَد عليه تارة : بكونه على خلاف المجعول إرفاقاً بالبائع والمشتري وهو سلطتهما، واُخرى : بأنه غير دائم.
بل لمّا ثبتَت للشريك سُلطة حقّ الشفعة فرّتب عليه ـ حينئذ ـ عدم حقّ الممانعة بلسان أنّ ثبوت حقّ الشفعة يوجب كون ذلك المنع منهما ضرراً مفوتاً لحقّ الشريك، وهو منفيّ.
فهو كما يقول : للشريك حقّ الشفعة وليس لهما الضرر والمنع.
أو يقال : إنّه حيثُ جعل ذلك صار أخذ الشريك غير ضرر; لأنّه عن حقّ، فيخبر عن أنّ عمل الشريك ليس ضرراً، فلا يقدران على منعه، فتأمل.
المصدر: کتاب قاعدة لاضرر و لا ضرار
تقرير أبحاث المُحقّق الاُصُوليّ الكَبيرآية اللّه العُظمى الشيخ ضياء الدين العراقيّ(قدس سره)(1278ـ1361هـ ق)
تأليف الفقيه المحقّق آية اللّه السيّد مرتضى الموسويّ الخلخاليّ (1324 ـ اعتقل 1412هـ .ق)
تحقيق وتعليق سماحة العلامة السيد قاسم الحُسينيّ الجلالي